اغلبنا ان لم يكن جميعنا سمع بأن احد قدم خدمة احد على مصلحته الشخصية رغم حاجته الشديدة لتحقيق هذه المصلحة، ببساطة لكونه اراد تخليص انسان او اي مخلوق ثان من مشكلة او حرج او ما شاكل، هذه السلوكية الانسانية تدعى بـ(الإيثار) الذي يمتاز بها الانسان النبيل الكريم المعطاء من غيره من سائر البشر وصنوفهم.
وسط زخم الحاجات الانسانية والالحاح الذي يتولد في سبيل تحقيقها تجد البعض يشعر بالآخرين ويسعى لقضاء حواجهم مؤجلاً حاجاته وتلك ميزة ربما يعتبرها الكثير من الناس غير المتنعمين بها انها سوء تصرف على اعتبار ان حاجة الانسان اولى بالتحقيق قبل الاخرين، هذا الحكم ربما جاء منسجماً مع ميلهم الى تحقيق الكمال بأقصر الطرق واسرع الاوقات.
علم النفس يقول ان الإيثار ببساطة هو العيش من اجل الاخرين، لكن ذلك لا يعني ان يخدم الانسان من حوله ويترك حاجاته دونما تحقيق
علم النفس يقول ان الإيثار ببساطة هو العيش من اجل الاخرين، لكن ذلك لا يعني ان يخدم الانسان من حوله ويترك حاجاته دونما تحقيق بل يجب ان يكون شيء من الموازنة مع مراعاة الاولى فالأولى، فهو قيمة كبرى ان احسن فهمه وسخر في خدمة الذات والمحيط.
يختلف الإيثار بحسب الجنس فالرجال اكثر عرضة للإيثار قصير الامد كنجدة غريق او مساعدة شخص بمبلغ من المال رغم حاجته الماسة لذلك المال، اما النساء فأنهن لديهن استعداد للإيثار طويل الامد على سبيل المثال يقمن بتربية ابناءهن ويسهرن ليالي من اجلهم على حساب راحتهن الشخصية كما ويمكنهن نسيان مهنهن من أجل تربية الأطفال.
هل للإيثار صنوف؟
للإثار صنوف متعددة بتعدد الدافع من ورائها اهما:
1- الإيثار الاخلاقي وهو الذي يسعى عبره الانسان الى تحقيق الاحتياجات الأخلاقية من أجل تحقيق الراحة الداخلية، ومن يقوم بهذا النوع من الايثار هم الافراد الذين يمتازون بالشعور العال بالواجب اتجاه المحيطين طلباً للحصول على الرضا الاخلاقي.
2- الإيثار الاجتماعي هذا الصنف من الايثار ينطبق على الدائرة الاضيق مثل الاهل الجيران والزملاء والاصدقاء اذا يقدم هؤلاء الإيثاريين خدمات مجانية لهؤلاء الأشخاص مما يجعلهم أكثر نجاحاً.
3-الإيثار الودي هو ثالث صنوف الإيثار والذي يتم عبره فهم احتياجات الناس والتعاطف معهم وبالتالي يقدمون على مساعدتهم دون اي مقابل مادي.
الإيثار مبدأ انساني عظيم يعمل بموجبه الفرد برعاية الناس من ابناء مجتمعه رعاية نفسية، معنوية واخرى مادية، ولا يقف الايثار عند حدود البشر مع بعضهم فحسب بل ينحسب مع مافي المحيط والتاريخ ينبئنا بالكثير من سيير العظماء الذين كانوا يعملون وفق هذا المبدأ وبذا اصبحوا ايقونة الايثار فما إن يذكر حتى يذكرون ولن يمحي اثر صنعيهم المتفرد غبار المارقين والحاقدين والغير منصفين.
يمتد الاثر الجميل للإيثار الى ما وراء حدود القرابة فيمكن ان يشمل الجيران والاصدقاء وكل المجاميع الانسانية التي تربطهم قيم التعاطف والرحمة وحسن النية
في هذا السياق اود ذكر إيثار الامام الحسين، عليه السلام، كأحد ابرز العظماء بعد جده ايثاراً ونفعاً لمن حوله فهو في طريقه الى كربلاء وتلك الحادثة النادرة الحصول التي يرويها الثقات من الرواة والتي هي بإختصار:”عندما قتل أنصاره وأهل بيته، قصده القوم واشتد القتال وقد اشتد به العطش فحمل من نهر الفرات على عمر بن الجناح وكان في أربعة آلالاف فكشفهم عن الماء واقتحم الفرس الماء فلما هم الفرس ليشرب قال الحسين: أنت عطشان وأنا عطشان فلا أشرب حتى تشرب”، لما لا وهو الحسين سبط الرسول الكريم محمد، صلى الله عليه وآله، والوصف له مهما كمل ناقص والمديح اليه قاصر.
في حادثة يرويها ابناء مدينتي الصغيرة الهندية ملخصها ان رجلاً من اهل المدينة اشترى ذات يوماً ملابس لأطفاله تقيهم برد الشتاء وتظهرهم بمظهرٍ حسن على اعتبار ان ملابسهم رثه وممزقة، ففرحوا ايما فرح وارتدوها في اليوم التالي ليقوم هو كعادته بإيصالهم الى مدرستهم وعند خروجهم من باب منزلهم صادفوا امرأة كبيرة في السن تصطحب طفلين يتراجفون برداً، قام الرجل بإنزاع ملابس اطفاله الجديدة واعطاءها اياهم وامر اطفاله بالعودة الى ملابسهم القديمة، اي إيثار هذا ومن منا لو وضع بنفس الموقف سيسلك نفس السلوك؟.
الإيثار أن يتخلص الانسان من انانيته، اذا ما اتفقنا فالأنانية هي سعي الانسان لتحقيق مصالحه الخاصة ويعد ذلك انجاز وقوة مما يعود عليه بالأريحية النفسية، اما الإيثار فهو السلوكية التي يتلقى من خلالها الشخص أعلى درجات السرور من تحقيق النجاح من قبل الآخرين والذي شارك فيه بشكل مباشر.
يمتد الاثر الجميل للإيثار الى ما وراء حدود القرابة فيمكن ان يشمل الجيران والاصدقاء وكل المجاميع الانسانية التي تربطهم قيم التعاطف والرحمة وحسن النية ويُطلق على الأشخاص الذين يشاركون في أنشطة إيثار خارج معارفهم محبو الخير وفاعليه فهنيئاً لمن يوضع اسمه ضمن قائمة فاعلي الخير.