حدیث الناس

موت بالبرد وآخر بالنار.. مكافأة الساسة لجماهيرهم!

فشل جديد ومن نوع غريب هذه المرة يصيب الأداء السياسي الشيعي عندما يسقط أحد عشر شهيداً من القوات المسلحة العراقية في هجوم ارهابي غادر بمنطقة  العظِيم بمحافظة ديالى، فيما الاحزاب الشيعية غارقة في دوامة تشكيل الحكومة في موقف هزيل مثير للسخرية أمام تماسك الموقف السنّي والموقف الكردي –مع رفضي المطلق للمحاصصة الطائفية-، وبعد ثلاثة أشهر من الانتخابات البرلمانية التي يفترض ان تكون استجابة لمطالب المتظاهرين طيلة عامين لتشكيل حكومة جديدة تنصف خريجي الجامعات، وتنقذ سكان بيوت الصفيح، وترفع البلد من مستنقع التبعية والتخلف، فلا هذا حصل، و لا ذاك، إنما عودة شاب عريس لم يمض على زفافه سوى أيام معدودة في جنازة، مكللاً بأزهار عرسه، فقد ترك زوجته العروس ليؤدي واجبه إزاء وطنه وشعبه في أشد المناطق سخونة وخطورة في العراق.

هذا الشهيد والعشرة الآخرين من رفاقه، أدّوا واجبهم، كما فعل الشيء نفسه، الآلاف من الشباب الابطال طيلة السنوات الماضية، فما هو الواجب الذي أدّاه الساسة الجدد الذين انفرجت أساريرهم واتسعت شفاههم بالابتسامات العريضة لحظة سماع نبأ فوزهم كنواب في الانتخابات الاخيرة؟ ولماذا يجب ان يتركوا حكومة تصريف الاعمال تستنزف الوقت بهذا الشكل المريع والقاتل؟ هل يقبلون لانفسهم أن تكون المناصب، أو تحديد هوية رئيس الوزراء أعزّ وأعظم من دماء الجنود الذين يخاطرون ويقاتلون من اجل العراق أمام تحدي الارهاب الطائفي؟

يبدو ان الارهابيين أذكى بكثير من  الساسة، فهم لا يضيعون الوقت لتنفيذ عملياتهم وكسب الجولات ضد من يعدونهم أعداء يحرمونهم من الامتيازات ومن “الكعكة العراقية” بينما الساسة يضيعون الوقت عن طيب خاطر في توسيع رقعة الخلاف والشقاق في المواقف والرؤى فيما بينهم على أمور ومصطلحات لا تلامس واقع الانسان العراقي بشيء مطلقاً مثل؛ “الاغلبية السياسية”، او “الاغلبية الوطنية”، ومصطلحات بات البعض يرددها في  التعليقات على التواصل الاجتماعي من باب التندّر والاستخفاف، كما جرى على لسان الناس فترة طويلة مصطلح “المربع الأول”، او “خلط الأوراق”. كلمات وعبارات تشبه الى حدٍ بعيد ما يحفظه تلاميذ الابتدائية في درس القراءة من فوائد التمر و الحليب!

هكذا صورة الشعب العراقي في اذهانهم؛ جريٌ خلف مراكز توزيع المِنح المالية والرواتب وقطع الأراضي والامتيازات والتعيينات، ثم التجول بين مجمعّات التسوّق لاقتناء أحد الالبسة وهواتف النقال، وتناول أشهى الأطعمة والمشروبات، واقتناء أرقى السيارات، وإن كان ثمة فسحة من الزمن، فهو لاطلاق العنان للسبّ واللعن والتبرؤ من جميع اللصوص والفاسدين والخونة و… على صفحات التواصل الاجتماعي، ثم لا فرق بين هذا وذاك، فالجميع متشابهون في طريقة التفكير إزاء كرسي الحكم، أياً كان العنوان؛ البرلمان، أو الوزارة، او المديرية، او جُحر صغير داخل المديرية!  

صحيح أن الغالبية العظمى قاطعت صناديق الاقتراع ولم تعط ثقتها لمن يعد نفسه اليوم نائباً عن الشعب العراقي، بيد أن المحصّلة النهائية أننا أمام نواب منتخبون، وبشكل محدد؛ لشريحة واسعة من الشعب العراقي منتشرون من الشمال الى  الجنوب، وموجودون في محافظات الموصل وصلاح الدين وديالى، الى جانب محافظات الوسط والجنوب كافة، فالمسؤولية لا تقع فقط على الساسة، وإنما على عموم افراد الشعب العراقي الذي يتلقى نبأ استشهاد الكوكبة الجديدة من شهداء الحرب على الارهاب، وهو يعيش لأول مرة طيلة السنوات الماضية حرماناً غير مسبوق بالطاقة الكهربائية في ظل موجة برد قاسية هذه الايام.

لابد للصورة النمطية في اذهان الساسة ان تتحطم وتتغير اذا اردنا تغيير الواقع العراقي الراهن حقيقةً لا شعارات وتمنيات، فالناس يميلون الى النظام والاستقرار ويؤمنون بكل القيم الاخلاقية والانسانية، وفي نفوس الوقت لا يتحملون هذا اللون من الاستخفاف والذل والهوان وهم في بلد محسودٌ من دول الجوار، ومن دول  العالم لما فيه من الخيرات والثروات، حتى موقعه الجغرافي بحد ذاته أصبح مطمعاً من ذوي المصالح الاقتصادية الكبرى في العالم.

جميع افراد الشعب العراقي مسؤولٌ اليوم عن هذه الجرائم، فالقضية لا تتعلق بأداء سياسي، وليس بمسؤول محلّي في هذه المدينة او تلك، او بظاهرة اجتماعية خاصة بمحيطها الاجتماعي ومستوى الوعي والثقافة هناك، إنما القضية تتعلق بمصير بلد بأكمله، فالذي جرى في كربلاء المقدسة عام 2004 من إراقة للدماء، حصل مثله تماماً بعد عشرة سنوات في الفلوجة والرمادي وتكريت والموصل، والمليارات التي ضاعت في الجنوب بين اللصوص والفاسدين، ضاعت ايضاً بين نظرائهم في شمال العراق (كردستان)، فلا أحد في مأمن من الفساد والموت في هذا البلد ما دام الساسة يأمنون على حالهم من صرخات الاعتراض والتنديد والإدانة.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا