إضاءات تدبریة

اليتيم.. كيف نقوّي الحلقة الأضعف؟

يجب أن نعالج العقد الطبيعية في المجتمعات، فحاكم البلد ـ مثلا ـ يفكر اولا بالدفاع عن حدود البلد الذي يحكمه لبسط الامن، وذلك بالبحث عن الثغرات الامنية، والدفاعية، ويفكر أيضا في الصحة الوقائية والعلاجية.

وفي المجتمع يجب أن نفكر في النقاط الحساسية التي قد تتحول الى ثغرات لتفكيك المجتمع، وتلك النقاط تتمثل في الآتي:

أولا: وضع الأيتام

اليتيم حلقة ضعيفة في المجتمع، فلا أب، ولا عشيرة تدافع عنه وهذا ما يؤدي الى ضياع حقوقه، ولهذا كان أول حديث لله ـ تعالى ـ في المجتمع عن اليتيم، ثم عن الاشياء المتربطة بالضعف من قبيل ظروف الطلاق، والشقاق بين الزوجين وما اشبه من المشاكل الأخرى، هذه وغيرها تشكّل الثغرات التي من خلالها يتفكك المجتمع.

في المجتمع العربي سابقا كانت تكثر الحروب، ولذا “كان شعارهم الخوف ودثارهم السيف”، فلم يكن هناك أي نوع من الأمن، وكان الموت منتشر بكثرة، سواء بالحروب، أو الامراض، ولذلك كثرت طبقة الايتام.

اليتيم حلقة ضعيفة في المجتمع، فلا أب، ولا عشيرة تدافع عنه وهذا ما يؤدي الى ضياع حقوقه، ولهذا كان أول حديث لله ـ تعالى ـ في المجتمع عن اليتيم، ثم عن الاشياء المتربطة بالضعف

{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ}، فحين يبلغ اليتيم مبلغ الرجال والنكاح فإن أمواله تدفع اليه، وبعد البلوغ لا يسمى يتمياً، وإنما سمّي بهذا الاسم لقرب عهده باليتم.

{وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}، البعض تكون امواله حلالاً طيبا، لكنه سرعان ما يلوثها بأموال الحرام، فالمال الحلال والحرام يتسابقان على الانسان، ولذا فإن على المؤمن الانتباه حتى لا يدخل المال الحرام في حلاله، والى هذا تشير الآية الكريمة.

{إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً}، ورد في سبب نزول هذه الآية أنّ رجلًا من قبيلة غطفان كان عنده ابن أخيه اليتيم، وكان لهذا اليتيم مالًا كثيرًا تحت وصاية عمّه، فلمّا كبر وأراد ماله رفض العم ردّ المال، فذهب هو وابن أخيه إلى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم وآله- ليحكم بينهما، فنزل قوله ـ تعالى ـ: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}، فردّ العم المال إلى ابن أخيه. والحوب هو: الذنب الكبير.

{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا}

هذه الآية فيها بصائر:

اولا: القرآن الكريم بين لنا إباحة تعدد الزيجات في وقت واحد، وتعدد الزوجات حسب هذه الآية يرتبط بوضع شاذٍّ، ووضع استثنائي.

ثانيا: بسبب الوضع الاجتماعي ـ آنذاك ـ ادى ذلك الى كثيرة الأرامل والايتام، فكان اليتيم يظلم، وكان غير قادر على التصرف الصحيح بـأمواله، وأمه ايضا لا تستطيع التصرف بالشكل المطلوب في الاموال بما فيه فائدة الايتام، وهنا شرّع الاسلام التزويج بالأرملة، ـ وعادة ـ الارملة غير شابة لأنها أمٍّ لأطفال، والزواج منها له تبعات؛ فالأيتام سيصبحون برقبة المتزوج من أمهم، ولذا فإن تربيتهم تكون على عاتقه.

إن الاسلام اباح هذه الحالة للمحافظة على وضع الايتام، يقول الله ـ تعالى ـ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}، والاقساط يعني العدالة، وهذه المرأة ـ الأرملة ـ يمكن للرجل أن يتزوجها حتى يعتني بها وبأولادها اليتامى.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا