ليست هي من اجتراحات اللغة العربية لمصطلح سياسي جديد مع كثرة المصطلحات السياسية، لاسيما القادمة من البلاد الاخرى والمترجمة الى العربية، إنما شدّة الهموم والاحباطات في واقع سياسي ضحِل كالذي يجري في العراق يحمّل المتابع مسؤولية التأشير الى نقاط محورية من شأنها التأثير على الحاضر والمستقبل.
في الماضي كنا نسمع عن نظرية “العصا والجزرة” في عهود الديكتاتورية والانظمة الفردية التي كانت تقود الشعوب بالآمال والوعود والشعارات البراقة، وبذلك ضمنت البقاء في السلطة لعقود طويلة تخلّلت القرن العشرين بأكمله.
أما اليوم فان الذي يجري؛ ليس في العراق وحسب، بل وفي جميع البلاد الاسلامية يوحي بأننا محكومون بنظرية جديدة خاصة هذه المرة خاصة بالشعوب وليس بالحكام، وإن كانت قاسية من حيث المثال والتشبيه، بيد أن الحكماء قالوا: “الامثال تضرب ولا تُقاس”، فقد ذكرتني الاحداث في جمهورية كازاخستان والسرعة الفائقة في التدمير والقتل والاضطرابات الامنية بحديث شيّق لآية الله السيد هادي المدرسي وهو يتحدث عما يميّز الانسان المتحضّر عن غيره بأنه يتعض من تجارب الماضين، ولا يكون مثل معشر الفئران عندما ينصبون لهم الفخاخ (المصيدة) ويضعون الطعم اللذيذ بداخله، فعندما يقع فأرٌ في الفخ لا يعتبر الآخرون من الأمر، فيأتي الفأر الثاني والثالث والرابع وهكذا؛ يتسابقون على الطُعم اللذيذ داخل الفخ!
لا شعب في العالم يعيش دون أزمات في الوقود، والسكن، والعمل، والأمن، ولكن ليست كلها تحوّل هذه الأزمات الى براميل بارود باستطاعة طفل صغير يحمل ولاعة بيده ويفجر هذا البرميل
لا شعب في العالم يعيش دون أزمات في الوقود، والسكن، والعمل، والأمن، ولكن ليست كلها تحوّل هذه الأزمات الى براميل بارود باستطاعة طفل صغير يحمل ولاعة بيده ويفجر هذا البرميل، أكبر الازمات وأكثرها تعقيداً تُحل بشكل سلمي دون تقديم خسائر، ومن يتحدث عن الفارق بين بلادنا والبلاد الغربية، وأن الاخيرة تتعامل مع شعوبها بغير ما يسود عندنا من تعامل سلطوي لا يقيم وزناً لرأي وحقوق المواطن، أقول: المفارقة حقيقة واضحة، إنما أصل الفكرة (النظرية) سائدة وتطبق في كل مكان، ولا أدلّ على ما نقول مما حصل في قلب عاصمة الديمقراطية في العالم (امريكا) من اقتحام لمبنى مجلس النواب لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة من قبل متعصبين موالين للرئيس السابق دونالد ترامب احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن خسارة الاخير، فقد تسبب تضخم المشاعر القومية الاميركية المكبوتة في نفوس شريحة من المجتمع، الى انفجار الشارع بشكل مذهل وغير متوقع بفعل كلمات قلائل تفوّه بها ترامب بدعوى وجود تزوير في الانتخابات.
وجود المشاكل ليس بالامر العجيب، إنما يحتاج الى حكمة وتبصّر وطول أناة لمعالجتها دون الحاجة الى مساعدة خارجية، وهذا ما يحكم به منطق العقل، فهل يخلو بلد مثل العراق، بل وجميع البلاد الاسلامية من العقلاء والحكماء واصحاب الرأي والبصيرة؟
ولكن كيف نحقق ذلك؟! عندما نعتبر من الآخرين الذي توسّلوا بالآخرين لحل مشاكلهم الداخلية، نعم؛ الإعلام، هو المعين الوحيد للشعوب المقهورة والمأزومة بفعل السياسات الفاشلة، فتكون مهمته إيصال رسالة الحقوق والمعاناة الى العالم لكسب الرأي العام والتأثير على القرار في العواصم المعنية، فلا ننسى أن الآخرين “خارج البيت” ممن يبتكرون الافكار، ويبذلون الاموال، ويتدخلون بشكل مباشر بدعوى المساعدة على استعادة الحقوق، فانهم يستوفون أجورهم بالأول ويحققون مصالحهم من وراء هذا التدخل ثم يفكرون بما يجنيه الناس، وعادةً تكون النتائج الدسمة من نصيب الاطراف الخارجية، أما الاضطرابات الأمنية، وتدمير المباني، واحتراق الشوارع، و المزيد من أعداد الثلكى والأرامل والايتام فهو من نصيب الناس المغلوب على أمرهم ممن يتصورون أنهم يحققون اهدافهم في الخلاص من الفساد والبطالة والظلم، ثم يكتشفون أنهم يسيرون باتجاه سراب يحسبه الظمآن ماء، وتكون النتيجة؛ انتقال الفوضى من الشارع الى داخل مجلس النواب المنتخب من هذا الشعب نفسه، وهو يمثل قلب الدولة الباعث للروح والحياة لسائر مؤسسات الدولة، وللمجتمع بأسره.