لا نقبل ان نسامح احداً او حتى نناقشه حين يكون مختلفاً عنا، نرى اننا الافضل عقائدياً او اجتماعياً او علمياً، نرى كل ما لدينا جميلاً ومميزاً فملابسنا تختلف عن الناس وسياراتنا كذلك وكل شيء يخصنا افضل من الآخرين ولا نبقل بغير ذلك، كما ان بلدنا هو الافضل ونادينا الذي نشجعه وكل اختياراتنا وقراراتنا، كل ذلك سنشعر به وربما ينعكس على السلوكيات حين نصاب بداء التعصب الذي يفتك بالتجمعات الانسانية ويفككها.
يعرّف علم النفس الاجتماعي التعصب بشكل عام على أنه: “اتجاه سلبي غير منطقي تجاه جماعة أو اتجاه أعضاء تلك الجماعة، و يتسم بعدة صفات منها التفكير غير المنطقي، الجمود، التعميم المفرط، الظلم، وسيادة الأفكار النمطية، هذه الأخيرة التي تعتبر تطبيقا أتوماتيكياً للتعصب تجاه أعضاء الجماعة التي تخصها هذه الأفكار النمطية”.
يقوم التعصب على الوهم والتشوه الادراكي عندما يمُدّ صاحبه بصور وهمية عن شخصيته وعن سلوكياته ومعتقداته مما يدفعه لأن يميز نفسه عن الآخرين
التعصب من اكثر الامراض الاجتماعية التي شرعت بالانتشار بصورة ملفتة للنظر وفي جميع المجتمعات سواء الاوربية او العربية او غيرها من سكان المعمورة سيما في الآونة الاخيرة، وهذا المرض يولد العداوة والكراهية وبالتالي يحدث شرخاً في العلاقات الشخصية والاجتماعية.
الاسرة تعتبر الحاضنة الاولى للانسان والتي تؤخذ على عاتقها تقديم الرعاية الاولى للناشئ، لذا صار لزاماً عليها ان تقوم بالتنشئة السليمة المبينة على تقبل الآخر وعدم التعالي عليه او الانتقاص منه واحتقاره ويقدم نفسه بأنه ليس مثل سائر الآخرين، وبالتالي هذا الشعور الوهمي يفوت على الانسان فرصة حل إشكالاته ومشاكله بطريقة واقعية وقد يفوت عليه ايضاً فرصة الاندماج المجتعي.
هل للتعصب صنوف؟
للتعصب اوجه عدة سنذكر اهمها على وجه الاختصار وهي:
اولاً: التعصب القومي الذي بموجبه يقاتل الانسان المتعصب من اجل اثبات ان قوميته هي الافضل كما يفعل الاتراك والفرس والعرب ايضاً ويخوضون من اجل ذلك حروباً مادية وكلامية.
ثانياً: التعصب الديني الذي يرى فيه الفرد المتعصب انه دينه او مذهبه او حتى مرجعه الديني الافضل من بين باقي الاديان والمذاهب والمراجع، وبالتالي قد يكفّر الآخرين من اجل اثبات انه الوحيد او الاصح.
ثالثاً: التعصب العنصري حسب الجنس واللون ففي اوربا مثلاً يبعد اصحاب البشرة السوداء عن الكثير من المناصب او الوظائف العليا بينما تمنح المناصب بدون استحقاق.
الاسرة تعتبر الحاضنة الاولى للانسان والتي تؤخذ على عاتقها تقديم الرعاية الاولى للناشئ، لذا صار لزاماً عليها ان تقوم بالتنشئة السليمة المبينة على تقبل الآخر وعدم التعالي عليه او الانتقاص منه واحتقاره
رابعاً: التعصب الفكري الذي يدفع الافراد رفض فكر الآخر وعدم قبوله والاستماع إليه، والتشدد في التعامل معه، بعيداً عن التجرد والإنصاف في الحكم عليه.
خامساً: التعصب الرياضي الذي اصبح منتشراً في الآونة الاخيرة سيما بعد ان تأسست روابط المشجعين والتي زادت وتيرة التعصب من خلالها ونتيجة لذلك شهدت الملاعب الرياضية أحداث عنف بسببه.
للتعصب درجات اولها كما يقول جوردن ألبورت: “تبدأ بالتعبير اللفظي عن الكراهية، من ثم تجنب التعامل مع أعضاء الفئة التي يتعصب ضدها، وحض الآخرين على الابتعاد عمن يتعصب ضدهم، بعد ذلك يتحول الى اعتداء بدني الخفيف، وقد يصل الحال بالمتعصب الى الرغبة في التخلص من الآخر المختلف بالقتل”.
المسببات
بصورة عامة يمكننا ان نحصر اسباب التعصب في النفس البشرية بعاملين اثنين وهما:
1-التنشئة الاجتماعية: بحسب بعض المدارس السيكولوجية فإن التعصب يحدث لدى الانسان كنتيجة للتفاعلات الاجتماعية التي تزودها بها عملية التنشئة الاجتماعية، فمن الطبيعي ان ينشأ الطفل وهو كاره و حاقد على فئة من الناس بسبب انتمائهم لجماعات مختلفة عن جماعتهم، وهو ما يؤدي الى خلق قيم مشتركة تدفع بأتجاه التعصب.
2- العوائق الاجتماعية: الفقر والامية وازمة السكن كما انتشار البطالة تعتبر من العوائق الاجتماعية التي تؤدي الى القلق وانعدام الامان وفقدان الاستقرار الوجداني، ومثل هذه المشكلات النفسية يمكن تدفع الانسان الى الاحباط وبالتالي يبحثون عن كبش فداء ليحملوه مسؤولية عنائهم النفسي وتلك ابرز سلوكيات الشخصية التعصبية.
كيف نواجه التعصب؟
مواجهة التعصب ليس يسيراً بالمرة ولن يكون إلا في حال تظافرت جهود مؤسسات المجتمع وكما يلي:
1-الاسرة تعتبر الحاضنة الاولى للانسان والتي تؤخذ على عاتقها تقديم الرعاية الاولى للناشئ، لذا صار لزاماً عليها ان تقوم بالتنشئة السليمة المبينة على تقبل الآخر وعدم التعالي عليه او الانتقاص منه واحتقاره.
2- المؤسسات التربوية والتعليمية: بدءاً من رياض الاطفال وصولاً الى الجامعات يجب ان تضمن في مناهجها ما ينبذ التعصب ويدعو الى الالفة واقامة العلاقات على اساس الاحترام المتبادل والتعامل الاخلاقي.
3- المؤسسات الدينية هي الاخرى يقع عليها مسؤولية المساهمة في نبذ التعصب وبث خطاباً معتدلاً بدل الخطاب المتشنج الذي ذهب ضحيته الآلاف من البشر في مناطق عديدة من العالم.
4- المؤسسات الاعلامية معنية بتوعية الناس بضرورة الابتعاد عن التعصب وطرح الاثار السلبية لواقع ماضية شهدها العالم نتيجة التطرف والتعصب وبالتالي قد يخشى الناس هذه الاثار فيبتعدوا.
4- المؤسسات الرياضية عليها دوراً علاجياً وقائياً عبر بناء عقول الشباب على تقبل الخسارة والفوز وعدم الارتماء في حضن التعصب الذي يفسد روح الرياضة ويقتل جماليتها، كل هذه المؤسسات وعبر هذه السلوكيات ستحد من ظاهرة التعصب المقيتة.