فکر و تنمیة

المرونة مهارة لايتقنها إلا الأذكياء

المرونة هي القدرة على التكيّف مع الأحوال المختلفة.

قد يكون المختلف مع رغبتك؛ مناخاً، أو فكراً، أو سلوكاً، او موقعاً جغرافياً، أو ذوقاً طبعياً.

وأيضاً؛ هي قدرة الشخص على تحمل الضغوطات و المصاعب من غير حدوث مشاكل نفسية، بمعنى الضغط على مادة، ثم العودة الى حالتها الأصلية، ذلك لأن الضغوطات و المصاعب على المدى الطويل بإمكانها أن تحدث مشاكل نفسية كالإكتئاب، و من هنا أتت أهمية المرونة النفسية.

لقد خلق الله الأشياء بأنماط مختلفة، ليساهم كل مخلوق ببصمته في استمرارية الحياة وتكاملها، وفي هذا الاختلاف يكون إعمار الأرض ونمائها، لذلك لابدَّ أن نكون مرنين مع الاختلاف ونحاول تقبُّله والتعايش معه.

هنا يَرد السؤال: هل نحتاج لهذه المهارة؟

نحن نحتاج أن نتقن مهارة المرونة في كل فصول حياتنا وفي جميع مواقعنا ومواقفنا لنستطيع العيش بسلام وسعادة، وبدونها سنتحول الى أشخاص منبوذين ومعزولين، لأن من لايستطيع التكيف والتعايش مع الاختلاف فليبحث له عن كوكب آخر كل من يعيشون فيه يشبهونه في الفكر والعادات والذوق والتوجهات!

إليكم هذه القصة :

كانت إحدى وكالات الفضاء في حالة بحثٍ لمدة اثني عشر سنة عن حل لمشكلة الكتابة في الفضاء، فقلم الحبر ينتقل الحبر فيه من الأعلى و ينزل للأسفل ولكن الفضاء لاجاذبية فيه، فقاموا بابتكار قلم حبر يكتب في الفضاء، كلفهم آلاف الدولارات آنذاك، بينما بطريقة بسيطة غيرت وكالة فضاء أخرى قلم الحبر بقلم رصاص وانحلت المشكلة بدون تكلفة ولاعناء!

ولكن! هل المرونة تعني التنازل؟

الكثير من الأشخاص يتصرف في الوسط الوظيفي وكأنه يعيش في مملكته الخاصة، لا يراعي مشاعر الآخرين، ولكن من يمتلك “المرونة الوظيفية” فإنه يتمكن من التكيف مع مديره وزملائه في العمل

المرونة لا تعني التنازل عن المبادئ أبداً، ولا التساهل بخصوص المحرمات، ولا تعني تغيير الاتجاه الصحيح، بل هذه الأمور تعني الانحراف، لذلك لابدَّ من مقاومتها والتصدي لها.

المجالات التي نحتاج فيها للمرونة

مهارة المرونة ضرورة حياتية في جميع المجالات، نذكر بعضها:

  1. على الصعيد الشخصي:

لابد من المرونة عند تحقيق الأهداف، فإذا وصلت لما خططت لهُ فأنت بطل ومجاهد، واذا لم تصل عِدها تجربة نافعة، استفد منها، حللها لتعرف ثغراتها وأماكن الاخفاق فيها، ولابدَّ أيضاً من الاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين، المهم أن تحاول من جديد، ولا تتوقف عند أول عائق يعترضك.

  • في الحياة الزوجية

فمهما تشابهت أفكار الزوجين وأطباعهما لابدَّ من وجود اختلافات بينهما، ومن حق كل واحد منهما أن يعيش حياته بخصوصية، وعلى الطرف الآخر أن يتقبل هذا الاختلاف ويتركه يمارس حريته كما يُفضِّل.

قد يجد أحد الزوجين طبعاً منفراً في الآخر، ولا يعده أساساً في بناء الاحترام بين الزوجين، كسهر الزوج بعض الليالي لوقت متأخر، أو رغبة الزوجة بزيارة أهلها كثيراً، هنا يأتي دور المرونة الزوجية وقدرة الزوجين على تشخيص الحالة السلبية، و إشعار الآخر بضرورة تغييرها، ثم إعطائه الفرصة لتركها تدريجياً، والتكيّف مع هذه الفترة بالهدوء والتقبل.

  • في الوسط الوظيفي

الكثير من الأشخاص يتصرف في الوسط الوظيفي وكأنه يعيش في مملكته الخاصة، لا يراعي مشاعر الآخرين، ولكن من يمتلك “المرونة الوظيفية” فإنه يتمكن من التكيف مع مديره وزملائه في العمل مهما اتسعت دائرة الاختلاف فيما بينهم.

ربَّما يكون مديرك متسلطاً أو دقيقاً، ويتصيّد عليك الهفوات، و زملاؤك انتهازيون ويستغلون طيبتك، وهنا يأتي دور المرونة الوظيفية بأن تبدي انتقادك للسلوكيات السلبية وتحاول تغييرها، ثم تظهر مزيداً من المرونة في التكيف مع الوسط الوظيفي رغم تغيره البطيء.

  • العلاقات العامة

نلاحظ أكثر الناس محبوبية، أقدرهم على التكيف والألفة، ويمكن القول أن الشخص المَرن هو من يستطيع إظهار الصفات المشتركة مع من يعيش معهم، وبذكاء يخفي نقاط الاختلاف، فالناس بطبعهم التكويني وفطرتهم الخلقية يميلون لمن يشبههم.

أكثر الناس محبوبية، أقدرهم على التكيف والألفة، ويمكن القول أن الشخص المَرن هو من يستطيع إظهار الصفات المشتركة مع من يعيش معهم، وبذكاء يخفي نقاط الاختلاف

ومن يمتلك هذه المهارة (المرونة) تجده هو المحور الرئيسي لكل من يعيش معه، وهو المستشار والملاذ لاختلافاتهم، ومن هنا تشكَّلت فرضية البرمجة العصبية التي تقول: “أكثر الأجزاء مرونة في التنظيم، هي أكثرها تحكماً في النظام”، فالسيارة التي تحوي المئات من الأجهزة والآلات، نجد أن مقود السيارة هو الذي يتحكم في اتجاهها ومصيرها، فقط لأنه أكثر الأجزاء في السيارة مرونة.

  • بناء المرونة النفسية

بالامكان بناء المرونة النفسية من خلال الخطوات التالية:

  1. تكوين شبكة علاقات اجتماعية مساندة

لتكوين علاقات جيدة مع العائلة و الأصدقاء دور في حصول الدعم و المساعدة منهم عموماً وفي مختلف الأوقات، و من شأن الأحساس بالدعم و المساندة تقوية المرونة لدينا.

  • وبإمكاننا تقوية المرونة من خلال النشاطات الإجتماعية التي يقوم بها الكثير من الأشخاص، كالتطوع و الإنضمام الى نوادٍ وجمعيات، فكلما خضنا تجارب اجتماعية أكثر، تعلمنا المرونة أكثر.
  • تجنب النظر إلى الأزمات بأنها سيل لا ينتهي من المشكلات.

هناك نوع من الأزمات و الصعوبات بإمكاننا التحكم بها، فنجد لها الحلول، و هناك أيضاً ما هو خارج عن سيطرتنا، وهنا لابدَّ من التغافل، ومتى قمنا بالتمييز بينهما، أصبحنا أقدر على الثبات.

  • اعتبار التغيير سنة الحياة

يأتي التغيير في كثير من الأحيان على شكل أزمات و اَلام قد تشكل ضغوطاً و تقوم بتعكير الصفاء الذهني الذي كنّا نعيشه قبل حدوث المشكلة أو الإحساس بالألم، لذلك قد تكون إحدى طرق بناء المرونة من خلال تقبل التغيير في مختلف نواحي الحياة، و يدعم هذا التقبل وجود أهداف يتم العمل عليها و رؤية ترشدنا إلى ما نصبو له في الحياة.

  • تحديد الأهداف بغض النظر عن صغرها

من شأن تحديد الأهداف؛ التحفيز على الإنجاز و النجاح، كما أنها تساعد في تعزيز الثقة بالنفس عند تحقيقها ما من شأنه دعم المرونة.

  • البحث عن فرص لإكتشاف ذاتك

لحدوث الأزمات و المشكلات فضلٌ، وهو أنها تساعدنا في إخبارنا أشياءً عن أنفسنا و عن منظورنا للحياة، فكثيرة هي القصص التي يقوم أصحابها بالحديث عن مواجهتهم للألم و الصعوبات و التي كانت لهم نقطة تحول للأفضل في العمل على جوانب مختلفة من حياتهم.

صفات الأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة

1-القدرة على التعافي من الضغوطات و الأزمات بشكل عام و العودة للوضع ما قبل تلك الضغوطات و الأزمات سريعاً.

2- يعملون عادة بعقلية؛ “مادامت هناك نية، فهناك طريقة”.

3- الميل للنظر للمشكلات بأنها فرص.

4-القدرة على الصمود بوجه المواقف و الأحداث التي تفرض الضغط.

5- وجود نظام قائم على قِيَم يحتكمون إليها في حياتهم، مما يجعلهم قادرين على تمييز ما بإمكانهم السيطرة عليه من أحداث و ما هو خارج عن سيطرتهم.

6- ايجاد شبكة علاقات اجتماعية مساندة.

7- اختيار المواقف التي يرغبون بالخوض فيها، “فليس عليهم التفاعل مع كل شي في حياتهم”.

8- لديهم منطقة أمان واسعة.

وفي الختام اذا أردت أن تكون مؤثراً وتحرِّك الأفراد والجماعات، فامتلك مهارة المرونة وتخلّص من التصلب وفرض الأمر بالقوة، فالمجتمع الانساني يلفظ القُساة، وينجذب لأصحاب المرونة، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “لا تكن ليناً فتُعصَر ولا تكن صلباً فتُكسَر”.

عن المؤلف

المُدربة: عبير ياسر الزين

اترك تعليقا