مكارم الأخلاق

من أخلاقيات طالب العلم – كيف تكون شجرة مثمرة؟!

“الشجرة المثمرة كلما ازداد ثمارها ازداد انحناؤها”، يشكل التواضع ركيزة اساسية للفرد، خصوصا طالب العلم، إذ أنه يعطيه القدرة على كسب قلوب الناس، وهذا بدوره يمثل رافدا ايجابيا يعود بالنفع على العامل النفسي والابداعي للفرد، وبالتالي عود هذه المنفعة على الفرد بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.

ولأن طالب العلم هو أكثر التصاقا بالمجتمع من غيره بنسب متفاوتة، فإنه بحاجة ماسة الى أن يحمل معه الثمار اليانعة من التواضع حتى يتمكن من ايصال رسالته الى المجتمع من حوله.

يقول الله ـ تعالى ـ: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} “إن هذا السلوك يساهم في صنع المجتمع المبدئي المتسامي عن العلاقات المادية، ونستوحي من هذه الآية أهمية التواضع و بالذات عند من يحمل رسالة ربه.

يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: (ثمرة التواضع المحبة وثمرة الكبر المسبّة)

جاء في كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى الإمام الصادق، عليه السلام: “وَقَدْ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ أَعَزَّ خَلْقِهِ، وسَيِّدَ بَرِيَّتِهِ مُحَمَّداً صلى الله عليه واله بِالتَّوَاضُعِ، فَقَالَ عَزَّ وجَلَّ {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ‏ الْمُؤْمِنِينَ‏} وَالتَّوَاضُعُ مَزْرَعَةُ الخُشُوعِ، والخُضُوعِ، والخَشْيَةِ، والحَيَاءِ، وإِنَّهُنَّ لَا يَنْبُتْنَ إِلَّا مِنْهَا وفِيهَا، ولَا يَسْلَمُ الشَّوْقُ التَّامُّ الْحَقِيقِيُّ إِلَّا لِلْمُتَوَاضِعِ فِي ذَاتِ الله”.(من هدى القرآن، ج‏6، ص: 234).

  • نماذج واقعية للتواضع

أولت النصوص الدينية اهتماما بالغا بخصلة التواضع، وتنبع هذه الاهمية لما للتواضع من دور فعّال في حركة الانسان التكاملية والاجتماعية، ومما تجد الاشارة اليه أن النبي، الأكرم، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته من بعده، لم يكتفوا فقط ببيان أهمية وثمار هذه الخصلة بالكلام فقط، بل سعوا الى تطبيقها في الوسط الاجتماعي وهذه ميّزة لافتة، وهي السبق بالقول والعمل.

ونبينا الأكرم خير قدوة وأفضل من تجلت فيه هذه الخصلة، فقد كان من تواضع أن يسلم على من لقيه، سواء كان كبيرا أم صغيرا، رجلا أم امراة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “من التواضع أن تسلم على من لقيت”.

“ورد على أمير المؤمنين عليه السلام، أخوان له مؤمنان، أب و ابن، فقام إليهما وأكرمهما و أجلسهما في صدر مجلسه و جلس بين أيديهما، ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه ثم جاء قنبر بطست و إبريق خشب و منديل، و جاء ليصب على يد الرجل، فوثب أمير المؤمنين وأخذ الإبريق ليصب على يد الرجل، فتمرغ الرجل في التراب، و قال يا أمير المؤمنين اللَّه يراني و أنت تصب على يدي قال : اقعد و اغسل، فإن اللَّه ـ عز و جل ـ يراك و أخوك الذي لا يتميز منك و لا ينفصل عنك يخدمك، يريد بذلك في خدمته في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا.

فقعد الرجل، و قال له علي عليه السلام: أقسمت عليك بعظيم حقي الذي عرفته لما غسلت مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبر، ففعل الرجل ذلك ، فلما فرغ ناول الإبريق محمد بن الحنفية ، و قال : يا بني! لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده ، و لكن اللَّه  عز و جل  يأبى أن يسوى بين ابن و أبيه إذا جمعهما مكان ، لكن قد صب الأب على الأب فليصب الابن على الابن ، فصب محمد بن الحنفية على الابن”.

إن التواضع في حياة الإنسان بشكل عام، وطالب العلم بشكل يؤثر تأثيرا ايجابيا في حياته، وبالتالي تزيد من فاعليته في مختلف مجالات الحياة

أما الإمام الحسين، عليه السلام، فقد جُبِل الإمام الحسين على التواضع ومجافاة الأنانية والكبرياء وقد ورث هذه الظاهرة من جدّه الرسول، صلّى الله عليه وآله، الذي أقام اُصول الفضائل ومعالي الأخلاق في الأرض وقد نقل الرواة بوادر كثيرة من سموّ أخلاقه وتواضعه نلمع إلى بعضها :

1 ـ إنّه اجتاز على مساكين يأكلون في الصفة فدعوه إلى الغداء فنزل عن راحلته وتغدّى معهم ثمّ قال لهم: قد أجبتكم فأجيبوني؛ فلبّوا كلامه وخفوا معه إلى منزله فقال، عليه السّلام لزوجه الرباب: أخرجي ما كنتِ تدّخرين؛ فأخرجت ما عندها من نقود فناولها لهم.

2 ـ مرّ على فقراء يأكلون كسراً من أموال الصدقة فسلّم عليهم فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم وقال: لولا أنّه صدقة لأكلت معهم ثمّ دعاهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم. لقد اقتدى (عليه السّلام) في ذلك بجدّه الرسول، صلّى الله عليه وآله، وسار على هديه فقد كان فيما يقول المؤرّخون يخالط الفقراء ويجالسهم ويفيض عليهم ببرّه وإحسانه حتّى لا يتبيغ بالفقير فقره ولا يبطر الغني ثراؤه.

  • ثمار التواضع

وأما ثمار التواضع فتبينها روايات كثيرة نقتصر على بعض منها؛ يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “ثمرة التواضع المحبة وثمرة الكبر المسبّة”. وهذه الرواية تشير الى دلالة واضحة نعيشها جميعا أن الإنسان المتواضع في المجتمع يحبه كل الناس، بعكس المتكبر الذي ينفر الجميع من حوله.

وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين، عليه السلام: “بخفض الجناح تنظم الأمور”، “ومن الواضح أن عملية تنيظم أمور المجتمع لا تتسنى إلا بالتعاون والتكاتف الاجتماعي والعاطفي بين أفراد المجتمع، وهذا التعاون لا يكون إلا بأن يكون المدير أو المدبّر والقائم على أمور المجتمع لا يتعامل مع الافراد بالضغط والإجبار، أو بأن يباهي ويتفاخر على الآخرين ويرى نفسه أفضل منهم، فإن المدير الموفق في عمله هو من يعيش الحزم والقاطعية في عين التواضع والمحبة مع الآخرين”.(الأخلاق في القرآن الكريم؛ الشيخ مكارم الشيرازي).

إن التواضع في حياة الإنسان بشكل عام، وطالب العلم بشكل يؤثر تأثيرا ايجابيا في حياته، وبالتالي تزيد من فاعليته في مختلف مجالات الحياة، بالاضافة الى كسب محبة الناس واحترامهم لاخلاقه الطيبة، وعلى العكس من ذلك يكون الإنسان المتكبر، فهو يحجب عن نفسه الحقائق بسبب تكبره، علاوة على كره الناس له بسبب تصعير خده عليهم، ومشيه تكبراً وتبخترا بينهم. فأي الطريق نختار؟

عن المؤلف

أبو طالب اليماني

اترك تعليقا