في تعاملاتنا مع المحيط الانساني والمادي لا يأتي كل شيء وفق ما نحبذ فثمة اشياء تفرض علينا كواقع حال يصعب تغيره، وهنا يقف الانسان امام مفترق طرق احدهما مواجهة الواقع ورفضه وتحمل تبعات ذلك الرفض المرهق جداً والآخر تبقله بما هو عليه.
البعض يرى أن مجاراة الواقع ضعف ورضوخ، والآخر يبرر ذلك القبول ويرى انه تعاطي طبيعي وهو جزء من المرونة التي تبقي الانسان متعايشاً ومندمجاً مع البيئة مما يشعره بحالة من الاريحية النفسية التي ترفع رصيد الانسان من الصحة النفسية للفرد، هذه الامر يدعى في علم النفس بـ(التكيف) .
والتكيف هو توافق الفرد مع الظروف التي تحيطه سواء كانت ظروف اجتماعية او اقتصادية تربوية والى غير ذلك من الظروف والمحددات، وفي تعريف آخر هو تنظيم السلوك البشري وفقاً لمعايير البيئة الخارجية.
الطموح الواقعي يبقي الانسان متزناً ومتفائلاً بدل من رفع سقف الطموح وبالتالي الشعور بالخيبة
ومن خصوصيات تكيف الانسان أن يعمل على تحقيق التوازن المفقود بسبب الاختلاف بين ما موجود فعلا ومايراد له ان يوجد، كما انه يحقق الانسجام في علاقة “الإنسان بالبيئة”، والتكيف مع الأفراد الآخرين الذين يحاولون أيضًا التكيف مع البيئة وسكانها.
المختصون النفسيون في مدار حديثهم عن التكيف يقولون: “نظراً لأن الشخص هو نظام بيولوجي متكامل، يجب تحليل التكيف وفقاً لثلاثة مستويات وهي الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تترابط جميعها فيما بينها وتؤثر على بعضها البعض، وتؤسس خاصية متكاملة من الأداء الكلي لأجهزة الجسم تتجلى هذه الخاصية المميزة في صورة تكوين ديناميكي وتعرف بالحالة الوظيفية للجسم”.
هل يؤثر العمر والجنس في التكيف؟
يؤثر عاملي (العمر والجنس) في عملية التكيف بصورة مباشرة ومؤثرة، حيث يتكيف الانسان بصورة اسرع كلما كان اكبر عمراً نظراً لكونه اكثر نضجاً وتفهماً لما يدور حوله من احداث ومعطيات فهو يستطيع التعامل معها بنجاح اكثر على عكس اولئك الذي ينخفض مستوى النضج لديهم كنتيجة لصغر سنهم.
وكذا الحال بالنسبة للجنس فإن الدراسات النفسية تؤكد في مناسبات عديدة على ان الذكور اعلى قدرة من التكيف بالمقارنة بالإناث لدواعٍ عديدة اهمها التركيبة الجسمانية والنفسية للمرأة التي اقل ما يمكن ان توصف انها ضعيفة.
التكيف هو توافق الفرد مع الظروف التي تحيطه سواء كانت ظروف اجتماعية او اقتصادية تربوية والى غير ذلك من الظروف والمحددات
كما أن الاستعداد الشخصي للانسان مع التغيرات البيئية يعد من العوامل التي تؤثر في عملية التكيف فكلما كان الانسان مستعداً نفسياً لتحمل الصعوبات كلما كان قادراً على التغلب عليها، فأساس أي تكيف هو قبول الوضع الحالي، والقدرة على استخلاص النتائج منه والقدرة على تغيير موقف الفرد تجاهه.
ماهي الامور التي تساعد على التكيف البشري؟
ثمة آليات يستخدمها الكائن البشري لتحقيق التكيف النفسي مع البيئة ومن هذه الآليات:
- الخيال الاجتماعي الذي يساعد على توقع نتائج مقبلة افضل من النتائج الحالية.
- الذكاء الاجتماعي الذي بموجبه يستطيع الفرد مسايرة المحيط والاندماج معه وتقبل سلبه قبل ايجابه.
- قدرة الفرد على ادراك اهمية تقوية العلاقة بينه وبينه محيطه للاستمرار فيه.
- سعي الانسان الى تحقيق ذاته بالإمكانات المتاحة وعدم انتظار توافر الامكانات المثالية.
- الطموح الواقعي الذي يبقي الانسان متزناً ومتفائلاً بدل من رفع سقف الطموح وبالتالي الشعور بالخيبة.
- وضع الفرد نفسه في إطار المرحلة الحالية وعدم التخطيط بصورة مثالية لكون عدم تطابق التخطيط مع الواقع سيخلق الكثير من المشكلات النفسية، جميع هذه الآليات هي تحقق للفرد تكيفاً مع بيئته .
هل للتكيف صنوف؟
للتكيف صنوف متعددة اهمها:
- التكيف البيولوجي الذي يتم عبره تعديل خصائص الانسان البيولوجية لتكون اكثر انسجاماً مع محددات البيئة.
- ثاني انواع التكيف هو التكيف الاجتماعي؛ وهو عملية انسجام الفرد مع محيطه الاجتماعي وهي ايضاً الظروف التي تجسد فيها اهداف الحياة بما فيها العملية التعليمية وكل العمليات الاجتماعية الآخرى.
- التكيف العرقي هو نوع مشتق من التكيف الاجتماعي، والذي يتضمن تكيف المجموعات العرقية مع خصائص بيئة إعادة التوطين الخاصة بهم من الظروف الاجتماعية والطقس.
ماذا لو لم نتكيف؟
اذا لم تلبى احتياجات الانسان الملحة لسبب او لآخر مع عدم مقدرة الانسان على التعايش ما هو كائن دون ان يشبع نظره الى ما يريد ان يكون، فإن ذلك يعني تعطيل التوازن وغيابه في البيئة البشرية وهو ما يؤدي الى القلق الذي يجبر الانسان على تحويل وتغير سلوكه وفق ما يفرضه هذا العامل المؤثر، والذي سيحول بالضرورة دون تحقيق الصحة النفسية للانسان ما يعني غياب الصحة الجسمية ايضاً وتلك خسارة كبرى.