{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}.
ليس الايمان وما يتضمنه من الصلاة والدعاء والتضرع الى الله بديلا عن العمل والاجتهاد والتحدي، بل هو غطائه ومكمل له، والايمان باعث قوي للإنسان لكي يعمل ويتصدى ويتحدى.
المجتمع الاسلامي ليس مجتمعا مترهلا وكسولا، وإنما هو مجتمع قيمته بعد الإيمان؛ العمل الصالح، وبعده الاجتهاد؛ والجهاد وينتهي بالشهادة، وهذه هي القيم التي تحكم المجتمع الاسلامي، ولعل الآيات التي في نهاية سورة آل عمران تعكس لنا ميزات هذا المجتمع بصورة مختصرة، وربما في صيغة الدعاء والاستجابة له، كما جاء ذلك في خاتمة سورة البقرة.
المؤمنون يدعون ربهم، وتستنير قلوبهم بمنهج الله، وينظروا الى الطبيعة من حولهم نظرة تفكر، وهي نظرة أولي الألباب، فيجدون في كل شيء حكمة، وتنعكس تلك الرؤية على انفسهم، فهم يرون أنهم ـ ايضا ـ خلقوا لحكمة بالغة، وينتبهون في النهاية الى تقصيرهم، ثم أنهم يسألون الله ان يقيهم عذاب النار، وهذه هي فحوى الادعية التي وردت في نهاية سورة آل عمران، والتي يكررها المؤمنون اقتداء بالنبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، حينما ينظر الى السماء يقرأ تلك الآيات.
المجتمع الاسلامي ليس مجتمعا مترهلا وكسولا، وإنما هو مجتمع قيمته بعد الإيمان؛ العمل الصالح
تلك الادعية ايقظت في البشر انسانيتهم، ففي روايات النبي، وأهل بيته الطاهرين، أن الانسان ليس مجرد كتلة دم ومجموعة من الاعصاب واللحم وما اشبه، فهو عالَم في إهاب* حي، ـ أي أنه عالم من مكونات البدن تحت الجلد الظاهري ـ قال الإمام علي، عليه السلام، في الشعر المنسوب إليه:
أتحسب انك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الاكبر
الاسلام؛ بما فيه من الآيات والنصوص الاسلامية الأخرى، تفجّر في الإنسان إنسانيته وتجعله يعتقد أنه ليس كأي حيّ من الأحياء، ولم يتطور ـ كالقرد ـ كما يقول الماديون، بل هو خلقٌ في الدنيا سُخر له ما فيها، وسخر له كثير مما في السماء، وفي الآخرة إما من ضيوف الرب ـ سبحانه وتعالى ـ فيكون في الجنة التي تحتوي على كل نعمة ما لا يخطر ببال أي بشر، وإما يكون في نار جهنم خلقها الله ـ تعالى ـ ليعذب بها الجاحدين والمعاندين.
عندما تتفجر الانسانية في الإنسان يصبح بإمكانه السيطرة على نفسه وعلى الطبيعة من حوله، فهو يفجر قواه وطاقاته في كل اتجاه.
{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ}
باعتبار الرب أنه هو الذي ربانا من عالم الذر، الى عالم الاصلاب، الى عالم الارحام، الى أن وصلنا الى مرحلة الوجود في هذه الدنيا، وخلال بيان الاستجابة يبين ربنا بصيرة، وهي خلاصة لميزات المجتمع المسلم بشكل عام، والفرد المسلم بشكل خاص:
البصيرة الأولى: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ}.
كل عمل له جزاءه ومعنى ذلك، لو أن شخصا ـ مثلاً ـ عمل ليوم واحد فإنه لا يجازى بعمل يومين، أو يجازى بعمل نصف يوم، بل جزاء بمقدار العمل وهذا هو ما يحرّض الإنسان على العمل، يقول ـ تعالى ـ: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه}، وهذا يعطي روح الاقدام حتى لا يتعب الإنسان من العمل، يقول ـ تعالى ـ:{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}، فعند الانتهاء من عمل ينتقل الى عمل آخر رجاءً لثواب الله.
المرأة وتحمل المسؤولية
{مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}
ثم يبين ربنا أنه لا فرق، سواء كان العامل ذكراً أم انثى، وهذه الكلمة الواضحة للتأكيد باعتبار ان الله ـ سبحانه وتعالى ـ حينما قال {عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ}، وهي تدل على العموم، سواء للكبير أم الصغير، والرجل والمرأة.
{بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}.
يبدو أن ما يأتي الحديث في الآيات التالية لهذه الآية، هو عن مراحل العمل، سواء كان العمل بسيطا أو صعباً كالجهاد وتحمل المشاق، فإن المرأة تشترك في ذلك العمل، لأنها عنصر أساسي في المجتمع.
ذلك حتى لا تعتذر المرأة عن العمل بحجة أن الرجل هو من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتجلس المرأة في بيتها تتصفح جهاز الموبايل وحسب.
إن المرأة بحاجة الى التعلم أكثر وخصوصا الدراسة الفقهية أكثر من الرجل، لأنها تحتاجه لنفسها، ثم أنها مسؤولة عن زوجها وأولادها
هذه المفارقة كانت حين كان ينظر المجتمع الى المرأة بنظرة دونيّة، والمرأة بدورها كرّست هذه النظرة على نفسها، فكانت ترى نفسها في هامش الحياة، فلا تشارك في انشطة المجتمع، فهي عبارة عن أَمَة تؤدي دور معين وينتهي الأمر.
وكذلك اليوم؛ نجد في بعض المجتمعات التي تدّعي الاسلام يقوم الرجال بتهميش المرأة، وهي بدورها تساعد على تهميش نفسها، وتتخذ من قضية الحجاب والعفاف وسيلة للهروب من المسوؤليات، ولهذا نجد الباحثات والمفكرات في المجتمع الاسلامي يكاد يُعدَمْن لقلتهن!
فإذا كانت المرأة لا تستطيع أن تلقي خطابا في سبيل الله، مع مشروعيته؛ كالخطبة الفدكية للسيدة الزهراء، عليها السلام، وخطب السيدة زينب، عليها السلام، وإذا كانت لا تستطيع ذلك، فهل هي غير قادرة على تأليف كتاب؟ او الالتحاق ببحث ديني في الحوزة العلمية؟
المجتمع في بدايته يتكون من اسرة، والأسرة بدايتها من رجل وامرأة، فلماذا هذا التهميش الذي تتعرض له المرأة؟ فحياة الزوجين مع بعض في كل شيء؛ في المأكل والمشرب وما شاكل، فلماذا سُحبت المرأة من الدخول في المسؤوليات الشرعية؟
ترد مسائل كثيرة معقدة من قبل النساء بين فترة وأخرى بسبب عدم معرفتهن بالاحكام الشرعية، ولهذا نرى الحوزات الرجالية أكثر من النسائية.
إنّ المرأة بحاجة الى التعلم أكثر وخصوصا الدراسة الفقهية أكثر من الرجل، لأنها تحتاجه لنفسها، ثم أنها مسؤولة عن زوجها وأولادها، وهذا هو دور المرأة المحوري في المجتمع وهو ما يجب عليها تحمّله.
- مقتبس من محاضرة للمرجع المدرسي (دام ظله).