في عصر التعقيدات التي فرضها تغير انماط الحياة نحو الاصعب وما نتج عن التغير الذي اثر في حالة اللايقين واضطراب الكثير من السلوكيات الإنسانية، نتجت حالة القلق التي تولدت لدى الإنسان، او ربما تزايد معدلاتها في الفترة الاخيرة.
جميعنا أو بعضنا يعيش حالة من القلق الذي قد لا يكون مبرر في جميع حالاته، فنحن قلقون من وضعنا الاقتصادي وحالتنا المعيشية، قلقون وغير متيقنون من قراراتنا فيما يخص مستقبلنا ودراستنا، قلقون ومتخوفون من عدم مقدرتنا في العيش بالطريقة التي نختارها نحن لأنفسنا، وقد وصل بنا الامر الى القلق من أتفه الاشياء و أقلها خطورة واهمية، فهل يؤشر ذلك الى علة نفسية؟
ام ان معطيات الحياة هي من فرضت هذا الكم من القلق؟
وكيف يمكن ان نتعامل مع القلق ونوقفه بدل ان يخمد جذوتنا؟
هذا ما سنجيب عليه في سياق مقالنا هذا.
- ماهو القلق؟
القلق من منظور نفسي هو استجابة سلبية فكرية او معرفية او سلوكية للحدث قبل اكتماله او حتى قبل وقوعه تجعل الإنسان يعيش حالة من تقلب المزاج والحزن والتهويل للمواقف، مع ظهور ردات فعل غاضبة وغير عقلانية تجاه المواقف والاشخاص، كما يبدو الإنسان ازاءه حساس من النقد والرغبة على الاتصاف بالكمال، و قد نلاحظ ان صحاب الشخصية القلقة بأنه صديق حميم ومتصل جيد في ساعة ثم يقوم بعكس هذا السلوك في ساعة اخرى بمعنى يظهر حالة من التناقض في سلوكياته.
في هذا الاطار ايضاً يقول الدكتور نيكول واشنطن طبيب نفسي معتمد: “إن مقاومة التغيير هي سمة من سمات الشخصية القلقة التي تعاني من اضطرابات حيث يعانون من الشعور بالقلق الشديد عند حدوث أي تغير أو عند تجربة أي شيء جديد”.
نِسَب القلق تختلف من انسان لآخر كما ان حدته تختلف ايضاً، فالقلق يبدأ بالتوتر ويصل الى التململ ثم الاحساس باللاواقعية مما يجعل الإنسان يعيش منعزلاً وكأنه داخل فقاعة، وهذه بداية الشعور بالقلق .
القلق ليس جميعه سلبي فمثلما له جانب سلبي له جانب ايجابي ايضاً، اذا ان القلق النابع من حرص الإنسان وخوفه على مستقبله وتحقيق اهدافه يعد المحرك الرئيس لجميع نجاحات الإنسان
اما المرحلة الثانية منه فهي التي يشعر المرء بها في جسمه، كضيق بالتنفس وخفقان بالقلب وارتفاع ضغط الدم واصفرار الوجه، وفي احيان اخرى يصاب الإنسان بالقلق من دون ظهور علامات جسدية هذه الحالة هي نوبة قلق الي قد تكون عارضة نتيجة لموقف عارض ولا يمكن ان نصف الشخص المستجيب لها بأنه قلق.
- ما مدى انتشار القلق في المجتمع؟
ليس من انسان على هذه الارض إلا وله نصيب من القلق في مرحلة ما من مراحل حياته ولكن بنسب متناوبة، وعلى الرغم من ان موجود لدى الكثير من الناس الا ان القليل منا يعترف بوجوده في شخصياتهم ويعدونه عيب في الشخصية او خلل، مما يسهل عملية نكرانه، وكونه مخفي لا يرى يزيد من نسب انكاره وعدم التحدُّث عنه أكثر مما ينبغي حقاً.
- اشارة
في معرض حديثنا عن القلق نود الاشارة الى ان القلق ليس جميعه سلبي فمثلما له جانب سلبي له جانب ايجابي ايضاً، اذا ان القلق النابع من حرص الإنسان وخوفه على مستقبله وتحقيق اهدافه يعد المحرك الرئيس لجميع نجاحات الإنسان وانجازاته وبدون يعيش الإنسان منزوع العزيمة وفاقداً للهدف.
- لماذا ينتابنا القلق؟
القلق عادة ما ينتج من مسببات عديدة منها خارجي ومنها داخلي سنشير الى اهم الاسباب التي تدعوا اليه وهي:
- المعاناة من احساس مخيف او فكرة مشوهة تجعلنا نشعر بأننا مهددون وعاجزون مما يتسبب في فقدان القيمة الذاتية للانسان وبالتالي يحدث القلق.
- قد يحدث القلق نتيجة لرفع سقف متطلبات حياتنا وطريقة عيشنا وفي حال لم يتحقق ما نريد سنصاب بالخيبة وبالتالي الشعور بالقلق.
- يحدث القلق أيضاً إذا تعرضنا لهجران او خذلان، وكذلك احتمال فقدان أمر يحظى بأهمية لدينا.
- الخوف من المجهول هو الاخر سبباً من اسباب تفشي القلق عند عدد كبير من المجتمع.
- فقدان الأمان أو المنزلة الاجتماعية أو الحب كل ذلك قد يسبب القلق لدى الإنسان.
- استراتيجيات المواجهة.
اما فيما يخص الاستراتيجيات التي نتبعها لتخفيف حدة القلق فهي:
- مواجهة القلق بعد التعرف على اسبابه من باب (اذا خفقت من شيء فقع فيه ).
- تجاهله وعدم اعطاءه مساحة اكبر؛ اذ ان تجاهل القلق سيؤدي الى زواله وحصر مساحة نفوذه.
- القبول والرضا والقناعة بالمقسوم من العيش بواقعية سيجعل الإنسان مرتاحاً ومطمئنا لا قلقاً.
- التعامل معه كسمة من سمات الإنسان الطبيعية التي تنفعه؛ ان احسن التصرف معها وليست مرض او مشكلة بل نحن من نجعلها مشكلة بتهويله.
- الايمان بالله ـ تعالى ـ بأنه هو من سيّر الامور وفق ما يراه يصب في مصلحة الإنسان وهذا الايمان سيمنحنا راحة نفسية وامانا، وهو ما يسعى اليه الإنسان في طوال حياته.
- ذكر الله هو سبباً رئيساً من اسباب زوال القلق والمصداق قوله ـ تعالى ـ: {ألا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئنُ القُلُوب}.