الفائز الثالث في المسابقة الفاطمية
لا يخفى على المتتبع أو المطلع على سيرة تاريخ النبي و أهل بيته، صلوات الله عليهم أجمعين، يجد فيها الكثير مما يمكن ان يستثمر في سبيل غرس المثل والقيم والمبادئ بأبعادها المختلفة، وكيف لا وهم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي وهذا ليس غريبا.
الجديد أننا نجد أهل البيت، عليهم السلام، قرنوا مكانتهم ووجودهم بشخصية عظيمة وهي شخصية فاطمة الزهراء، عليها السلام، لا على سبيل القرابة بل على سبيل قيمة الشخصية وأهميتها ومكانتها التي قد يجهلها البعض أو يقتصر معرفة شخصيتها على محطات واضحة من تاريخها، كموقعها من رسول النبوة محمد، صلى الله عليه واله، كونها الابنة الوحيدة له.
وكذلك كونها زوجة أعظم شخصية بعد رسول الله وهو أمير المؤمنين، عليه السلام، وهذا لا يعني أن موقعها من القرابة لرسول الله وأمير المؤمنين ليس مهما أو انه مرتبة يمكن الحصول عليها بسهولة بقدر ما يحتاج الى توفيق إلهي وخصائص تميزه عن باقي الأشخاص، وهذا ما يكشفه لنا عندما عوتب النبي، صلى الله عليه وآله، في أمر فاطمة فقال: “لو لم يخلق الله علي بن أبي طالب ما كان لفاطمة كفؤ”، وفي خبر: “لولاك لما كان لها كفو على وجه الأرض”، وكذلك عن المفضل، عن أبي عبد الله، عليه السلام قال: “لولا أن الله تعالى خلق أمير المؤمنين لم يكن لفاطمة كفؤ على وجه الأرض آدم فمن دونه”.
ولا يفوتنا في هذا المقام التأكيد على حث التساؤل بهذا الخصوص أي لماذا فاطمة، عليه السلام، دون غيرها هي ابنة رسول الله؟ أو لماذا كان أمير المؤمنين، عليه السلام، الزوج والكفؤ الوحيد لها؟ ولعل ما قد نجيب به عن مثل هكذا تساؤل يحدد فهمنا أو يمثل وجهة نظر لما قد نعرفه عن مكانة هذه الشخصية ومقامها أو ما قد نتوصل اليه من خلال الاستنتاج المنطقي الذي جعل الإمام علي، عليه السلام، يسمع ما قد يسمع رسول الله ويرى ما قد يرى رسول.
فيما يخص تعاملها مع زوجها يكشفه لنا أمير المؤمنين، عليه السلام، عندما سأله النبي محمد، صلى الله عليه واله، كيف وجدت اهلك؟ قال: “نعم العون على طاعة الله”
وهذا لا يأخذ بنا بعيدا عن كون الإمام علي، عليه السلام، وبنص حديث النبي محمد، صلى الله عليه واله، أنه نفس رسول الله وهو ما جاء في تفسير الآية {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}، وإذا قلنا ذلك هذا معناه انه بمستوى نفس فاطمة الزهراء، عليها السلام، بنص الحديث “لولاك لما كان لها كفؤ على وجه الأرض”.
فمن هذه المعادلة نستنتج ان نفس فاطمة الزهراء، عليها السلام، هي نفس رسول الله، صلى الله عليه واله، وهذا ما يكشف لنا عن المكانة والمقام الذي تحمله هذا الثمرة الإلهية، ثم أمر وهو الآخر مهم أيضا، أنها، عليها السلام، أم الإمامين الحسن والحسين، عليهما السلام، سيدي شباب أهل الجنة على بنص قول النبي محمد، صلى الله عليه واله:“أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة” وهذا معناه هي الحاضن وهي المنشأ الرئيس الذي نشأ فيه ذالكما الإمامين العظيمين، عليهما السلام، بل المدرسة التي شكلت وساهمت في تربيتهما وتغذيتهما.
كما ان من الضرورة مما يجب تسليط الضوء عليه أنها ممن نزل بحقه آية التطهير مع رسول الله محمد، صلى الله عليه واله، وأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب والإمامين الحسن والحسين عليهم السلام، بحادثة ما يسمى بالكساء اليماني أو ما ينص عليه كما هو معروف بحديث الكساء المشهور، يقول الله ـ تعالى ـ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.
وكل ذلك لا نريد ان نحدد مقامها ومكانتها بما ذكرناه بقدر ما نريد ان نظهر مقام ومكانة هذه السيدة الطاهرة، عليها السلام، لنعرف مع هذا المقام كيف كان تعاملها أو دورها الاجتماعي لتكون مثالا لنا نستقي منه فهم الحياة الحقيقية واستثمارها في سبيل الوصول الى الكمال الحقيقي الذي يحدد موقعنا من الرضا الإلهي، والذي ننال به الفوز العظيم.
فنجدها، عليها السلام، مثال البنت المطيعة والبارة لوالديها حتى كان رسول الله يكنيها بـ(أم أبيها) لا شك أن هذه الكنية تحمل في طياتها دلالات ظريفة و عميقة في نفس الوقت، والسبب وراء تكنية فاطمة الزهراء بهذه الكنية أن الزهراء، صلوات الله عليها، كانت ترعى رسول الله، صلى الله عليه واله، رعاية متميزة كرعاية الأم لولدها، فكانت لرسول الله بمثابة الأم الرحيمة والعطوفة التي تغدق عليه حنانها ومحبتها، بل كانت له أكثر حنانا وعطفا وشفقة من إلام .
أما فيما يخص تعاملها مع زواجها أمير المؤمنين، عليه السلام، فكانت خير المثال للمرأة التي هدفها قيمة الزواج ومضمونه، وهو ما قد ظهر بالمهر الذي وافقت عليه من زواجها الإمام علي، عليه السلام، أو ما كان يملكه عندما تقدم لخطبتها من رسول حيث قال له رسول الله، صلى الله عليه واله،: فهل معك شي أزوجك به؟ فقال علي: “فداك أبي وأمي والله ما يخفى عليك من أمري شي املك سيفي ودرعي وناضحي وما لي شيء غير هذا”.
فقال رسول الله: يا علي أما سيفك فلا غنى بك عنه تجاهد به في سبيل الله وتقاتل به أعداء الله و ناضحك تنضح به على نخلك واهلك وتحمل عليه رحلك في سفرك ولكني قد زوجتك بالدرع ورضيت بها منك”
وكذلك فيما يخص تعاملها مع زوجها يكشفه لنا أمير المؤمنين، عليه السلام، عندما سأله النبي محمد، صلى الله عليه واله، كيف وجدت اهلك؟ قال: “نعم العون على طاعة الله” وما يظهر لنا ايضا خير ما كانت تتعامل به فاطمة الزهراء، عليها السلام، مع زوجها أمير المؤمنين اذ كانت تشاطره كل واقعه وكل ما يعترضه من أحداث الحياة اذ كانت تفعل كما يفعل راضية بما يقسمه الله مع زوجها حتى قال الإمام علي، عليها السلام: “تزوجت فاطمة وما كان لي فراش”.
كما تؤيده على فعل الخير في مواقفه المختلفة من الحياة منها عندما جاء رجل الى النبي محمد، صلى الله عليه واله، فشكى اليه الجوع، فبعث رسول الله الى بيوت أزواجه فقلن: ما عندنا إلا الماء، فقال رسول الله من لهذا الرجل الليلة؟ فقال علي بن أبي طالب، عليه السلام: أنا له يا رسول الله.
واتى الى فاطمة، عليها السلام، فقال لها: ما عندك يا بنت رسول الله؟ فقالت ما عندنا إلا قوت الصبية نؤثر ضيفنا.
فقال علي، عليه السلام: يا بنت محمد: نوّمي الصبية وأطفئي المصباح. فلما أصبح عدا على رسول الله، صلى الله عليه واله، فاخبره الخبر فلم يبرح حتى انزل الله ـ عز وجل ـ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}.
لا يفوتنا في هذا المقام التأكيد على حث التساؤل بهذا الخصوص أي لماذا فاطمة، عليه السلام، دون غيرها هي ابنة رسول الله؟ أو لماذا كان أمير المؤمنين، عليه السلام، الزوج والكفؤ الوحيد لها؟
أما فيما يخص إدارتها للبيت وعملها داخل المنزل، فكانت كما روي أن سلمان قال: “كانت فاطمة، عليها السلام، جالسة قدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل والحسين في ناحية الدار يتضور من الجو.
فقلت: يا بنت رسول الله دبرت كفاك وهذه فضة، فقالت أوصاني رسول الله، صلى الله عليه وآله، أن تكون الخدمة لها يوما، فكان أمس يوم خدمتها قال سلمان: قلت: إني مولى عتاقه إما أنا أطحن الشعير أو أسكت الحسين لك؟ فقالت: أنا بتسكينه أرفق وأنت تطحن الشعير”.
وكل ذلك لا يشغلها ولا يمنعها من ان تؤدي دورها ومسؤوليتها اتجاه المجتمع وما يجب ان يكون عليه لاسيما وأن النبي محمد، صلى الله عليه واله، بذل فيه ما بذل ووضع له ما يجب ان يسير عليه فنجدها، عليها السلام، عندما شعرت بخطورة الموقف أو انحراف السلطة عما يساهم في تسافل المجتمع وابتعاده عن النظام الإلهي الذي وضعه رسول الله، سارعت بالمطالبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحكم المسؤولية التي تشعر بها اتجاه الدين وآلامه والمجتمع المسلم آنذاك.
فكانت المظاهِرة الأولى، والمنتفض الأول الذي راح ضحية المطالبة بالإصلاح السياسي والذي ينعكس بشكل طبيعي على الإصلاح المجتمعي، ومن كل ذلك يمكن ان نستشفي من مواقف وحياة هذه السيدة الطاهرة وما تحمله من مكانه وموقع دروسا وعبرا ومثالا نحتذي به لنكون على مستوى المسؤولية التي تظهر قيمة المرأة وكرامتها ومكانتها في المجتمع.
المصادر
- شذرات من فلسفة تاريخ الحسين، السيد الشهيد محمد الصدر، دار ومكتبة البصائر، بيروت- لبنان، 2010.
- الإمام علي من المهد الى اللحد، محمد كاظم القزويني، دار القارى ، ط17، النجف الاشرف- العراق، 2009.
- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج43، ص 28.