البعض يعتقد بأن التعامل مع ما يحدث في حياتنا الاجتماعية من أحداث ومواقف وعلاقات وتعاملات مختلفة قد يكون بعيدا عن التفكير العلمي، ويكون التعامل مع ذلك تعاملا اقرب ما يكون الى الارتجال أو الأخذ بأقرب التصورات التي ترد في أذهاننا، وهذا جزء من المشكلات الكبيرة التي يقع فيها مجتمعنا لاسيما بعض القضايا العشائرية وغيرها من القضايا والتعاملات الاعتيادية، مما يوقعنا بأخطاء قد تكلفنا جهدا أكثر بكثير مما يكلفنا ان نقف عند تلك القضايا ونفكر بحلولها تفكيرا قائمة على التخطيط من خلال وضع البدائل لأختيار الحلول بعد تحديد ما نهدف اليه لتكون النتائج اقل كلفة بل اقل خسارة مما قد ينتج عن ذلك.
وهذا ليس جديدا؛ بل الجديد أن هذه الدعوة لها جذورها ولها أصولها في ثقافتنا الإسلامية السامية، وهو ما جاء على لسان نبينا محمد، صلى الله عليه واله، عندما طلب رجل منه ان يوصيه فقال: يا رسول الله أوصني فقال له رسول الله: “فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن يك رشدا فأمضه وإن يك غيا فانته عنه”.
جاء على لسان نبينا محمد، صلى الله عليه واله، عندما طلب رجل منه ان يوصيه فقال: يا رسول الله أوصني فقال له رسول الله: “فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن يك رشدا فأمضه وإن يك غيا فانته عنه”
وهنا نبينا الكريم، صلى الله عليه وآله، عندما يقول لذلك الرجل تدبر بما تفعل فالتدبر لا يقوم إلا على التفكّر، ولا يقوم إلا على التخطيط، ومن ذلك نصل الى النتائج (العاقبة)، فعند ذلك نصدر أحكامنا ونمضي في تعاملاتنا، ومن ذلك وجدنا ضرورة تسليط الضوء على مفهوم التفكير العلمي ليكون أساسا ثقافيا لتعاملنا في الحياة.
وبالرغم من أن الأدبيات تحفل بالعديد من الكتابات عن التفكير العلمي، إلا ان هذا المفهوم يعاني من خلط واضح في تحديد طبيعته ومكوناته، حيث يعتبره البعض مرادفا للتفكير المنطقي، بينما يخلط البعض بينه وبين الطريقة العلمية أو أدبيات العلم.
بل أن بعض الكتابات تلمّح الى أن التفكير العلمي يتصل بدرجة قريبة أو هو مرادف لمصطلحات مثل حل المشكلات، التفكير النقدي، العمليات العلمية، الاتجاهات العلمية، الطريقة العلمية، أو توليفه من هذه المصطلحات.
وبالرغم من هذه الكتابات لبعض الضوء على مكونات التفكير العلمي ووضع مقاييس لاختباره، فإنه لم يكن هناك سوى اتفاق جزئي حول هذه المكونات.
ومما جاء في تعريفه أي التفكير العلمي: بأنه عملية فرض الفروض اللازمة لحل مشكلة ما، وأجراء عديد من التجارب لاختبار تلك الفروض، ومقارنة النتائج المختلفة التي يتم التوصل اليها تمهيدا لاتخاذ القرار المناسب.
كما يتضمن مفهوم التفكير العلمي البحث عن الدليل الذي يشرح الظاهرة لقبول الفرض أو رفضه. وفي حالة الرفض يتم البحث في المشكلة بطريقة أخرى تعتمد على فهم صحيح لإنتاج فروض أخرى.
التفكير العلمي تفكيراً لا يقتصر على القضايا الطبيعية فقط، بل نجده ضرورته ممكنه مع الحياة الاجتماعية لنضمن به تجاوز العقبات وحل المشكلات والذهاب الى الحلول من خلال الطرق السليمة الآمنة
وهناك أيضا من عرفه بأنه:هو العملية العقلية التي تتم بموجبها حل القضايا و اتخاذ القرارات بطريقة علمية منظمة ومنهجية أو هو تفكير منظم يهدف الى دراسة الظواهر وتفسيرها واكتشاف القواعد العلمية التي تحكمها وذلك بالاعتماد على الملاحظة والقياس، والتجريب للتحقق منها وخطواته:
- الإحساس بالمشكلة، وتحديدها بدقة.
- جمع المعلومات ذات الصلة بالمشكلة.
- التعرف على الدراسات السابقة حول الموضوع نفسة.
- وضع الفروض.
- اختبار صحة كل فرض.
- تطبيق الفرض.
- الوصول الى النتائج (التعميم).
أما أنواع التفكير العلمي فإنه ليس نشاطاً محدوداً أو بسيطا يعبر عن عملية عقلية واحدة وإنما هو نشاط عقلي معقد في تكوينه وله عدد من الأنواع أهمها:
- التفكير القائم على حل المشكلات:
وتمثل الخطوات المتتابعة التي يمر بها الفرد من اجل التوصل الى حل مشكلة التي يواجهها، ويتطب ذلك استخدام المفاهيم والقواعد التي سبق تعلمها وتوليد مفاهيم جديدة لتحديد المشكلة والبحث عن الحل لها من خلال فرض الفروض واختبار صحة الفروض.
- الاستقراء:
وهو عملية تبدأ بالخصوصيات وتنتهي بالعموميات، لذا فانها تصل الى المبادئ والقوانين والنظريات من الوقائع المحسوسة والحالات الجزئية.
- الاستنباط:
وهو عملية تبدأ بالعموميات وتنتهي بالخصوصيات لذا فأنها تصل الى الحقائق والجزئيات من القوانين والنظريات.
- التفكير الناقد:
وهو عملية تقوم على تقصي الدقة في ملاحظة الوقائع التي تتصل بالموضوعات التي تناقش والدقة في تفسيرها واستخلاص النتائج بطريقة منطقية ومراعاة الموضوعية في العملية كلها.
- التفكير الابتكاري:
عملية تتضمن المرونة التلقائية والطلاقة الفكرية والأصالة في حلول المشكلات.
خصائص التفكير العلمي:
- يتميز التفكير العلمي بالتراكمية ويعين حقيقته العلمية لا تكف عن التطور.
- يتميز بالتنظيم أي انه نشاط منظم وليس نشاطا ارتجاليا وعملية إرادية واعية.
- يتميز بالموضوعية فهو بعيد قدر المستطاع عن كل ما يتعلق بالذات.
- يتصف بالدقة والضبط.
- انه نشاط مقصود وهادف وليس نشاط تلقائي.
- يقوم على الواقع والمشاهدة والحقائق الملموسة.
- يتميز بالمرونة فهو بعيد عن الجحود والتعصب.
- يقوم على التعميم بمعنى أن الكلام أو النتائج التي ينتهي أليها ينبغي ان لا تقتصر على تفسير حالة جزئية واحدة.
- يتميز بإمكانية اختيار ومراجعة صدق نتائجه وتعميماته.
- يتميز بالبحث عن الأسباب ويعني الكشف عن الأسباب المادية للظاهرة بأساليب مقنعة.
- يتميز بالشمولية والتعميم فالمعرفة العلمية شاملة على الظاهرة كلها التي تم الكشف عنها بالدقة والتجريد يعين التعبير عن الحقائق باستخدام رموز كمية واضحة.
فالتفكير العلمي تفكيرا لا يقتصر على القضايا الطبيعية فقط، بل نجده ضرورته ممكنه مع الحياة الاجتماعية لنضمن به تجاوز العقبات وحل المشكلات والذهاب الى الحلول من خلال الطرق السليمة الآمنة.
المصادر
- الجمال ، محمد ماهر محمود ، التفكير العلمي ودور المؤسسات التربوية في تنميته، شركة الأمل للطباعة والنشر، 1997.
- الصفار ، رعد سليم، المعرفة والتفكير المعاصر ( اكتسابها- أنماطها- تنميتها)،دار الأكاديميون للنشر والتوزيع، ط1، عمان – الأردن، 2016.
- ألعبيدي، صباح مرشود و البرزنجي، ليلى عللي عثمان، تعليم التفكير ، د.ت
- العفون، نادية حسين و عبد الصاحب، منتهى مطشر، التفكير أنماطه. ونظرياته وأساليب تعليمه وتعلمه، دار صفاء للنشر والتوزيع، ط1، عمان، الأردن، 2012.
- محمد، رفعت محمود بهجات، التعلم الاستراتيجي مدخل مقترح لحفز التفكير العلمي، عالم الكتب ط1، بيروت- لبنان، 2003.