{وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ}
لأن القرآن الكريم كتاب حياة وسبيل نجاح ونجاة، وأنه ليهدي إلى التي هي أقوم، فمن يقرأ آياته ويتدبرها يجد فيها المنهج لنيل النجاة وتحقيق النجاح، ومن ذلك ما نجده في الآيات التي توجهنا إلى التحلّي بالصفات الأخلاقية الحسنة ومنها الصدق والتصديق، حيث نجد إن القرآن الكريم في آيات عديدة تطرق إلى هاتين الصفتين وذكرهما مراراً وذلك لأهميتهما في حياة الإنسان.
فماذا يعنيان؟ وما اقسامهما؟
وما علاقة بعضهما ببعض؟
و ما هي أهميتهما؟
الصدق؛ هو مطابقة الأقوال مع الأفعال، وهو موافقة للواقع، وعكسه الكذب، وقد عرفه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: “الصِّدْقُ مُطَابَقَةُ الْمَنْطِقِ لِلْوَضْعِ الْإِلَهِيِّ”.
أما التصديق؛ فيعني الإيمان والإقرار والاعتراف والاذعان، وعكسه التكذيب، قال أمير المؤمنين عليه السلام: “وَالتَّصْدِيقُ هُوَ الْإِقْرَارُ وَالْإِقْرَارُ هُوَ الْأَدَاءُ وَالْأَدَاءُ هُوَ الْعَمَلُ”.
ومن أقسام التصديق؛ التصديق بالله، والتصديق بانبيائه وأولياءه، والتصديق بكتبه، والتصديق بالآخرة.
أما الصدق فمن اقسامه؛ الصدق مع الله، والصدق مع النفس، والصدق مع الناس.
وان بينهما -الصدق والتصديق- علاقة وثيقة، وارتباط مع بعضهما، فمن صدّق بالله لابد أن يصدق معه، أي لابد أن يكون المصدق صادقاً، ولابد للصادق أن يكون مصدقاً.
فمن صدق بالله وانبيائه وكتبه وبالآخرة، وآمن بذلك، فلابد له آنئذٍ من العمل بما أراده الله عزوجل منه وبما جاء به أنبيائه وكتبه، وإذا آمن وصدق بالآخرة، لابد له من العمل بالذي ينجيه فيها، ويبتعد عن كل ما يسبب له الخسارة يوم القيامة، فيحتاج إلى أن يترجم إيمانه وتصديقه إلى واقع من خلال العمل، وهذا الشيء يحتاج إلى الصدق في جميع جوانب حياته، فإذا التزم به فإنه يكون بمأمن من الخسارة والهلاك.
فكما أنهما (الصدق والتصديق) يُنقذان الإنسان في القيامة ويكونا سببا لنجاته، فإنهما كذلك يسببان له النجاح في الحياة.
إذن؛ من أراد النجاة والنجاح عليه أن يكتسب ويتمتع بهذين الصفتان، وقد بينت هذه الحقيقة الآيات والروايات الشريفة ومنها؛ قال ـ تعالى ـ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
وقال ـ تعالى ـ: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.
وقال ـ عزوجل ـ: {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. فهذه الآيات وغيرها تؤكد أن طريق النجاة من نار جهنم والفوز بالجنة إنما يكون بالصدق.
وكذلك روايات أهل البيت، عليهم السلام، أكدت هذه الحقيقة ومنها؛ ما جاء عن الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام:”الْفِكْرُ يَهْدِي والصِّدْقُ يُنْجِي”.
وقال أيضاً؛” شَافِعُ الْخَلْقِ الْعَمَلُ بِالْحَقِّ وَلُزُومُ الصِّدْقِ”
وقال رسول الله(ص): “عليكم بالصدق فإنّه باب من أبواب الجنّة”
بالإضافة إلى ذلك فإن من سمات المجتمع الفاضل هو الصدق والمصداقية، فإذا التزم أبناء المجتمع في الصدق فيما بينهم وفي تعاملاتهم كلها، وطبقوا أمر الله ـ عزوجل ـ الذي يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
فإذا طبقنا ذلك وصار الصدق هو القيمة الأسمى ومقياس الاستماع والاتباع، ورفضنا كل من يخالف الحقيقة بفعله أو قوله، أياً كان سواء كان خطيبا أو كاتبا أو إعلاميا أو أي شخص لا يراعي الحقيقة والمصداقية في كلامه، لا نستمع له ولا نكون معه، وإنما نبحث عن الصادقين ونكون معهم ونستمع لهم، فإن المجتمع ـ حينها ـ سيكون مجتمعاً فاضلاً، ينعم بالاستقرار والحياة الطيبة.