في طبيعة الانسان ميل فطري لتحقيق غاياته وحاجاته وفي بعض الاحيان والمواقف يخلع انسانيته في سبيل ذلك المراد، ولعل من اكثر السلوكيات التي يجنح اليها الانسان والتي تعبر عن انانية مفرطة وابتعاد عن الاصول والاخلاق هو عدم الانصاف، ولعل الانسان في هذا الزمان اصبح من اكثر الناس وفي جميع الازمنة تعنتاً وظلم للعدل حين يتعارض مع مصالحهم الذاتية، وانا حين اذكر العدل لان الانصاف ممتد مم قيمة العدل عند الانسان.
الإنصاف لغة؛ هي صفة مصدرها أنصف وإنصاف المظلومين أن يستفتي حقه وهذا ما يعني إزالة الظلم عنه وتأتي بمعنى العدل ومعنى بلغ نصف، الإنصاف مصدر أنصف بنصف والإنصاف في اللغة شطر الشيء.
يعتبر الانصاف من اعلى مراحل سمو الانسان ورقيه، اذا ان انصاف الانسان لأخيه وان كان مخالفاً له في الرأي أو الدين أو المذهب
وفي الاصطلاح هو عملية اعطاء الحق للناس من انفسنا وان كان ذلك يسبب اذى نفسي لنا، فالانصاف يكون فضيلة حينما يقوى الانسان على قول الحقيقة في الغضب والرضا ومع من نحب او نكره، ويكون الانصاف في العادة في مواقف فاصلة بمعنى يراد به احقاق حق او ابطال باطل وهو ما يضفي صفة الفضيلة و الخلق عليه، وإلا فلا قيمة له حين لا يكون له وقع واثر.
يعتبر الانصاف من اعلى مراحل سمو الانسان ورقيه، اذا ان انصاف الانسان لأخيه وان كان مخالفاً له في الرأي أو الدين أو المذهب أو غير هذا مما يقتضي التحمل، ومثلنا الاعلى في الانصاف رسولنا الكريم محمد، صلى الله عليه وآله، حيث كان منصف لكن رعيته ومن هم في دائرة دولته على الرغم من كونهم يهوداً ونصارى، وقول ابن القيم في الانصاف “أن تؤدي حقوقهم ألا تطالبهم بما ليس لك والا تحملهم فوق وسعهم وأن تعاملهم بما تحب أن يعاملوك به، مصداق لما ندعي.
ماهو ادب المنصفين؟
من ادب المنصفين انهم يتجردون تماماً عن هواهم لخدمة الحق فلا يهمهم حب الظهور أو تشفي وانتقام أو انتصار لنفس وطائفة او رغبة حيوانية في نفوسهم، كما انهم يتبينون ويتثبتون قبل اصدار الحكم ولعل مرد لذلك لقوة اخلاقهم واصالة تربيتهم اضافة الى ما يمتلكون من مستوى تدين يجعلهم يضعون الله سبحانه وتعالى نصب اعينهم لئلا يظلمون احد وما التزامهم هذا الا تطبيق لقوله ـ تعالى ـ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
كيف يصف علم النفس المنصفين؟
يفسر علم النفس المنصفين على انهم اناس يمتلكون كمٍّ عالٍ من الثقة بالنفس اضافة على كونهم اصحاب شخصية قوية، لكونها لم تتأثر بمميزات ولم يدفعهم عقوبة او حاجة دنيوية عن الاعتراف بما هو صحيح واقراره وان كان على حساب مصالحهم الشخصية، لكن السؤال الذي يتبادر الى ذهن كل قارئ ماهي نسبة المنصفين في عالمنا اليوم؟، ومالسبب في تدني نسب الانصاف في مجتمعنا المسلم؟، وكيف يمكن ان نعيد تدعيم اسس هذه القيمة المهمة في المجتمع؟.
على الانسان ان يخشى عقاب الله فيه حين يتسبب عدم انصافه في إيذاء الناس والحاق الضرر بهم وبالتالي قد يعود الى الانصاف ولو على حساب هوى نفسه ورغبتها رغم ثقل الامر عليها
ما الذي تسبب بأنحدار قيمة الانصاف او تلاشيها في مجتمعنا؟
جملة من الاسباب هي ادت الى غياب الانصاف غي عالمنا الحالي وهي كما اعتقد:
- رغبة الانسان العارمة في الظهور بصورة الكمال وبالتالي اتباع شتى الطرق من اجل ذلك الظهور البهي.
- ثاني الاسباب يتعلق بالتربية الاسرية فالكثير من العوائل لا تربي ابناءها على انصاف الناس وعدم المساس بهم وبحاجاتهم ولعل الامر غير مقصود في بعض حالته الا انه يمكن ان يتعلم من سلوكيات الوالدين وبالتالي يصبح سلوكية عادية في وسط العائلة.
- تحول المجتمع الى مجتمع مادي باحث عن غاياته ولو على ظهور الضعفاء من ابناءه، فالماديين لا يعرفون معنى للأنصاف ولا يقيمون له قدر او اهتمام متبعين مبدأ: “انا ودوني الطوفان”، لذا تغيرت الكثير من الاسس الرصينة ومنها الانصاف الغائب من حياتنا.
كيف نعيد الانصاف الى نصابه؟
اما ما يجب ان يكون ليعم الانصاف حياتنا العامة فهو:
- ان يشعر الانسان بشعور مَن كانوا ضحية الظلم وعدم الانصاف سواء من مسؤول لهم في عمل، او من احد افراد العائلة، او من زميل او صديق وعندئذ سيرفضون الظلم ويحاولون ان يكونوا منصفين قدر ما استطاعوا.
- من المهم انماء هذه القيمة الانسانية العظمية في نفوس البشر منذ الصغر عبر التربية فالآباء قدوة لا بناءهم ومايفعلوه سيكون بمثابة قاعدة لا بناءهم لذا يجب اخذ الامر بعين الاعتبار لا بعين الاستصغار وعدم الاهتمام.
- على الانسان ان يخشى عقاب الله فيه حين يتسبب عدم انصافه في إيذاء الناس والحاق الضرر بهم وبالتالي قد يعود الى الانصاف ولو على حساب هوى نفسه ورغبتها رغم ثقل الامر عليها.
كل ذلك يجب ان يكون من اجل ان يشعر المجتمع بحالة من الاستقرار والامن المجتمعي الذي يعم حينما يعم الانصاف وهذا مطلب اخلاقي وحاجة مجتمعية ملحة.