بحكم ما نسمعه أو ما نعترضه خلال مواقفنا اليومية نجد الكثير ممن هو محسوب على الدين الإسلامي إلا أنه قد لا يعرف من الدين إلا اسمه وما يترجم ذلك أفعاله وأقواله، أو أن البعض مع ما يتميز به من جانب خلقي حسن إلا انه لا يمتلك الحصانة أو أدوات الفكر التي تجعله يعرف لماذا هو يدين بهذا الدين أو بمعنى أخر لماذا هو مسلم.
وبطبيعة الحال تشكل هذه مشكلة كبيرة بل شرخ كبير بين الفرد ودينه لأنه أول الدين معرفته كما عبر إلامام علي، عليه السلام، والفرد المسلم أو كل فرد بشكل عام ان لم يعتمد إلاساس العلمي والمعرفي فيما يؤمن حتما انه سيكون عرضه للتغير والتأثر والتلاعب الذي يعترضه خلال مسيرة حياته.
ومثل هكذا فئة نجد حتى القرآن الكريم يعيب عليهم ذلك لأنهم يكونون مصادقا لقوله ـ تعالى ـ: {قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ}، ولافرق فيمن هو مسلم او غيره من هذه الناحية لان ما يميز ذلك هو السلوك والفعل الناتج عن اعتناق الفكرة، وفيما يخص نموذج الفرد المسلم الحاضر والذي يعد مثالا للحالة التي سبق وأن طرحناها هو أننا نجد الكثير من الشباب عندما تسأله عن ديانته يقول: انأ مسلم، لكنك تجده في الوقت نفسه يمجد ويشيد بأبعد ما يكون عن الدين إلاسلامي بفعل التطور أو ما وصلت اليه المدنية الآن.
نجد الكثير من الشباب عندما تسأله عن ديانته يقول: انأ مسلم، لكنك تجده في الوقت نفسه يمجد ويشيد بأبعد ما يكون عن الدين إلاسلامي بفعل التطور أو ما وصلت اليه المدنية الآن
وهذه مشكلة كبيرة بحد ذاتها وتحتاج الى جهود والى جدية في التعامل معها والوقوف على أسبابها ونحن بهذا المقام نريد أن نقدم شيئاً مما يجب ان يُعمل به ليكون مقدمةً أو مفتاحا لباب المعالجة التي يحتاجها شبابنا المسلم.
وقبل التطرق الى ذلك لابد من التشخيص الدقيق لهذه المشكلة أو المعرفة الدقيقة لأسبابها ومثل هكذا حالة تأخذ بنا الى فهم شخصية الفرد الانساني أو الى نظرية فهم السلوك إلانساني، والذي قد ينسبه البعض أي السلوك إلانساني الى غريزة الجنس أو البحث عن مبدأ اللذة، أو البعض يعتقد بالعامل إلاقتصادي والبعض الاخر يرجح طبيعة السلوك إلانساني الى مبدأ حب السلطة أو المبدأ إلاجتماعي.
وكل تلك النظريات لا نقر بخطئها إلا ان الدارس يجد معظمها يتناول جانباً من جوانب السلوك الانساني الذي يهيمن على بقية السلوكيات العامة، أو بمعنى آخر ترجح كل ذلك الى مبدأ العامل الواحد كالجنس وإلاقتصاد والسلطة وما شابه.
إلا أن النظرية إلاسلامية تؤمن بما هو أشمل من ذلك بل ترجح السلوك الانساني الى حب الذات، فما تعتقد به الشخصية بأنه يصب في مصلحتها هو ما يجب ان تسعى اليه، وإذا لم نأخذ بنظر إلاعتبار هذه النظريات في طرح ما يتضمنه الدين إلاسلامي وبيان شموليته وتوظيف أدواته بالشكل الذي يغني عن كل ذلك حتما سيتعارض مع طبيعة ما يسعى اليه الفرد من سلوك، فيخلق ذلك عنده حالة من الصراع الذي يشهده كل فرد بين فكرتين.
ومن المعلوم بطبيعة الحال ان الفرد طالما يفضل أو يميل ما تملي عليه نفسه وبما يكفل راحتها وتقليل جهدها بحسب إلاعتقاد، ولمواجهة هكذا مشكلة أو لتقديم حلا لها يجب ان ينطلق مشروع تفهيم الدين إلاسلامي لا بشكل الذي يتمركز عن حول الذات، بل بالشكل الذي يضمن إشباع حاجات إلانسان التي هي خارجه عنه أو بالشكل الذي يضمن مواكبة وانفتاح هذا الدين مع ما وصل اليه التقدم العلمي والتقني.
ونحن هنا لانريد إسقاط الدين على ما فرزته الحضارة المعاصرة من انجازات واكتشافات علمية بل الواجب هو إسقاط ذلك على الدين ليكون محكا ومعيار يمكن ان نحكم من خلاله على سلامة هذا الناتج الفكري أو السلوكي أو الصناعي، لكن مشكلتنا كما قلنا هي غياب المعرفة والفهم والثقافة الحقيقة لهذا الدين عند الكثير ممن يحسبون عليه، ومن ذلك بيان أو تقديم تراثه بشكل الذي يواجه إلافكار التي قد نعتبرها ناتج طبيعي لتطور البشرية من خلا تقديم التراث إلاسلامي الذي ينص على إلاهتمام بالعلم والاخذ به وعطاءه المساحة الكافية ولاولوية المتقدمة عن باقي إلامور تفسيرا لما تبحث عنه النفس البشرية.
الكثيرمما يحمله تراثنا إلاسلامي المتمثل بأقوال وأحاديث أهل البيت، عليهم السلام، من درر وأفكار علمية تجعل الفرد في مكانه الصحيح بحيث تجعله متقبلا متفتحا على كل منجزات العصر العلمية وغير العلمية دون التسليم والانسلاخ الى غير ذلك
من ذلك نجد النبي إلاكرم، صلى الله عليه واله، يقول: “اطلبوا العلم ولو كان في الصين”، أو ما قاله إلامام زين العابدين، عليه السلام: “لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج”، وكذلك إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال: “إن أمقت عبيدي إليَّ الجاهل المستخف بحق أهل العلم، التارك للاقتداء بهم وإن أحب عبيدي إلي التقي الطالب للثواب الجزيل، اللازم للعلماء، التابع للحلماء، القابل عن الحكماء.
وكذلك ما نص به إلامام الصادق، عليه السلام: “اطلبوا العلم ولو بخوض اللجج وشق المهج”، وعنه، عليه السلام: “طلب العلم فريضة على كل حال”.
والكثيرمما يحمله تراثنا إلاسلامي المتمثل بأقوال وأحاديث أهل البيت، عليهم السلام، من درر وأفكار علمية تجعل الفرد في مكانه الصحيح بحيث تجعله متقبلا متفتحا على كل منجزات العصر العلمية وغير العلمية دون التسليم والانسلاخ الى غير ذلك.
ولذا يجب الاهتمام بالفرد المسلم يجب اهتماما علميا ونغرس بداخله ما يجعل النفس البشرية تستقر عن كل ما يحدث لها أو كل ماتواجهه من أعاصير التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يعد ايجابيا في اغلب ما يكون منه وتوظيفه بالشكل الذي ينسجم مع معطيات هذا الدين. فمواجهة تغلب الجانب المادي المفرط بالدين هو المشكلة التي جعلت الفرد المسلم يعاني صراعا غلبت فيه القوى الاخرى على معتقده أو بمعنى آخر قلّلت من إيمانه، لان ما تنتجه الحضارة المادية هو ما لا يتعارض مع ما تريده النفس البشرية ونحن كمسلمين نواجه آثار تلك الحضارة المادية بالدين نفسه بقدر ما يجب أن ننعش ونقوي كريات الدم البيضاء لمكافحة ما يضر بشخصية إلانسان وليس عزله عن تلك الحضارة ومن ذلك يجب مواجهة الحضارة المادية بإيماننا بالعلم والمعرفة وتقديس ذلك وتقديره وتفعيله في نفسية الفرد المسلم ليكون هو الاخر متسابقا مع غيره وفق الاطار الديني إلاسلامي القيّم، ليكون المسلم متقبلا ومؤمن بدينه مجيبا عن التساؤل الذي ينص : لماذا انأ مسلم؟