يشكل عنصر الزمن في حياة الإنسان قيمة مهمة واساسية في طريق النجاح والتكامل، والميزة الفارقة بين حياة الناجحين والفاشلين، هو أن الناجحين احسنوا استغلال الوقت فوصلوا الى مبتغاهم الذي أرادوه، وعلى العكس من ذلك فإن الفاشلين اضاعوا الكثير من فرص نجاحهم بسبب تسويفهم، مع أن كلا الطرفين يعيشان الوقت ذاته، أي الأربع والعشرين ساعة في اليوم، والثلاثين يوما في الشهر، والأثني عشر شهرا في السنة.
ولهذا نرى كل الموجودات في هذه الحياة بما فيها الإنسان يعيشون ضمن نطاق الزمن وحركته، ويسير كلٌ فيما رسم له من قبل الله ـ سبحانه وتعالى ـ، فالشمس تشرق في الوقت المحدد لها، وكذا القمر فإن بزوغه محدد ضمن إطار زمني ثابت، يقول الله ـ تعالى ـ: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.
إن العلماء في سواءً كانوا في الجانب العلمي من الحياة او الجانب الديني، لم يكونوا ليصلوا الى ما وصلوا اليه، إلا من من خلال اسثمارهم الدقائق والساعات في طريق النمو والتكامل
من الأمور التي يُبتلى بها بعض طلاب العلم، سواء كانوا طلاب في يدرسون العلوم الدينية الحوزويّة، أم طلاب الصف الأكاديمي، بمختلف انواع الدراسة، سواء كانت في المدرسة أم الجامعة، من الأمور التي يبتلى بها هي اضاعة الوقت، وعدم استغلاله استغلالا كامل ينمي من خلال ـ الوقت الضائع ـ ما نقص من مهارات وعلوم في اختصاصه.
إن العلماء في سواءً كانوا في الجانب العلمي من الحياة او الجانب الديني، لم يكونوا ليصلوا الى ما وصلوا اليه، إلا من من خلال اسثمارهم الدقائق والساعات في طريق النمو والتكامل، ينقل عن السيد البروجردي (رحمه الله) أنه كان يقرأ في حالة الوقوف لكي لا يستسلم للنعاس.
اليوم يواجه طالب العلم الكثير من الملهيات أكثر مما مضى، فيما مضى لم تكن الوسائل التقنية موجودة، ولذا كان الفراغ الذي يلف بطالب العلم ضيئلا، أما اليوم فهناك القنوات الفضائية، ووسائل التواصل الاجتماعي التي من شأنها أن تُبعد طالب العلم عن مبتغاه إذا لم يحسن التصرف معها بجديّة وحزم.
بالإنضباط نربح أوقاتا أضافية
إن تنظيم الوقت والانضباط به، ليس فقط يوفر فرصا اضافية، بل ويساعد على اداء الاعمال بسرعة قياسية وبجهد أقل، فطالب العلم الذي ينظم اداوت عمله، ويعرف مكان كل شيء بدقة، سواء كان في البيت أم خارجه، فإنه يسهل عليه اداء مهامه والحصول على المعلومات بمدة قياسة، مقارنة إذا بمن كانت حياته عبارة عن فوضى.
“وتنظيم الاوقات والأعمال وترتيبها أمر ضروري ليس فقط من أجل ادائها بشكل أفضل، بل من أجل راحتنا نحن أيضا، فمن مشى على نظام صحيح أنجز من الأعمال أكثر من غيره من دون أن ينغص عليه التشويش الذهني والعصبي، والنظام هو الركيزة الاساسية في المجتمع، وهو منشأ القوة الرئيسية في الجيوش، والتنظيم هو سرّ من أسرار النجاح”.( السيد هادي المدرسي؛ فنون النجاح).
إن علينا أن نقدس الوقت ونستغله الاستغلال الأفضل ـ خصوصا ـ طالب العلم، فكل شيء في هذه الحياة يسلك طريقه دون عودة الى الوراء
ومن هنا فإن هناك قواعد أساسية في تنظيم الأوقات والأعمال:
أولاً: برمجة الأعمال: طالب العلم؛ هو الإنسان المسؤول عن وقته وعمله وهو الذي يبرمج أوقاته حسب مقتضيات الحاجة، فهناك أعمال ثابتة، كالتحصيل العملي اليومي، وهناك أعمال غير ثابتة كزيارة الأرحام وما أشبه.
وفائدة جدولة الأوقات أن الغاية منها التنظيم والتحكم في الوقت واغتنامها، وانجاز الجيد من الأعمال، وتأجيل الأعمال الثانوية الى اوقات أخرى.
ثانيا: لا تؤجل عمل اليوم الى الغد: يقول الإمام علي، عليه السلام: “الحازم من جاد بما في يده ولا يؤخر عمل يومه الى غده”، طالب العلم أكثر الناس حرصا على اداء المهام الموكلة إليه، والاستفادة من عامل الزمن وانجازها في وقتها، يقول الإمام علي، عليه السلام: “من قصر في العمل ابتلي بالهمّ”، ولهذا فإن القيام بالأعمال في وقتها تضفي على طالب العلم الراحة والسعادة، على خلاف تأجيلها؛ إذ لا يضفي على الإنسان سوى الإجهاد والتعب النفسي والجسدي، إضافة الى توقف العمل وضياع الأوقات.
ثالثا: المهم فالأهم؛ يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “من اشتغل بالمهم ضيع الأهم”، ومن هذه الرواية نستشف قاعدة “سلّم الأولويات”، إذ أن الأعمال ليست كلها على نمط واحد في الحياة، فهناك عمل ضروري، وهناك عمل أقل منه ضرورة.
وبمراعاة هذه القاعدة ـ سلّم الأولويات ـ يتمكن طالب العلم من التحكم في أوقاته، وتنظيم أعماله، واداء مهامه، وكل شخص يعرف جيدا ما هي أولوياته الضرورية، يقول الله ـ تعالى ـ: {بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}.
ورد في حديث أن رجلين ذهبا الى الحج، وفي المدنية المنورة تمرّض احدهما وكان يؤنسه صاحبه، فأراد صاحبه أن يذهب الى زيارة قبر رسول الله، صلى الله عليه وآله، حيث كانت مدة بقائهم في المدنية قليلة، وقد شدوا رحالهم من امكان بعيدة، والرجل مشتاق لزيارة قبر الرسول.
فقال له المريض: لا تذهب فإني اؤنسك بك، فإذا ذهبت الى الزيارة فإني ابقى وحدي، لكن الرجل أبى، وقال: إنّ أجر زيارة رسول الله عظيم وعظيم، فلا اترك الزيارة، وسوف ارجع اليك عن قريب.
ثم ذهب الى الزيارة، وبعد مدة ذهب لزيارة الإمام الصادق، عليه السلام، ونقل له القصة، فقال له الإمام الصادق: بقاؤك مع صديقك تمرضه ويؤنس بك أفضل عند الله ـ سبحانه وتعالى ـ من زيارتك لقبر رسول الله، صلى الله عليه وآله، مع أن ثواب زيارة الرسول عظيم وكبير”.
إن علينا أن نقدس الوقت ونستغله الاستغلال الأفضل ـ خصوصا ـ طالب العلم، فكل شيء في هذه الحياة يسلك طريقه دون عودة الى الوراء، مشيراً أن الوقت يسير بخطى حثيثة وسريعة، وعلى طالب العلم أن يكون من ذوي العزائم الراسخة وأن يكون جديّ في مجال تخصصه، يقول الإمام علي، عليه السلام: “لا يُنال العلم إلا بالجد”، ومهمة طالب العلم كبيرة جدا، كونه رجل الإنقاذ في المجتمع من ظلمات الجهل والغفلة التي اطبقت على غالبية الناس.