رغم كوننا نعيش في بيت واحد، ونجلس في غرفة واحدة في هذا البيت الا اننا منعزلين عن بعضنا وكأننا بيننا جدران وموانع كبيرة، فلا حديث يثار ولا مناقشة ولا مزاح، والكلام اصبح على قدرٍ يا موسى.
تُرى؛ ما الذي عصف بعوائلنا ليصيبها هذا الانشغال؟
وهل للتكنلوجيا دور في ما يحصل؟
ماذا تسمّى هذه الظاهرة علمياً؟
وهل هي مرض؟ ام انها ضريبة من ضرائب وهم التحضر العديدة التي بتنا ندفعها، وطيف يمكن الوقاية منها في ضل الاعتماد الكبير على الأجهزة الذكية في كل جوانب الحياة وفي التواصل مع الآخرين؟
ظاهرة (الخرس الاجتماعي) هي واحدة من اكثر الظواهر الاجتماعية المعاصرة المقلقة التي نراها تسيطر على حياتنا ونتقبلها دون أن نكون قادرين على السيطرة عليها، ونظراً لتنامي الامر واتساعه يوماً بعد آخر؛ حذّر علماء الاجتماع من اثره السلبي المهدد لكيان الاسر سيما الاسر العراقية عبر تفكيكها للترابط الاجتماعي والتكاتف الأسرى.
ما الاثر السلبي للظاهرة؟
من الاثار السلبية لهذه الظاهرة انها حولت جلسات الاهل الاقارب الى اشبه بالمقاهي الشعبية في اي مكان آخر، فالجميع ممسك بهاتفه وغارقاً في عالمه الالكتروني ولا مكان لاحاديث السَمَر التي كانت بالأمس تتسيّد مجالسنا، ولعل السؤال عن الرمز السري لشبكة الانترنت هو أوائل الاسئلة يقدمها الضيف لأهل الدار.
من الاثار السلبية لهذه الظاهرة انها حولت جلسات الاهل الاقارب الى اشبه بالمقاهي الشعبية في اي مكان آخر، فالجميع ممسك بهاتفه وغارقاً في عالمه الالكتروني ولا مكان لاحاديث السمر التي كانت بالأمس تتسيد مجالسنا
الإحصائيات التي تناولت الموضوع تشير الى خطورتها وانتشارها المخيف، فقد اعلن مركز الإعلام الرقمي في العراق عن استخدام 25 مليون عراقي لمواقع التواصل الاجتماعي، وبزيادة سنوية تقدر بـ4 مليون مستخدم، ويشير المركز ” إلى وجود 20 مليون مستخدم على منصة فيسبوك، و13 مليون مستخدم نشط على انستجرام، و11.25 مليون مستخدم على سناب شات، و1.30 مليون مستخدم لتويتر، و1.20 مستخدم لشبكة لينكدان بالإضافة إلى17 مليون مستخدم لفيسبوك”.
كما تشير الاحصائيات التي اجريت حول الظاهرة الى ان ما يقرب الـ 75% من مرتادي الاماكن الترفيهية كالمطاعم والمقاهي والمنتجعات مَن يستخدمون مواقع التواصل واليوتيوب لا يتمتعون بجمالية وخصوصية المكان الذي هم فيه بسبب انشغالهم بمواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي له دلالات أخرى تؤكد انتشار ظاهرة الخرس الاجتماعي بصورة كبيرة.
اثرها على الاسرة
أثر الخرس الاجتماعي اُسرياً يتجلى في نشوء ما يعرف بـ(الأسرة ذات القوقعة الفارغة) وهي الاسرة التي تفتقر الى العلاقات الحميمية المباشرة على الرغم من أن افراد تلك الأُسر يجمعهم سور بيت واحد، وهذا الافتقار يحصل كنتيجة لانشغال كل فرد بشأنه الخاص وعالمه الافتراضي الخاص به.
فالام منشغلة بعالمها الخاص من الموضة الى المطبخ والى غير ذلك من الامور النسائية التي تتجدّد في كل يوم تبعاً لتطورات المرحلة، أما ربّ الأسرة فمنشغل بتدبير أمور الحياة والسعي نحو توفير مستوى أفضل من الحياة لأفراد الأسرة وغيرها من الالتزامات الضرورية.
من الضروري فسح المجال لتبادل الآراء بين افراد الاسرة وهذا من شأنه ان يقوّي ثقة الابناء بأنفسهم وبالتالي لا يتخوفون من التكلم بوجود والديهم
والأولاد فلهم نصيبهم من الانعزال بهواتفهم واجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم التي يستخدمونها في عالمهم غير الواقعي الخاص بهم، وحتى عندما يلتقون وقت الوجبات فهي لقاءات تنقصها الحميمية والاهتمام الأسرى للأسف.
وعلى الصعيد المجتمعي الأوسع من الاسرة الواحدة يؤثر الاستخدام المفرط للتقنيات الحديثة ضعف العلاقات الاجتماعية وتخلخلها بين العوائل والافراد، وفي حال نشأت علاقات اجتماعية فأنها تنشأ رسمية الى حد بعيد وخالية من التفاعل والدفء بين البشر، وتتحول العلاقات التقليدية الرصينة بين افراد المجتمع الصغير، التي كانت علاقات مباشرة قائمة على التواصل الفعلي إلى علاقات سطحية مبنية على التواصل التقني.
اسباب الظاهرة
جملة من الاسباب الرئيسة التي توصل العائلة الى هذه الظاهرة من اهمها:
- التقنيات الحديثة التي اقتحمت حياتنا بعد حرمان كبير ألمَّ بنا، اضافة الى وسائل التواصل وجميع ما يتعلق باستخدامات شبكة الانترنت وهو ما اصولنا الى الخرس الاجتماعي.
- الهوّة الكبيرة بين الابوين وابنائهم وعدم تفهم الاهل لضرورة النزول في التعامل مع المستويات العقلية لا بناءهم، ذلك كوّن حاجزاً بينهم وبالتالي يلجأ الاطفال الى وسائل اخرى غير الحديث للأهل.
- 3- والسبب الاخير هو عدم وضع ضوابط لاستخدام الانترنت والأوقات التي يتم الاستخدام فيها لأفراد العائلة الواحدة.
كيف نعالج الامر؟
اما المعالجات الممكنة للحد من هذه الظاهرة الغير مريحة فهي:
- وضع جدول زمني محدد لاستخدام الانترنت أو تحييد الهواتف والاجهزة اللوحية عندما تجتمع العائلة لإتاحة فرصة من تبادل الاحاديث بين افراد العائلة وهذا الامر مهم جد في تقوية العلاقات.
- على الوالدين التنازل عن الكثير من الاشياء التي يعتقدونها ثوابت لا يمكن تخطيها؛ مثل عدم السماح للابن بالتكلم في حضرة والده مثلاً، أو مناقشة والديه في امور الدراسة أو التخطيط لمشروع معين.
- ومن الضروري فسح المجال لتبادل الآراء بين افراد الاسرة وهذا من شأنه ان يقوّي ثقة الابناء بأنفسهم وبالتالي لا يتخوفون من التكلم بوجود والديهم، تلك هي ابرز الامور التي يمكن تعالج ظاهرة الخرس الاجتماعي أو تحد منها على اقل تقدير.