اقتضت طبيعة الحياة أن النجاح ـ سواء كان نجاحا ماديا أم معنويا ـ فيها مرهون بالعمل والسعي، ومن الطبيعي أن تكتنف مسيرة النجاح جملة من ضغوط الحياة ومصاعبها، وشتى أنواع من المنغصات التي تحول دون بلوغ الهدف المنشود.
كثيرا ما تعترضنا مصاعب في حياتنا، فالبعض يتغلب على تلك الصعوبات، والبعض الآخر يصاب باليأس والإحباط، فبدل أن يحوّل فشله واحباطه الى تجربة من خلالها يتلافى ما وقع فيه، تراه ينزوي عن الحياة، وكأن النجاح يأتي من الخطوة الأولى للإنسان، فإذا ما أفلح في أولى خطواته وإلا فإن الابتعاد هو الخيار الأفضل ـ عنده ـ.
جميعنا نرى الطفل في بداية حياته؛ كيف أنه يبدأ بالحبو، ثم بعد مدة من الزمن يحاول ان يقوم على رجليه ليبدأ المشي، لكنه لعشرات أو مئات المرات، نراه ينهض ثم يسقط أرضا، فيحاول مرةً أخرى وأخرى، وقد يلجأ الى الجدار ليستند عليه ثم يمشي محاذيا له وهكذا الى ان تستقيم قدامه فتحملانه على المشي وحيداً.
الضرر الأكبر الذي يتعرض له الإنسان، وكل من يعمل في هذه الحياة، هو اليأس لأنه اذا اصابه، فإنه يعطّل أي نشاط وكل إنتاج
تتلخص مهمة اليأس في شيء واحد فقط، وهو إغلاق ابواب التفكير والعمل في وجه الإنسان، إنه تماما كالقنبلة الذرية تقضي على جميع طاقات وقدرات الفرد، ففي لحظات اليأس تنشأ حالة من الضعف البشري أمام قوى الكون والمجتمع.
الضرر الأكبر الذي يتعرض له الإنسان، وكل من يعمل في هذه الحياة، هو اليأس لأنه اذا اصابه، فإنه يعطّل أي نشاط وكل إنتاج.
والإنسان ـ عادة ـ سريع اليأس إذا ما تعرض لفشل بسيط، فإذا باليأس يشل حركته، ويثبطه عن عزمه، ويسيطر القنوط على قلبه، يقول الله ـ تعالى ـ:{وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ}، ولعل اليأس هو قطع الأمل قلبيا، بينما القنوط هو التوقف عن السعي بسبب اليأس.
التوكل على الله سر العظمة
إن التوكل على الله هو رأس كل خير، وسبب كل فضيلة، والتوكل عليه ـ تعالى ـ والثقة بنصره، يمثلان بداية انطلاق الإنسان، يقول الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله: “من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى”. فمن منا لا يريد أن يكون ذا خير كثير، وأن يكون صاحب شأن وفضيلة، وأن تكون لديه المنعة والقوة؟
إن الإنسان عندما يجد نفسه قد فشل في عمل ما، أو أنه قد تعرض لإخفاق في تجربة قام بها، فإنه حينها لا يملك إلا قدرة واحدة من خلال يستطيع أن يحوّل ذلك الفشل لصالحه، وتلك القوة هي قوة الله ـ تعالى ـ.
والطريق الى تلك استحصال تلك القوّة يكون بالتوكل على الله ـ تعالى ـ، فالتوكل يزيل وساوس الشيطان من القلب، لأن الإنسان يعيش بطبيعته هاجس الأوهام الداخلية داخل النفس، وهذه الحالة نابعة من طبيعته الضعيفة، فتراه يميل الى الراحة، ويتجنب المشاق والصعاب، ويفر من المسوؤلية، ويلجأ الى اسباب التبرير، فالتشاؤم الذي يسيطر عليه هو أحد اساليب التبرير فهو ـ مثلا ـ يتشاءم من مكان ما، أو يوم ما، أو ربما من رقم ما، أو أي حركة أخرى طارئة.
إن التوكل هو الذي يشد قلب الإنسان بقوة الرحمان وقدرته اللا محدودة، فالرافد يبقى صغيرا ولكنه يبقى يقوى ويعظم حين يتصل بالبحر الممتد مع الآفاق
وقد أشار القرآن الكريم الى هذه الحقيقة، إذ قال ـ تعالى ـ: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}، والغريب أن بعضا من الناس يغرق في التشاؤم حتى في الرؤى المستقبلية نحو الخير، فهو يبادر الى تفسير هذه الرؤى تفسيراً تشاؤميا، فحياتهم مليئة بالسلبيات من كل جوانبها، مما توقعهم في مستنقع التثبيط والخمول والكسل.
بينما التوكل هو مبعث التفاؤل في النفوس، وعلى هذا فإن التوكل يزيل مثل هذه الصور السلبية من المجتمع الإنساني المؤمن، وهو مبعث الخير والازدهار، وهو السلاح الفعال الذي يقف في مواجهة اوهام الفشل وهواجسه، فحينما يعشعش وهم الفشل في عقلية الإنسان الضعيف في إيمانه، فإنه يمهد لنصف الفشل الحقيقي.
إن التوكل هو الذي يشد قلب الإنسان بقوة الرحمان وقدرته اللا محدودة، فالرافد يبقى صغيرا ولكنه يبقى يقوى ويعظم حين يتصل بالبحر الممتد مع الآفاق، وكذلك هو حال الإنسان، فلا ريب أنه مخلوق ضعيف في بنيته وكيانه، ومحدود في طاقاته، ولكن سرعان ما يقوى ويتسع في طاقاته وقدراته، وتتذلل الصعاب من الامور عندما يتصل ببارئه الازلي الذي لا تحده حدود، ولا يمكن أن يتحقق هذه الاتصال إلا بجسر التوكل.