(صفحات مشرقة من سيرة الرسالي الراحل عبد الأمير العرب (1953 – 2007م)
هوية الكتاب
إصدار جمعية العمل الإسلامي (أمل) – المنامة – البحرين
الطبعة الأولى: 1443هـ 2021م في 372 صفحة
المقدمة تأريخية
لماذا دراسة السيرة الشخصية لبعض الفراد؟
ولماذا كتابة التاريخ للشعوب والأمم أصلاً؟
في الحقيقة والواقع إن التاريخ يمثِّل أبُ العلوم إذا كانت الفلسفة هي أمها، كما قالوا وذلك لأنه لا يمكن أن نستغني عن التاريخ في أي أمة، أو شعب، أو زمان أو مكان لأن التاريخ يشكل ذلك كله، فهو ذلك النهر الجاري مع الشمس والقمر في نهر الزمن الذي يتدفق منذ أن خلقه الله بهذا النظام، ولا يتوقف لأجل أحد ولكن يتغيرن ويتبدل، ويُصنع من قبل فرسان يمتطون الصهوات، ويلوون أعنَّته ويُغيّرون وجهته كما يريدون ويشاؤون.
فدراسة التاريخ ضرورة حضارية وذلك لأن الإنسان الفرد مهما أُعطي من العمر والقوة والذكاء فإنه قاصر عن أن يستوعب مجرى الحياة البشرية كلها، ولكنه بعقله وفكره يستطيع أن يدرسها فيكون كمَنْ عاشها كما قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام بوصيته التربوية الرائعة لولده الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، وهي في الحقيقة والواقع وصية الآباء للأبناء على طول الدهر وتقلبات العصر، حيث يقول له: “أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ“.
كم نحن بحاجة إلى هذه البصيرة التاريخية التي لخَّصها أمير المؤمنين، عليه السلام، في هذه الجمل القصار من هذه الوصية الرائعة، فالعاقل هو الذي يستخلص من كل حادث خلاصته، ومن كل قصة عِبرتها، ومن كل أدب جميله، ويضخَّه في المجتمع على شكل كتب ودراسات ومحاضرات وبأي طريقة يمكن له ذلك ليتربَّى المجتمع على تجارب آبائهم الماضين، وهنا أهمية كتابة التاريخ التي تفتح آفاق حياة الملايين من الشعوب والأمم أما ناظريك، لأن “في التاريخ يمكنك أن تتعرف على حياة ملايين من البشر عاشوا في عصور سابقة فتحيى مع كل جيل جيل منهم، وتختزل مسيرة مئات السنين من تاريخهم جميعاً في بضع أيام”.
التاريخ عِبرة وبصيرة
يقول سماحة السيد المرجع المدرسي (حفظه الله): “فليس التاريخ مجرد حوادث ماضية تتلاحق على مسار الزمن كقطر المطر، غنما هو عِبر تلك الحوادث وتحليلها وتفسيرها، لكي تُلقي ضوءاً على تجارب الإنسان المعاصر من خلال معرفة التجارب المشابهة، وتُعطي الإنسان – بالتالي – بصيرة في الحياة، حيث تفتح العقل على الخطوط العريضة التي تسير عليها حياة البشر”. (حياة المرجع الديني عز الدين يحيى: ص16).
كتابة السيرة الشخصية
فقد ورد في الأثر عن سيد البشر: “مَنْ وَرَّخَ (أرَّخَ) مُؤمِنَاً فَكَأنَّمَا أَحيَاهُ“، فهي في غاية الأهمية والضرورة ولذا صارت في العصور المتأخرة تُعدُّ أدباً مستقلاً عن التاريخ العام، يُسمى أدب السيرة الشخصية، أو الذاتية لأشخاص بعينهم كان لهم أثر من تلك الآثار التي تُغني الحياة البشرية بتجربة عاشها ذلك الشخص في مجتمعه.
ومن هنا كانت أهمية هذا الكتاب الأنيق الجميل الذي أتحفني به اليوم سماحة الشيخ عبد الله الصالح (حفظه الله) مشكوراً، لأقرأ تلك الصفحات المشرقة لهذا المناضل البحراني البطل الذي قدَّم نفسه وحياته ودمه فداء لقضيته وحريته وحرية شعبه وأمته، فأعدتُ مطالعة تلك الذكريات التي كدتُ أن أنساها في زحمة الأيام وبلبلات هذا العصر الأغبر.
نعم؛ إنه المجاهد المؤمن عبد الأمير محمد حكيم العرب الذي عاش في فترة من أدق فترات الجهاد الإسلامي في البحرين العزيز، حيث ولد في بني جمرة في 7 آذار عام 1953م، وحاول أن يُنهض ذلك الشعب الأبي وتلك الأمة الغافلة لتأخذ مكانها تحت الشمس، وتنال حريتها من ظالمها، وتبني مستقبلها وحضارتها الإنسانية الراقية على أرض الحرية، والشرف، والكرامة الإنسانية، إلا أن القدر لم يُمهل هذا الرجل الفذ ليُعطي المزيد من الفكر والعرق والجهاد لشعب البحرين حيث اختطفه حادث أليم وانتقل إلى رحمة الله، يوم الإثنين 3/9/2007م ، في حادث مروري مروِّع، وهو في بداية العقد الخامس من العمر، فذهب إلى ربه محملاً بتعبه ونضاله وجاهده.
دراسة التاريخ ضرورة حضارية وذلك لأن الإنسان الفرد مهما أُعطي من العمر والقوة والذكاء فإنه قاصر عن أن يستوعب مجرى الحياة البشرية كلها
درس (أبو محمد) عبد الأمير العرب في مدارس البحرين، حيث أنهى دراسته النظامية وتخرَّج من الثانوية في مطلع السبعينات، وألتحق بالعمل في شركة البحرين للبرق واللاسلكي آنذاك (بتلكو) حالياً، وفي مطلع السبعينات وبداية المد القومي الوطني واليساري، أنخرط عبد الأمير العرب في الحركة السياسية الوطنية، حيث شارك في نشاطات الحركة السياسية المدافعة عن حقوق المواطنين والمطالبة بالإصلاحات السياسية في البحرين، وفي نهاية السبعينات وبروز التيار الإسلامي الرسالي في البحرين أنتظم عبد الأمير العرب في صفوف العاملين الرساليين ليشكل ذلك منعطفاً كبيراً ومصيرياً في حياته، حيث وجد في التيار الإسلامي الرسالي ضآلته المنشودة لما يحمله من إيمان وتطلع للإصلاح، فتعرَّض للإعتقال والمطاردة فترك وظيفته وفرَّ مهاجراً فحط رحاله في أكثر من بلد كإيران، وسوريا، ولبنان، والهند، وبريطانيا باحثاً عن مكان للعمل في سبيل تحرير الإنسان البحراني من الظلم والطغيان الخليفي، وكانت رؤيته الاستراتيجية لتخلص البحرين من العسف فطرح ثلاث مسائل أساسية للعمل السياسي في البحرين هي:
- دستور عصري.
- انتخابات حرة وعادلة.
- شراكة ديمقراطية حقيقية.
وآراءه بثها وكتبها في العديد من الدراسات، والمقالات، والبيانات السياسية حول البحرين وقضايا عديدة أخرى، تجد لُمعاً عنها في هذا الكتاب الجميل، ولذا أحسن الأخ المنسق لهذا الكتاب حيث أهداه “إلى شهداء الحق.. والعدل.. والحرية.
إلى المجاهدين والمناضلين في أُوال (البحرين الكبرى) الكرامة، والعزة، والشرف..”
نعم إنها كلمات تُعبِّر عن ذاك المجاهد الذي نعاه، ورثاه، وأبَّنه الكثيرون ممَّنْ عرفوه كسماحة السيد المرجع محمد تقي المدرسي (دام عزه)، الذي وصفه بقوله: “كان مؤمناً مجاهداً بذل حياته في العمل في سبيل الله، والدعوة لنهج رسول الله وأهل بيته الأطهار، صلوات الله عليه وعليهم، والدفاع عن حرمات الدِّين وكرامة الإنسان، متحلياً بأخلاق فاضلة كريمة، وإخلاص وعطاء وتضحية”.
وسماحة السيد المجاهد هادي المدرسي (حفظه الله) صاحب المدرسة والرؤية التي تربَّى عليها هذا المجاهد، الذي قال عنه: “رحل عنا بالأمس الأخ المؤمن المجاهد عبد الأمير العرب في وقت نحن بأمس الحاجة إلى أمثاله من الرجال الصالحين، وقد كان بحق تقياً نقياً صالحاً مصلحاً متواضعاً صبوراً، رحل عنا بعد أن تحمل أنواعاً من الصعاب بلا شكوى.
وأدى ما عليه بلا طمع، وعمل في سبيل الله بلا إدعاء، وجاهد من أجل الحق بلا هوادة.
وكان في أخلاقه وتواضعه وثباته مثالاً للمؤمن الصادق مع ربه ومع نفسه ومع الناس.
نشهد له عند الله تعالى بالإيمان، ونشهد له بالصدق والصبر، ونشهد له بالتمسك بولاية محمد وآل محمد”.
وكثيرون قالوا عنه وجميل ما قاله سماحة الشيخ محمد علي المحفوظ البحراني بقوله: ” لقد كان الفقيد المرحوم عبد الأمير متواضعاً إلى أبعد الحدود فلم يكن من الذين يبحثون لأنفسهم عن موقع أو صوت أو صورة أو حتى اسم.. وبهدوئه المعهود وأخلاقه العالية أصبح حلقة تواصل مع مختلف التيارات السياسية والدينية والاجتماعية فقد كان يرى أن النجاح الحقيقي يكمن في وحدة الأمة”.
وأما سماحة الشيخ عبد الله الصالح فقد ودَّع رفيقه بقوله: ” فقيدنا الغالي الرسالي الحاج عبد الأمير محمد حكيم العرب واحد من أولئك الذين سطروا خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة التي لا تعد طويلا في عمر الإنسانية لكنه سطر لنفسه وللمحيط الذي كان يعيش فيه تاريخيا طويلا.
مواقف عظيمة كتاباً يحتاج أن يتأمل فيه الإنسان كثيراً؛ يحتاج أن يتمعن فيه وعلى الاجتهاد في قراءته وإستنباط العِبر والدروس التي عاشها؛ أنه لأصعب موقف على الإنسان أن يقف يؤبِّن عزيزاً على قلبه.. لكن هذه سنة الحياة فالحياة تأتي وتمضي وكل منا يأتي ويمضي لكن العبرة فيما يعطي في هذه الحياة فيما تجسد في هذه الحياة”.
وكذلك الدكتور راشد الراشد، القيادي البارز في المعارض البحرانية فإنه يقوله عنه: ” كان رائداً من رواد العمل الرسالي، صامدا وضرب مثلاً رائعاً في الصبر والتحدي في أحلك الظروف وأشدها قسوة وإيلاماً، وعندما تكون هناك الحاجة إلى الموقف ِ، يكون أول المبادرين باحثاً عن المسؤولية وليس بريق المواقع”.
كثيرة هي الكلمات والأشعار التي حواها الكتاب الذي يؤرخ لهذا المجاهد البحراني الفذ، وهنا أشكر الأخوة الكرام الذين حفظوا هذا التراث وهذه التجربة الإنسانية لهذا المظلوم الذي قدَّم كل حياته في سبيل الله وحياة شعبه وأهله وناسه في بلده المختطف السليب من تلك العصابة التي جاءت إلى البحرين على خيول إنكليزية وبأيديهم بنادق إنكليزية أيضاً ليخدموا المستعمر الإنكليزي في بلد ليسوا من أهله أصلاً ولا فصلاً.
فهذا الكتاب الجميل بفصوله العشرة يحتوي على مادة علمية بمقدمته المأخوذة من الكتاب الرائع لسماحة السيد المرجع المجدد المدرسي (حفظه الله)، التاريخ الإسلامي دروس وعبر، وعناوين فصوله هي:
1- دراسة التاريخ ضرورة حضارية.
2- محطات من تاريخ الصراع السياسي في البحرين.
٣-عبد الأمير العرب سيرة جهاد وعطاء.
٤- صاحب البصيرة.
٥- بيانات العزاء.
٦- تقارير خبرية عن الرحيل المؤلم.
٧- شهادات.
٨- تراتيل وخواطر.
٩- مقابلات.
١٠- صور من الذاكرة.
وفيه أيضاً مادة غنية عن الحركة الرسالة في أُوال وأهيب بالأخوة الكرام من الرساليين أن يقرؤوا ويتمعنوا بهذه التجربة الإنسانية لهذا المجاهد والمناضل عبد الأمير العرب.
وأسأل الله أن يتغمَّد المرحوم بواسع رحمته وأن يرحم الشهداء السعداء من أبناء هذه الأمة.