غاب الضمير فحضرت مساوئ الناس وسلبياتهم، فلا يكاد يخلو مجلس عام كان او خاص من الطعن بإنسان او ذكر عيوب اخرى، وعلى الرغم من الجميع قابلين للخطأ لكن بنسب متفاوتة غير ان الكثير من الناس لطف الله فسترهم والاخرون ظهرت سيئاتهم، فتسلط المستورون على الذين بانت عيوبهم واعلنوا حرباً عليهم، وباتت الغيبة والتشهير وكأنه من مسلمات مجالسنا للأسف، فالتشهير بالناس عجينة مخمرة بالكذب والخداع ومعجونة بماء البهتان والتجني ومخبوزة بأفران الغيبة والنميمة لتوزع بعد ذلك على صغار العقول والسذاج.
اصبحت ظاهرة التشهير بالناس ظاهرة سريعة الانتشار او انها ايقونة مجالسنا، فنشهر بهذا وذاك، وكأننا نصّبنا انفسنا حكاماً عليهم معلقين لهم اعواد المشانق دون ان نعرف التفاصيل الكاملة، فما يهمنا القدح والتوبيخ لاناس ربما اخطاؤنا اكثر منهم بكثير، فلنسأل انفسنا ماذا سنجني من تشهرينا بالناس وفضحهم؟ وهل نقبل ان يُشهر بنا احد لو كنا مكانهم؟، لماذا غابت قيمة الانصاف من مجتمعنا العربي عموماً والعراقي على وجهة التحديد رغم كونه مجتمع مسلم؟
وماهي المضار التي ستصيب المُشهَر به مجتمعياً، ألا يعد ذلك تقسيطاً له؟
واخيرا ماهي الدوافع النفسية التي تدفع بأتجاه التشهير بالناس وفضح عيوبهم على عكس ما يوصي به ديننا الحنيف؟
علم النفس يرى: “ان الشخصية التي تُشهِر بالناس هي الشخصية السيكوباتية، او الشخصية الناقمة على المجتمع، والتي تعمل ضد القيم الاجتماعية والأخلاقية، لأنها تعاني من بعض العقد النفسية التي ربما تكونت منذ الطفولة نتيجة أساليب تربوية خاطئة
علم النفس يرى: “ان الشخصية التي تُشهِر بالناس هي الشخصية السيكوباتية، او الشخصية الناقمة على المجتمع، والتي تعمل ضد القيم الاجتماعية والأخلاقية، لأنها تعاني من بعض العقد النفسية التي ربما تكونت منذ الطفولة نتيجة أساليب تربوية خاطئة أدت إلى الشعور بالنقص والدونية أمام الآخرين، وبأنه أقل منهم جهدًا وخبرة وعملاً وإخلاصاً، ويعتقد أنه لو فعل ذلك وشهر بغيره أو بمنافسه استطاع أن يكسب الأصوات، ولا يعلم أنه بذلك يكون قد خسر نفسه”.
التشهير لم يقف عند حدود المجالس التقليدية في البيوت، او المقاهي، او امكان العمل، او غيرها، بل تعدى ذلك ليصبح تشهيراً الكترونياً، فما إن تتصفح اي من مواقع التواصل الاجتماعي حتى تجد صور او مقاطع فديو معلق عليها بعابرات فضحية فلان او فلانة، وترى اعداد مشاهدتها تخطت الاف ما يعني تجاوب الناس وتقبلهم لها وتلك علامة انتكاسة وتدني القيم والاخلاق المجتمعية واختلافها عما كانت عليها في السابق عندما كان الغائب محفوظ والمذنب مستور حتى يحظر الانسان ليدافع عن سبب خفاقته، آه ثم آه على ضياع الاخلاق في مجتمع من بعث ليتمم مكارم الاخلاق.
حين نشهر بالناس تجاوزنا هنا حقوق الاخرين واقتحمنا حياتهم الخاصة دونما استئذان وكأننا دخلنا منازلهم، لا فرق في ذلك سوى الشكل؛ فالأول اختراق معنوي والثاني مادي، وباعتقادي ان من اكثر الامور بشاعة هو نشر الفضائح، فبعد ان نقذف غيرنا فانه لن ينفع بعدها المعالجة، او الطبطبة لان الخبر او الشائعة تنتشر كالنار بالهشيم وبسرعة في ظل ما يشهده العالم من ثورة في عالم الاتصال الرقمي المتجدد في كل يوم، ولعل من ابرز مساوئ التكنلوجيا انتشار الاشاعات والخرافات وكل ما يتعلق بالفساد والرذيلة ولا رقابة على هذه استخدام ولا ادب يوقف الناس ذاتياً.
قبل كل شيء على الناس سيما النساء منهم ان يتوخوا الحذر من ارسال خصوصياتهم الى اصدقائهم الافتراضيين، إلا في حالة معرفتهم شخصياً لأن الخطأ في مثل هذه الحالات لا يصحح ولات حين مندم
من مضار التشهير انه يكون سبباً في اوجاع نفسية لمن يشهر به لكونه يتحول في نظر الناس الى انسان غير مرغوب فيه لصدور امر مجتمعي بتجريمه دون ان يمنح فرصة لتوضيح موقفه على اقل تقدير هذا على الصعيد الشخصي، بالإضافة الى المضار على الصعيد الاسري فيتسبب في دمار عوائل كاملة، إذ ان ظهور صورة احد افراد العائلة في حالة سيئة سيجعل الافراد الباقين يتخلون عنه وبالتالي يحدث الانهيار الاسري، “اما اذا كان موضوعا تجاريا او اقتصاديا فإن اضراره ستكون كبيرة على المعنيين والعاملين من النواحي الاجتماعية والاقتصادية، الامر الذي يؤكد ان التشهير جريمة يجب ان تغلظ العقوبات بحق مصدريها لأنها قد تدمر انسانا او اسرة او مجتمعا كاملا”.
اما ما يجب ان يُتخذ من قبل جهات عديدة لإيقاف عملية التشهير بالناس فهي على عدة محاور واتجاهات وعلى النحو التالي:
- قبل كل شيء على الناس سيما النساء منهم ان يتوخوا الحذر من ارسال خصوصياتهم الى اصدقائهم الافتراضيين، إلا في حالة معرفتهم شخصياً لأن الخطأ في مثل هذه الحالات لا يصحح ولات حين مندم.
- مسؤولية العقلاء واصحاب التأثير في المجتمعات التصدي لحالات التشهير التي تطال الكثير من الناس بدليل وبدون دليل، فمن الجميل عدم سماع احاديث هؤلاء المرضى وعدم تقبل بضاعتهم الفاسدة وبالتالي يمنع تداولها بين الناس.
- اما على صعيد الحكومي فيجب أن تأخذ الجهات الرسمية دورها في ايقاف التشهير عبر استخدام القانون، الذي يؤدب أولئك المشهرين بحقوق الناس وحرماتهم وأشخاصهم، وبهذه الاجراءات يمكن ايقاف هذه السلوكية المرضية.