إذا أردت يوماً ما الإقدام على مشروع معين، ربما تسمع حينها صوتاً داخلياً يقول: “ستخسر في هذا المشروع، أو المعوقات كبيرة وأنت تحلم، أو هل فكرت برأي المجتمع، وربما سمعت صوتاً يقول هذه ليست امكانياتك..”. كل ماتسمعه في داخلك ماهو إلَّا صوتك الداخلي.
تُرى هل هذا ضرب من الجنون أم أمرٌ فطري طبيعي؟
حقيقةً هو أمرٌ فطري لا بل على عكس ذلك بالضبط، هو أمرٌ صحيٌّ، وهذا هو حال حياتنا اليومية، بما يدور في أذهاننا من أفكار وصور ومشاعر وأحاسيس، في أثناء الاسترخاء أو عندما نقطِّع البصل في المطبخ، أو عندما نكون في انتظار بدء مقابلة مهمة وما أشبه.
ما معنى الحديث الداخلي؟
هل للحديث الداخلي أنواع؟
ما هي ميزات هذا الصوت وبماذا يفيدنا وجوده؟
معنى الحديث الداخلي :
يقصد بالحديث الداخلي في علم النفس هو الكلام، أو الحوار النفسي الداخلي، وسمِّي بالداخلي لأن لا نُطق فيه للكلمات، ويحدث عندما نفكِّرُ في أمرٍ ما، ونخطط له، أو عند محاولة حلِّنا لمشكلة ما، أو عند تحليل موقف ما مررنا بهِ، وربما عند حاجتنا لاتخاذ قرار معين.
هو أحد الآليات العالمية المهمة للوعي البشري والنشاط النفسي، طبعاً إذا كان ذلك بلا افراط أو تفريط.
من مميزات التفكير الايجابي والداعم له، هو التقبُّل والرضا ومن ثُمَّ الامتنان، فالشخص الايجابي يحدِّث نفسه بالامتنان بإستمرار لكل نعمة موجودة في حياته مهما كانت صغيرة أو قليلة الأهمية
يكون بعض حديث النفس نتاجاً للعقل والمنطق، وقد يظهر حديث آخر مع النفس ناتج عن مفاهيمٍ خاطئة تشكَّلت لدي الانسان بسبب الجهل أو معتقدات متوارثة خاطئة .
آلية الحديث الداخلي :
ولمحاولة فهم العملية العقلية للحديث الداخلي، والتي كانت ولمدة طويلة فرضية غير قابلة للاختبار، طوّر فريق من الباحثين طريقة موضوعيّة لقياس هذه العملية باستعمال تخطيط كهربية (أمواج) الدماغ(EEG)، شملت دراستهم مشاركة (٤٢) شخصاً يتمتعون بصحة جيدة، وقيّمت الدراسة مدى تداخل الأصوات المتصورة (في حالة الحديث الداخلي) مع نشاط الدماغ في حالة الأصوات الفعلية.
وخلصت الدراسة إلى أنّ تخيّل إصدار صوت داخلي صامت وحده كان كفيلًا في تقليص نشاط الدماغ الذي ظهر عندما كان المشاركون يسمعون في آن واحد، نفس الصوت.
لهذا عندما يتصور الناس الأصوات، تكون هذه الأخيرة جد صامتة.
وبخصوص ايجابيات هذا الاكتشاف، يقول البروفسور عضو فريق البحث، أنّ هذا البحث يفتح المجال لفهمٍ أكثر لاختلاف الكلام الداخلي بين الأشخاص العاديّين والأشخاص الذين يعانون من أمراض ذهانية مثل الفصام، ويضيف البروفيسور “نحن جميعاً نسمع أصواتاً في رؤوسنا، ربّما تنشأ المشكلة عندما يكون دماغنا غير قادر على القول أنّنا نحن من ننتج هذه الأصوات”.
هل هناك نوع آخر لحديث النفس؟
نعم هناك مايسمى بالحديث الخاص، وهو حديث مع النفس ولكن بصوت ظاهر مسموع (لاتنس أن تحضر بعض القهوة، يكفي لاتأكلي كمية أكبر من الطعام، أو التزم بالخطة…).
ويشتهر فيه كل الناس على إختلاف أعمارهم إلَّا أنه شائع عند الأطفال والمراهقين، فتراه أحياناً ينظرُ لنفسه في المرآة ويكلمها، أو يتحدث مع نفسه وهو مستلقٍ أو تتحدث مع ألعابها وتلعب الدورين، وقد تأمل العلماء أسباب هذه الحالة عند الأطفال والمراهقين فأرجعوها إلى عدم إحساس الطفل بتلاؤم حديثه مع من يسمعهم وعدم قدرته على التعامل مع منظور الآخرين.
و هم يتعلمون بذلك السيطرة على أنفسهم وطرق الحديث، فيطوِّرون بذلك من حديثهم النفسي دون التعرض لردات فعل الآخرين .
أمَّا حديث النفس برؤية أهل البيت، عليهم السلام، فهي الوسوسة من الشيطان والعياذ بالله.
فقد جاء عن الإمام الباقر،عليه السلام، وقد كتب إليه رجل يشكو إليه ما يخطر على باله: “إن الله عز وجل إن شاء ثبتك فلا تجعل لإبليس عليك طريقاً”.
و قد شكى قوم إلى النبي، صلى الله عليه وآله، لما يعرض لهم ولأن تهوي بهم الريح أو يقطَّعوا أحبُّ إليهم من أن يتكلموا به، فقال رسول الله، صلى الله عليه وآله: أتجدون ذلك؟
قالوا: نعم.
تدرَّب على عبارات متعددة وحولها إلى صور ذهنية مرئية في ذاكرتك، وتستطيع استدعاءها متى شئت، فالصورة مع الكلمات هي مزيج قوي لخلق رسالة إيجابية مرتبطة باعتقاد ما
فقال: والذي نفسي بيده إن ذلك لصريح الإيمان، فإذا وجدتموه فقولوا: آمنا بالله ورسوله ولا حول ولا قوة إلا بالله .”
وبذلك علّمنا أهل البيت، عليهم السلام، في الكثير من رواياتهم علاج هذه الوسوسة ،وأغنونا بالكثير من العلاجات الروحية.
فوائد وأضرار الحديث الداخلي :
يعود تحديد ذلك إلى معرفة أنواع الحديث الداخلي من حيث أثرها على النفس فأحدها إيجابي والثاني سلبي.
لأن الحديث الداخلي من أقوى أنواع التحدث مع النفس، ومن الممكن أن يقود الشخص للإنهزام والاكتئاب إذا كان سلبياً، أو يقوده للنجاح والتطور والإبداع إذا كان سلبياً والقاعدة التنموية تقول:
راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعال
راقب أفعالك لأنها ستصبح عادات
راقب عاداتك لأنها ستصبح طباع
راقب طباعك لأنها تحدد مصيرك
الحديث الايجابي
هناك أفكار مغلوطة عن التفكير الإيجابي، فالبعض يظن أنَّ معناه العيش في الخيال بعيداً عن الواقع، بينما هو لا يعني تزييف الحقائق أو تجاهل المواقف، أو العيش بمثالية بل يعني أن تكون نظرتنا إيجابية لما حولنا ومايجري معنا، فنحاول التقبُّل والرضا مع محاولة التعامل مع المواقف المزعجة أو مايجري بطريقة أكثر إيجابية وانتاجية.
س/ لماذا علينا أن يكون حديثنا مع أنفسنا إبجابياً؟
الحديث الإيجابي يجعلك قوياً وقادراً على التعامل مع الضغوطات، وكلما كان حديثك إيجابياً كلما كنت أكثر إنجازاً وإبداعاً، كما ويخلصك ذلك من التوتر والاكتئاب والإحباط، وبالتالي تنعم بصحة خالية من الأمراض على المستويين النفسي والجسدي .
الحديث السلبي
من سمات الحديث السلبي :
١- التفكير الزائد عن الحد الطبيعي.
٢- المبالغة.
٣ -التركيز على جانب معين وترك بقية الجوانب.
٤- سوء الظن والشخصنة (سماع كلمة من أحدهم وأعتبرها تخصني).
5- معيق للتقدم والتفوق في أيِّ مجال، لما ينتج عنه من انعدام الثقة بالنفس والكسل والتقاعس عن العمل والإنجاز.
٦ – يزيد الحديث السلبي من نقد الذات المفرط ولومها وجلدها وقد فصّلنا عن مضاره في مقال سابق.
بعض الخطوات للتعوُّد على الحديث الإيجابي مع النفس :
١- تدرَّب على عبارة محفزة: (اختر أحد العبارات المحفزة، وتدرب عليها، مثل : أشعر بالقوة أو يمكنني فعل ذلك، نعم أنا أستطيع فعل ذلك).
٢- تدرَّب على عبارات متعددة وحولها إلى صور ذهنية مرئية في ذاكرتك، وتستطيع استدعاءها متى شئت، فالصورة مع الكلمات هي مزيج قوي لخلق رسالة إيجابية مرتبطة باعتقاد ما.
٣- اتقان الحضور. معناه الوعي للحظة الحالية (اجلس بمكان هادئ، أغمض عينيك ، تنفس بعمق لعدة مرات، ركز على تنفسك).
٤- انقل ما يدور بعقلك على الورق ( هذه الطريقة ترفع عنك الكثير من التشويش، وصراع الأفكار والكلام، ثم ارميها لتتخلص منها واقعاً وفي عقلك).
٥ -زاحم أفكارك بحديث ايجايي وتفاؤلي وواقعي ( تكلم مع عقلك فإذا سمعته يقول لك ويكرر أنت فاشل، رد عليه بصوت مسموع أنا ناجح، أنا متميز، سأنجح حتى لو أخفقت مرة، سأتعلم من خطئي).
٦- أحِط نفسك بأناس إبجابيين.
٧ -دوَّن تجاربك الناجحة أو ضع لها صورة أو علامات لتكون حافزاً لك في تجاربك القادمة.
٨_ عود نفسك على رؤية ماهو ايجابي دائماً ضمن محيطك.
الامتنان وعلاقته بالتفكير الإيجابي :
الامتنان هو مقدرة الشخص أن يكون شاكراً ويظهر الفضل للإنسان وللأشياء من حوله، و لله رب العالمين ـ قبل كل ذلك ـ، ومن منظور علمي ، إنَّ الامتنان ليس مجرد فعل بل هو الشعور بعاطفة إيجابية تؤثر بغرض بيولوجي، ووفقاً لتعريف علم النفس الإيجابي يُعرَّف الامتنان بطريقة علمية حيث يمكن للعلماء قياس آثار الامتنان، وماله من نتائج إيجابية يشعر بها الفرد تدوم أكثر بوقت يمكن قياسه عن مجرد الشكر فقط، والشعور بالامتنان يؤثر في الحالة النفسية بشكل ايجابي كبير .
فمن مميزات التفكير الايجابي والداعم له، هو التقبُّل والرضا ومن ثُمَّ الامتنان، فالشخص الايجابي يحدِّث نفسه بالامتنان بإستمرار لكل نعمة موجودة في حياته مهما كانت صغيرة أو قليلة الأهمية، يستشعرها ولايتوقف عن الشكر والحمد لله عليها، ومن ميزاته أيضاً التركيز على الأشياء الجيدة وتجاهل ماهو سيء.
وقد لاحظ بعض العلماء انخفاضاً ملحوظاً بهرمون الكورتيزول بنسبة ٢٣٪ وهو الهرمون المسؤول عن الإجهاد، و لاحظوا أنَّ حوالي ٨٠٪ من المشاركين أصبح معدل ضربات القلب لديهم أكثر اتزاناً وانضباطاً، وهذا يعتبر دليلاً على انخفاض مستوى التوتر لدى المشتركين، فالأشخاص الذين يتبنون الامتنان في حياتهم يعيشون بشكل أفضل ويواجهون مستوى أقل من هرمون الإجهاد ، ويعيشون بشعور من الرضا عن جودة حياتهم .
وقد حثنا أهل البيت عليهم السلام على الشكر والامتنان لما له من آثار تعود بالفائدة على من قام به وجَعَلَه عادة وملكة،
حيث جاء عن أبي عبد الله، عليه السلام أنه قال : “اذا أصبحت وأمسيت فقل عشر مرات: اللهم ما أصبحت بي من نعمة أو عافية من دين و دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضا وبعد الرضا”.
والشكرُ نفسه نعمةٌ من الله تستحق الشكر، فقد روي عن الإمام الباقر، عليه السلام قوله: “قال الله عز وجل لموسى بن عمران، عليه السلام: يا موسى، أشكرني حق شكري ، قال: يارب كيف أشكرك حق شكرك والنعمة منك والشكر عليها نعمة منك؟ فقال الله تبارك وتعالى: إذا عرفت أن ذلك مني فقد شكرتني حق شكري”.
تمرين عملي لتعوُّد الامتنان :
١- سجل الأمور التي تشعر بالامتنان تجاهها.
٢- مارس الوعي التام فكلما زاد الوعي قلَّ التذمر.
٣- عامل الآخرين بلطفٍ كتعبيرٍ عن امتنانك تجاههم.
٤ -أرسل رسالة شكر إلى أحدهم .
٥- استخدم لغة إيجابية في حديثك مع نفسك ودون ذلك وعلِّقه وإقرأه كل ما احتجت لذلك أو مع الآخرين وأرسله لهم تعبيراً عن امتنانك لهم.
وأيَّاً تكن الأداة التي تستخدمها بغية تعزيز الشعور بالامتنان، فستجني حتماً فوائد هذا إذا لم ترَ العالم أكثر إشراقاً فحسب، بل وستعزز أيضاً صحتك العاطفية والنفسية والبدنية.