في الحقيقة الانتظار ليس كف النفس عن العمل من أجل الأمل والمستقبل، بل هو عمل حثيث وكد دؤوب وجهاد متواصل من اجل النفس والأهل والمجتمع، لتهيئة الجميع نفسيا وعمليا للحضور في رعاية تلك الدولة الربانية، والتي تمثل الجنة الموعودة في الدار الآخرة للمؤمنين، فالمنتظِر يعمل على أن يعيش في جنة العدل المنتظرة في قيادة راية العدل العالمي الإمام الحجة بن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء لنكون لأيقين من الدنيا لجنة الآخرة.
ولذا يجب على المنتظِر العمل لتحقيق الأمل ولا يجلس في بيته منزويا في صومعته وينتظر المخلص ليخلصه، او المصلح ليصلح شانه، بل يعبد الله كما امر ويصلح نفسه، وأهله ومجتمعه بجد واجتهاد، وكأن الإمام ينظر اليه وينتظر منه ومن الآخرين من أمثاله ـ المنتظرين ـ ليكونوا من أصحابه وخلّص انصاره ٣١٣، الذين ما إن تتم عدتهم في زمان حتى يظهر صاحبهم وسيدهم وقايدهم، كما تؤكد الروايات الشريفة فعلى المنتظر أن يسعى ليكون من هذه الثلة الطيبة الطاهرة التي ستتصدى لقيادة العالم في دولة العلم والعدل العالمية والكونية.
ولا يجب ان نقف عند الهزاهز والمشاكل والامتحانات الصعبة والكثيرة، فنقنط من رحمة الله فتلك هي الطامة الكبرى، إذ ان شدة الامتحان وصعوبة المواجهة يجب أن تشحذنا وتدفعنا للتمسك بالأمل الموعود لا العكس.
فالبلاء سنة الله في العباد وكلما حلك الليل واشتد السواد سيكون الفجر أجمل وضوء النهار اكمل والفرج أقرب من بياض العين إلى سوادها بإذن ألله ـ تعالى ـ، ولذا ورد عن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، قوله: “ابشركم بالمهدي يبعث على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض ويملأ قلوب أمة محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، غنى ويسعهم عدله حتى يأمرمنادياً فينادي فيقول: من له في مال حاجة.
فعن ابي سعيد الخدري في حديث جميل أن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم قال: “يخرج في آخر امتى المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الارض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمة”.
ويبشرنا الإمام الصادق، عليه السلام، بقوله: “طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره اولئك أولياء الله الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون فظلال وأوراق وثمار شجرة طوبى لكم أيها المنتظرون الصادقون الصابرون في دولة الباطل انتظارا لدولة الحق والعدل والشرف والكرامة”.
لان الانتظار يعني ترقب ظهور قيام الدولة القاهرة والسلطنة الظاهرة لمهدي ال محمد،عليهم السلام، وامتلاها قسطا وعدلا وانتصار الدين القويم على جميع الاديان كما أخبر به الله ـ تعالى ـ نبيه الأكرم ووعده بذلك بل بشر به جميع الأنبياء والأمم انه ياتي مثل هذا اليوم الذي لايعبد فيه غير الله ـ تعالى ـ ولا يبقى من الدين شيء مخفي وراء ستر وحجاب مخافة احد من الخلق.
فالانتظار يتضمن حالة قلبية وفكرة نوعية توجدها الأصول العقائدية الثابتة بشأن حتمية ظهور المهدي الموعود، وتحقق أهداف جميع الأنبياء ورسالاتهم وتحقيق آمال البشرية وطموحاتها، وتلك الحالة القلبية في الإنسان المنتظِر تؤدي إلى انبعاث حركة عملية تتمحور حول التحضير والتهيؤ والاستعداد للظهور المقدس المخلص وصاحبه الحجة، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه.