القرآن كتاب الله الرب العظيم المتعال العالم بحقائق الوجود والمُنزّل على نبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله، وهو نهج الهداية والسعادة والصلاح لكل البشر.
وهو يتوفر على كمٍّ هائل من المعارف والأسرار والمفاهيم والأبعاد ما يجعلنا نحتاج أن نبذل جهداً وبحثاً وطهارة في القلب لنحصل على المعاني والفوائد الكبيرة والواسعة منه.
فالفارق بين كلام الناس وكلام الله فارق عظيم؛ فالقرآن حق مطلق لا باطل ولا خطأ فيه من قريب أو بعيد، ويحتاج منا الى مفاتيح سليمة للوصول الى فهم معانيه ومقاصده.
وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله: “فضل القرآن على سائر الكلام، كفضل الله على خلقه”، وهو حديث يدلنا على منزلة القرآن ومحتواه وفضله العظيم الذي لا حدود له كفضل الله الذي لا حدود له.
وهنا محاولة لوضع أهم مفاتيح التعامل مع كتاب الله الجليل:
أولاُ: إن إشعال نور القرآن لا يتأتى إلا بمفتاحَي الوحي والعقل
فبالوحي (عبر سنة النبي وأهل بيته) نعرف الطريق السليم في فهمنا للقرآن؛ إذ أن الوحي يصحح بوصلة تفكيرنا ويرشدنا للحق، فلا نضل ولا نضيع.
وبالعقل نستطيع أن ننطلق في الطريق السليم ذاته، إذ لا يكفي معرفة المسار الصحيح، بل لا بد من المضي والاستمرار فيه، والاستفادة من الخيرات الموجودة فيه. وفي الحديث عن الإمام زين العابدين(ع): “آيات القرآن خزائن العلم، وكلما فتحت خزانة فينبغي لك أن تنظر ما فيها”. (بحار الأنوار: ج٩٢ /ص ٢١١ /ح٤).، وهو حديث يجمع بين الوحي والعقل وأن الاستفادة من كتاب الله يكون أولاً عبر آلية التفكير والتدبّر في آيات الله وربطها بواقع الحياة، وثانياً عبر العمل بما تقتضيه تلك الآيات بوعي مركّز وسليم.
ثانياً: مرجعية القرآن بمرجعية الرسول وأهل بيته.
حتى نفهم القرآن، علينا أن نقرأ الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعامة بشكلها العام أو التفصيلي، في ماضيها وحاضرها بنور القرآن، وبنور أحاديث وسيرة النبي الكريم وآله الهداة.
فبهذين النورين والثقلين نستكشف تفسير وحقيقة كل ما جري ويجري في الحياة العامة، ومن ثم نستمد من نور الثقلين، التوجيه السليم والهداية الربانية في التعامل مع عموم وتفاصيل الحياة.
إن إشعال نور القرآن لا يتأتى إلا بمفتاحَي الوحي والعقل، فبالوحي (عبر سنة النبي وأهل بيته) نعرف الطريق السليم في فهمنا للقرآن؛ إذ أن الوحي يصحح بوصلة تفكيرنا ويرشدنا للحق، فلا نضل ولا نضيع
والدليل على ضرورة النظر لقضايا الحياة بهدى نور الكتاب والرسول وعترته هو قول الله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} سورة النحل ٦٤).)
فأوضحت الآية الكريمة مرجعية القرآن من جهة ومرجعية الرسول ومن يلي دوره في تبيين وتوضيح توجيهات القرآن للأمة وحسم أية اختلافات تطرأ لدى الناس، بل من هذه الآية المباركة نستمد عقلاً، ضرورة وجود مَن يُكمل مسئولية النبي صلى الله عليه وآله؛ فالاختلافات لا تتوقف في أية أمة بل هي من طبيعة الوجود البشري، ولأن وظيفة القرآن في حسم الخلافات الناشئة وسط الأمة في غاية الأهمية وليست مختصرة على زمن النبي فقط، إذ أن القرآن لكل الأجيال، فلابد من وجود من يُكمل هذه المسئولية الهامة وهم أئمة أهل البيت عليهم السلام.
والدليل الآخر هو حديث الثقلين المشهور، حيث أوضح الرسول صلى الله عليه وآله، مرجعية القرآن وعترته من بعده في حفظ مسارات الأمة من الارتكاس الى الضلال، بقوله: “إني تارك فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهلي بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض”.
ثالثاً: ربط القرآن بالواقع.
استفاضت آيات عديدة في أن ما يجري على الواقع الخارجي مرصود ومكشوف عنه في القرآن، وما على المؤمنين سوى الربط بين الأمرين، وتصحيح الحياة الفردية والاجتماعية بما يؤدي إلى النتائج السليمة الإيجابية بعيداً عن الهلاك والدمار، فكتاب الله تعالى فيه ذكرٌ لحركة وسلوك البشر بأنواعهم المتعددة، والإرشاد السليم لتلك الحركة وذلك السلوك، قال ـ تعالى ـ: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. (سورة الأنبياء ١٠).
وقد قال الإمام علي عليه السلام: “ذلك القرآن فاستنطقوه، ولن ينطق، ولكن أخبركم عنه. ألا أن فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم أمركم”. (نهج البلاغة- الخطبة ١٥٨).
وفي الحديث عن الإمام محمد الباقر عليه السلام” :بطن القرآن تأويله، منه ما قد مضى ومنه ما لم يَجِئْ، يجري كما تجري الشمس والقمر، كلما جاء تأويل شيء يكون على الأموات كما يكون على الأحياء، ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء، ولكن القرآن يجري أوله على آخره، ما دامت السموات والأرض، ولكل قوم آية يتلونها هم منها من خير أو شر”. (تفسير البرهان ج١ ص ١٩ -٢٠ ).
وفي حديث آخر قال أيضاً: “القرآن حي لا يموت، والآية حيّة، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين”. بحار الأنوار – ج ٣٥ – الصفحة ٤٠٣.
وقال الإمام الصادق عليه السلام: “إن القرآن حي لم يمت، وإنه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما يجري الشمس والقمر”. (بحار الأنوار – ج ٣٥ – الصفحة ٤٠٤).
وتفيدنا هذه الأحاديث الشريفة، أن لكل آية تتعلق بقضايا السلوكيات البشرية مصاديقها وترجمتها الفعلية في كل عصر ومكان، وهذا التوجيه يرد على من يريد حصر القرآن فقط في أسباب التنزيل.
فسلوكيات الأقوام السابقة أو في زمن الرسول صلى الله عليه وآله قد تتكرر في هذا الفرد أو مجموعة من الناس في كل زمن.
وهنا نصل الى نتيجة إن القرآن كتاب حيٌ يتكلم عن واقع الحياة في كل عصر، ويمنح الهداية الربانية في كل مسارات الحياتية كما في قوله ـ تعالى ـ: {قَدْ جَاءكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. (سورة المائدة ١٥).
ينبغي أن نتعامل مع مفردات القرآن وآياته من خلال التأمل في الواقع، وهذا يفيدنا في تحوّل القرآن الى هادي عملي لحياتنا العامة
فينبغي أن نتعامل مع مفردات القرآن وآياته من خلال التأمل في الواقع، وهذا يفيدنا في تحوّل القرآن الى هادي عملي لحياتنا العامة، فإن شاهدنا مَنْ تنطبق عليه آية معينة انطباقاً تاماً فهو من مصاديق تلك الآية.
فحين تتحدث عدد من الآيات عن صفات المؤمن وشاهدنا رجلاً يحمل ذات الصفات، فإن الآية تعنيه بالدرجة الأولى وهو من مصاديقها. وحين تتحدث آيات عن سلوك الكفار المعادين فإن علينا أن نرى مصاديقها في الجهات التي لا تؤمن بالإسلام وتمارس العداء للمسلمين.
وقال بعض العلماء: لله كتابان، كتاب مقروء وكتاب منظور، والقرآن هو كتاب الله المقروء، والواقع الخارجي كوناً كان أو طبيعة أو حياة إجتماعية هو كتاب الله المنظور.
رابعاً: القرآن الكريم كتاب هداية
كتاب الله له وظائف عدة، في مقدمتها وأساسها أن يهدي الناس الى الصراط المستقيم. والهدى الرباني ضرورة لحياتنا كي لا نضل ونكون في ظل رضا الله ورحمته، وهو ضرورة لنهوضنا في الحياة الدنيا والوصول الى مراتب متقدمة في الحياة ووفق سنن الله التي وضعها في كتابه الكريم.
فالهداية هو هدف رئيسي للقرآن: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.(الأعراف: 52).
- الهدى القرآني نوعان
1- التعريف بالطريق الصحيح، لهداية الناس، كما في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
2- الإضاءة المستمرة في ذات الطريق الصحيح كما في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، فالمسلم الذي استقام على طريق الهداية يدعو الله أن يديم عليه الهداية المستمرة في كل صلاة،
فهناك تطورات الحياة وتقلباتها، والتي تحتاج الى ثبات الإيمان وسلامة الموقف الذي يكون في رضا الله.
وكلا الهدايتين مهمتان، فالأولى ابتدائية والثانية استمرارية متقدمة، وكلتاهما ترتبطان أشد الارتباط بالطريق المستقيم والاستمرار فيه في هذه الحياة.