الباب الثاني من هذا الكتاب يخصصه سماحة الشيخ محمد سعيد المخزومي لمسألة الزيارة، وهي من الامور التي لا يماري عالم ومُنصف في آثارها على الانسان الفرد والمجتمع، في الجوانب النفسية، والعقدية، والأخلاقية كونها تمثل صلة الوصل الوحيدة والدائمية بين المؤمنين وشخص الإمام الحسين، وايضاً أخيه أبي الفضل العباس، والابناء والأصحاب الراقدين في ثرى كربلاء المقدسة.
وبما أن الزيارة من حيث المفهوم تمثل عملاً انسانياً، يدخل ضمن مفردات الأخلاق والآداب، فان المؤلف يرمي من تسليط الضوء على الزيارة لصقل “المعرفة الحسينية” مع استجلاء الدوافع، فثمة من يزور متحدياً الصعاب والعقبات، ومنهم من يزور لطلب العافية والشفاء وقضاء الحوائج المستعصية، كما هناك من يجد في مرقد الإمام الحسين خير بقعة للتعبّد والتهجّد والتقرّب الى الله ـ تعالى- علماً أن الجميع يلتقون في هدف واحد، وهو؛ ضريح الإمام الحسين، إنما المهم هنا؛ معرفة “ضرورة بيان معنى زيارة الإمام، وما يلزم على الزائر، وما يترتب له وعليه قبل، وبعد، واثناء زيارته السبط الشهيد”.
هذا الباب تضمن عدة فصول تحدثت عن معاني الزيارة، وعظمتها، وفضلها في الظروف القاسية، والكرامات عند الله لزواره، وايضاً؛ آداب الزيارة وما يتوجب على الزائر فعله.
من معاني زيارة الإمام الحسين، عليه السلام، “أنها رد بعض فضله علينا، فنحن لسنا متفضلين على الإمام الحسين بزيارتنا له، لأنه هو صاحب الفضل علينا جميعاً، حيث ضحى بنفسه من أجل بقاء الدين حيّاً كي نهتدي به”.
كما يسلط الشيخ المؤلف على مسألة معرفة الإمام الحيسن، ومستوياتها الرفيعة وهي؛ الله ـ تعالى- ثم رسوله الكريم، ومن بعده؛ الأئمة المعصومين، عليهم السلام، فهم ـ حسب المراتب- هو الأعرف بحقيقة الإمام الحسين.
يكفي ان نعرف الهيأة الظاهرية المطلوبة منّا، بمراجعة الروايات عن الإمام الصادق، عليه السلام، الذي نهى عن اتخاذ زيارة الإمام الحسين، مكاناً للترفيه والتبضّع وتناول الأطعمة، فقال في حديث له مع أحد الشيعة: “أما أنهم لو زاروا قبور آبائهم ما فعلوا ذلك”
وقد ذهب البعض من اصحاب الفكر والثقافة في الوقت الحاضر الى امكانية التوصل الى حقيقة الإمام الحسين والتعرّف عليه عبر تصوراتهم الذهنية، وقناعاتهم الخاصة، وما توصلوا اليه من خلال تجارب حياتهم، ولذا نجد الإمام الحسين لدى هذا البعض رمزاً لتوجهه الفكري، فيما اتخذه الآخر مرآة لشخصيته يرى فيها صورته مهما كانت، بدعوى أن “الحسين للجميع”، وانه ليس محدوداً بأطر معينة! ثم بلغ الأمر في الابتعاد عن الحقيقة لأن تكون مدينته ـ كربلاء المقدسة- مكاناً يرتع فيه مختلف اشكال الناس، بما لهم من أذواق وأفكار وقناعات، وإن كانت تتناقض من حيث الجوهر مع المبادئ التي ضحى من أجلها الإمام الحسين، عليه السلام، على أن “كربلاء للجميع”!
ومما يعزز معرفة الزائر بحقيقة الإمام الحسين، ومكانته، معرفة عظمة هذه الزيارة التي يقصدها الزائرون من شتى أنحاء العالم، فهي من عظمة شخصية الإمام الحسين الذي تولّى الله ـ تعالى- في عرشه تكريمه وتعظيمه لما قدمه من تضحيات استثنائية لم يسبقه أحد من قبله ولا من بعده.
وفي هذا الفصل يبين سماحة الشيخ المؤلف “حجم التردي الذي أصاب الامة، والتحريف الذي وقع على المسلمين، والإنحراف الذي أصاب عقول المنتسبين الى سنّة رسول الله، عندما يرفع رأس الإمام الحسين مع هتافات التكبير والشكر لله على “ذبح حجة الله، ابن بنت رسول الله”!
كما يبين سماحته عظمة التضحية من عظمة الإمام الحسين وهي “دلالة كبيرة على أن الله ـ تعالى- سيكون هو الذي يتولى مجازاة علو مقام الإمام الشهيد، والكفيل بمقابلة تلك التضحيات من كرم خالق السماوات والارضين بما لا يستوعبه فكر انسان، ويحول دون فهم أئمة الكفر والطغيان”.
وبهذه الصلة الاستثنائية الخاصة بين الإمام الحسين والله ـ تبارك وتعالى- تكون الزيارة حلقة الوصل الى الله ـ تعالى- مباشرة، وهو ما أكدته الروايات بأن “من زار قبر ابي عبد الله بشط الفرات كان كمن زار الله فوق عرشه”، الإمام الرضا، عليه السلام.
وتبعاً لهذه المرتبة السامية من العلاقة، فان ملائكة السماء، ثم انبياء الله، وفي مقدمتهم؛ خاتم الانبياء، نبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله، والأئمة المعصومين من بعده، كلهم يزورون الإمام الحسين في مناسبات عديدة.
ثم يعرّج سماحته المؤلف الى توضيح مسألة عقدية تثار لدى البعض بكيفية زيارة الله ـ تعالى- للإمام الحسين، وهو ليس بجسم ولا كيان محدود، ويوضح في جملة نقاط منها: “كناية عن إنزال رحماته الخاصة وألطافه المتميزة عليه وعلى زائريه، بمعنى أن زيارة الله ـ تعالى- من باب التفضيل للإمام ولزيارته ولزائريه، وليست هي زيارة جسمية كما يحلو للمشكك التبجح به”.
ومن يوفق لقراءة هذا الفصل الخاص بعظمة زيارة الإمام الحسين، عليه السلام، تتجلى امامه حقيقة عبودية الإمام الحسين، وقيمة هذه العبودية عند الله ـ تعالى- بما ليست لغيره، ومن ثمّ فان زيارة الإمام الحسين، تمثل فناراً لمن يخشى الشرك بالله، ويريد الهداية الى التوحيد الحقيقي، لا التوحيد اللفظي والسطحي الذي يتبجح به البعض في البلاد الاسلامية، فيما هم غرقى في الشرك والكفر بالله ـ تعالى-.
وفي الفصل الخاص بآداب الزائر والزيارة يكون سماحة المؤلف قد سلّط الضوء مسألة ابتلائية مثار حديث الناس على طول الخط، فهي ذات مصاديق عملية عديدة، وتتعلق بالأخلاق العامة والسلوك الفردي، والثقافة الاجتماعية، والقيم الحاكمة، وموازين الاعمال والتصرفات بين الصح والخطأ.
فعندما نعرف من هو الإمام الحسين، عليه السلام، وما الذي قام به، ولماذا استشهد وأريق دمه، وما هي منزلته ومكانته في الاسلام، وعند الله ـ تعالى-، علينا أن نعرف في الوقت نفسه كيفية زيارته بما يتناسب مع هذه المعرفة، حتى تكون هذه الزيارة مميزة عن أية زيارة اخرى يقوم بها أي انسان في حياته.
سماحة الشيخ المؤلف يفصّل في آداب الزيارة وقواعدها، ويبدأ بكيفية التلفظ باسم الإمام الحسين، عليه السلام، وهل يذكره كذكره لصديق له في الشارع؟!
عضّد سماحته هذه القواعد والآداب بروايات عن المعصومين، لاسيما الإمام الصادق، عليه السلام، الذي نقلت عنه الروايات الكثير حول زيارة الإمام الحسين، وكيفيتها والتأكيد الشديد على أدائها، فقال في جواب أحد المؤمنين بأن “جعلت فداك إني كثيرا ما أذكر الحسين، عليه السلام، فأي شيء أقول؟ قال: قُل: صلى الله عليك يا أبا عبدالله، تعيد ذلك ثلاثاً فإن السلام يصل اليه من قريب ومن بعيد”.
كما يدعو المؤلف الى معرفة الأرض التي يطأها الزائر حتى يصل الى مرقد الإمام الحسين، عليه السلام، وأنها مضمخة بالدماء والأشلاء، وليست من المناطق الأثرية والسياحية، وربما تكون مساحة المعركة والاحداث الدموية التي وقعت آنذاك على مسافة بعيدة جداً عن المرقد، تشمل مناطق مختلفة نراها اليوم، وقد شهدت الارض سقوط الشهداء واراقة دماء الأعزاء من أهل بيت رسول الله، واصحاب الإمام الحسين.
كما أن الغاية من الزيارة ذات مدخلية في نجاح الزيارة كما ارادها الله ـ تعالى- ورسوله وأهل البيت، وترتيب آثارها على حياة الانسان، وفي مقدمة الغايات؛ “التقرّب الى الله ـ تعالى- والصلة لرسوله والأئمة من أهل بيته، ثم تجديد العهد مع الإمام الذي يقف المؤمن زائراً بين يديه”.
بما أن الزيارة من حيث المفهوم تمثل عملاً انسانياً، يدخل ضمن مفردات الأخلاق والآداب، فان المؤلف يرمي من تسليط الضوء على الزيارة لصقل “المعرفة الحسينية” مع استجلاء الدوافع، فثمة من يزور متحدياً الصعاب والعقبات، ومنهم من يزور لطلب العافية والشفاء وقضاء الحوائج المستعصية..
أما الهيئة التي يجب ان يكون عليها الزائر، فهي تمثل الحلقة المكملة لآداب الزيارة، لان فيها مظهر الزائر وسلوكه وحركاته وهو متوجه الى مرقد الإمام الحسين، عليه السلام، “فيجب ان يكون على حال من الخشوع والخضوع والتوجه الى الله ـ تعالى-، واستشعار نفسه وما يحيط به من مشهد الحسين الشهيد والملائكة المحيطة بقبره”.
يكفي ان نعرف الهيأة الظاهرية المطلوبة منّا، بمراجعة الروايات عن الإمام الصادق، عليه السلام، الذي نهى عن اتخاذ زيارة الإمام الحسين، مكاناً للترفيه والتبضّع وتناول الأطعمة، فقال في حديث له مع أحد الشيعة: “أما أنهم لو زاروا قبور آبائهم ما فعلوا ذلك”.
بعد هذه الإطلالة من الباب الثاني المتعلق بزيارة الإمام الحسين، عليه السلام، و دور هذه الزيارة في التعرف على مسؤولية الأمة إزاء الإمام الحسين، وتضحياته، بقي الباب الثالث نتناولة في القسم الثالث من هذا العرض لكتاب الإمام الحسين، مسؤولية الأمة، لنعرف “مسؤولية الأمة في دم الإمام الحسين”.