بديهياً أن الإنسان عندما يتقدم به العمر يتوقف لديه النمو في المجالين الجسماني والنفسي، فيأخذ قالباً ثابتاً أو ينحدر نحو الاسوأ في اغلب الحالات، فصعوبة تأقلم الإنسان في هذه المرحلة مع أمراض الشيخوخة والامراض المزمنة وحالات الضعف والاحتياج إلى مساعدة الغير، وفي مثل هذه الحالات يكون للدين والحياة الروحانية دور كبير من حيث تدعيم الصحة النفسية وتنميتها، ليس هذا فحسب؛ بل إن الإنسان معرض للاعتلال النفسي في جميع مراحل حياته واغلب هذه الاعتلال سببها غياب الدين عنا، فالأخرى بنا التمسك بديننا القويم لتفادي هذه الخسائر النفسية الوخيمة.
أجرى مختصون في علم النفس دراسة حول تأثير الدين على الصحة النفسية للانسان، فوجدوا أن امراض هذه المراحل تأثر سلباً على السلامة النفسية بشكل عام وبدرجة عالية، ووجدوا من خلال الدراسة أن التدين والسلوكيات الروحانية التي يسلكها الإنسان لها تأثير ايجابياً كبيراً، حيث أنها تعمل على ازالة السلبيات والأمراض والارهاق النفسي الذي يتعب الإنسان ويرهق قواه النفسية.
إن الذين يتصفون بالتدين أو هم على مستوى عالٍ من التدين؛ بمعنى المواظبين على اداء العبادات وقراءة المتون المقدسة يكونون بالمقارنة مع قليلي التدين في وضع نفسي أحسن
كما أن الدين له سطوة قوية في تحكم الإنسان ببيئته وتطويره الذاتي وإنشائه علاقات إيجابية متزنة مع الآخرين، في حين أن تأثيره على التقبل الذاتي يبدو جلياً على الإنسان المتدين بصورة فعالة بالمقارنة بأقرانه غير المتدينين، وللدين أثر في إضفاء المعنى على الحياة.
إن الذين يتصفون بالتدين أو هم على مستوى عالٍ من التدين؛ بمعنى المواظبين على اداء العبادات وقراءة المتون المقدسة يكونون بالمقارنة مع قليلي التدين في وضع نفسي أحسن، ومطمئنين في حياتهم، ومتفائلين في تفكيرهم بالإضافة إلى أنهم أقل تعرضا للضغوط النفسية والاكتئاب والقلق، وأقوى على مقاومة الضغوط النفسية وأقل محاولة للانتحار أو جلد الذات وتأنبيها.
وتأثير الدين على الصحة النفسية للانسان تتجلى في عدة محاور أهمها:
أولاً: الدين والاكتئاب
مثل ما يعلم الكثير منا إن لم يكن الجميع أن الامراض النفسية كثيرة وعلى رأس هذه الامراض هو الاكتئاب فهو يهدد صحة الإنسان، ويُعد احد آفات العصر لإصابة ما يقرب 100 مليون انساناً به، واكثر الاصابات به بين صفوف المسنين فنسبة المسنين الذين يعانون من هذا المرض وإن كان قليلاً مقارنة بمجموع الفئات العمرية، إلا أنه إذا قورن بالمسنين الذين يتلقون العلاج في المستشفيات ترتفع النسبة إلى خمسة وثلاثين بالمئة.
العلاقة بين الدين والانتحار ذات تناسباً عكسياً فكلما تمتع الفرد بمستوى جيد من التدين كلما ابتعد عن الكثير من السلوكيات المحرمة؛ ومنها الانتحار
وهنا يأتي دور الدين في تقويض مساحة الاكتئاب أو تغيبه كاملاً عبر الجماعية التي يمارسها أبناء الدين الواحد مثل الدعاء، وصلاة الجماعة وشتى ضروب العبادة، وتلك الجماعية هي التي ترفع الطاقة المعنوية لإفراد الجماعة المكتئبين، وبذا تغادرهم المشاعر السلبية والاحساس بالعزلة سيما إذا ما اتفقنا أن من أسباب الاكتئاب الشعور بالوحدة والانعزال عن المجتمع والأفراد، وضعف الروابط أو انعدامها بصورة كاملة.
ثانياً: الدين والقلق
في هذا السياق اُجريت العديد من الدراسات النفسية لبيان العلاقة بين الدين والقلق، اسفرت نتائجها عن وجود القلق بنسبة منخفضة لدى المتدينين بالمقارنة بمن يقل لديهم الدين أو ينعدم، وانخفاض القلق انما يأتي من الايمان بأن الله موجود في كل شاردة وواردة وهو الذي يسير الامور بحسب مصلحة البشر، ولا يدانيه احد في تقدير الصالح في مكانه وزمانه، وبذا لم يبقَ مكان للقلق في نفوس من تدين وآمن بالله مما يعزز الصحة النفسية لدى الإنسان وبالتالي يعيش امناً نفسياً.
ثالثاً: الخوف من الفناء
من اكثر انواع الخوف لدى الكثير من الناس وبكافة الاعمار هو الخوف من الموت، فالموت ذلك الزائر الثقيل ـ كما يسمى ـ اصبح مصدر قلق وازعاج وهلع في نفوس البشر، ويتوقف مقدار الخوف من الموت على عوامل عدة منها: مستوى التدين والإيمان بالآخرة، وكم الزاد الذي يدخره الفرد لنفسه، فالذين يعدون عدتهم بصورة سليمة لا يخشون الموت ولا يفرون منه لأنهم على يقين بأنه ملاقيهم وهم في صورة حسنة وهنا يكون الدين دفاعاً أو وسيلة لأن يكون الأفراد في وضع أفضل من حيث الصحة النفسية.
رابعاً: الدين والانتحار
الانتحار في عصرنا صار ظاهرة وفي جميع المجتمعات وعلى اختلاف مشاربها وتوجهاتها، والعلاقة بين الدين والانتحار ذات تناسباً عكسياً فكلما تمتع الفرد بمستوى جيد من التدين كلما ابتعد عن الكثير من السلوكيات المحرمة؛ ومنها الانتحار، فالإسلام يحرم الانتحار تحريما قطعيا كما أن الديانات الأخرى لا تجيزه مطلقاً.
خامساً: الدين والتفاؤل
توجد علاقة وثيقة جداً بين المشاركة في العبادات وبين الرضا عن الحياة وتقبلها والعيش فيها باطمئنان، كما أن الدين يلعب دوراً ايجابياً من حيث جعل الإنسان متفهماً للحياة وقانعاً لما يحصد فيها، تلك هي أبرز الآثار الإيجابية التي يتركها الدين على الإنسان والتي تجعل منه صحيح نفسياً وذلك هو المبتغى.