مجلس الوزراء العراقي، الذي جاء بصورة (طارئة) من أجل مهام “إستثنائية” يضع ملامح المشروع الكبير الذي يراد من العراق، فبصورة إعجاز تم التصويت على المحكمة الإتحادية وتم استبعاد فقهاء الشريعة قسراً، خلافاً للدستور، الأمر الذي كان السبب في تأخير التصويت على المحكمة لـ15 عاماً.
وبتأييد تيار سياسي شيعي مسيطر على البنك المركزي وبعض الأحزاب والتيارات المشاركة يتم التصويت على موازنة انهاك المواطن، بتغيير سعر الصرف ورفع أجور الخدمات الحكومية وفرض الضرائب ووضع سياسة مالية لبلد أنهكته الديون في فترة الحكومة المؤقتة!!
وتستمر العجلة بالدوران وبصورة سريعة جداً من أجل تشريع بعض القوانين، نظراً لضعف القوى الإسلامية بشكل عام والشيعية منها على وجه الخصوص، فبعد فشلهم في تشريع قانون العنف الأسري يتقدم رئيس الجمهورية بمشروع قانون العقوبات الجديد والذي هو تغطية جديدة لتمرير فقرات قانون العنف الأسري.
وأخيراً قيام مجلس الوزراء بالتصويت على قانون خدمة العلم وإرساله إلى البرلمان وسط تطبيل إعلامي كبير لهذا المشروع.
كنت ومنذ فترة ليست بالقليلة أنظر إلى المؤسسات التربوية والتعليمية في العراق وكيف أنها أصبحت محرقة لشبابنا وازدادت هذه القناعة بعد رفع إعلان نقابة المعلمين اضرابها عن العمل (التعليم والتدريس) في ظل شعار “ماكو وطن وماكو دوام”، وعطلت المدارس لفترة نصف عام، وبعد ذلك قيام وزارة التربية بتعطيل الدوام عام ونصف العام بذريعة فايروس كورونا، وطوال هذه الفترة أنتظر المرحلة التالية من هذا المشروع، فماذا بعد تدمير الشباب؟
وتأتي اليوم الحكومة العراقية “المؤقتة” لتضع ملامح المستقبل المطلوب لهؤلاء الشباب، وهو تحضيرهم لخوض الحروب! عبر قانون التجنيد الإجباري.
العجيب في الأمر أن الدواعي التي ذكروها لقانون التجنيد تكشف عن العقلية العسكرية التي تحكم المشرعين للقانون، فمن دواعي التشريع هو رفد المؤسسة الأمنية بالدماء الجديدة، وهل علم هؤلاء أن المؤسسة الأمنية في العراقي هي الأضخم في المنطقة، فبحسب الإحصاءات فإن من بين كل 38 شخص في العراق، شخص واحد يعمل موظفاً لدى مؤسسة امنية!!
كما أن من الدواعي التي ذكرت انتشال الشباب من الميوعة والتوجه نحو المخدرات والانجراف خلف الجريمة، فهل يمكن للمؤسسة الأمنية اصلاح ما افسدته المؤسسات التربوية؟!
لنتحدث أولا عن المسؤول عن هذه الميوعة، ولماذا ينجرف الشباب نحو الجريمة واللاأخلاقيات؟ اليس المسؤول هو من ضيع هذه الأجيال بمؤسسات تربوية وتعليمية فاشلة؟!
من الذي سلب المعلم دوره التربوي؟ ومن الذي وضع المناهج غير الملائمة والمواكبة للحاجة؟
أليس المسؤول هي المؤسسات الثقافية والإعلامية الحكومية؟ فمن الذي فتح المجال على مصراعيه للإنترنت وللقنوات الفاسدة والمروجة للميوعة والفساد؟ اليست الحكومة هي من تستقبل “التافهين” من المشاهير في الانترنت وتعطي لهم القيمة في الوقت الذي ضيعت المثقفين والعلماء والادباء؟!
أليس المسؤول عن الواقع الشبابي هي وزارة الصناعة والدوائر المعنية بالاستثمار التي عطلت عجلة الصناعة في البلد وضيعت الشباب في “المقاهي” وعلى “أرصفة” الشوارع؟ فلماذا يتوجّه الشاب نحو الجريمة أو المخدرات، أليست البطالة هي من أهم أسباب ذلك؟
هل يعلم مجلس الوزراء الذي قدم مشروع هذا القانون، أنه لو فتح باب التطوع للمؤسسات الأمنية اليوم سيجد زخماً غير مسبوقا من قبل الشباب للإلتحاق بالجيش والشرطة هرباً من البطالة؟ فما الحاجة إلى القانون؟ أم أنهم يبحثون عن “عمّال” سخرة بالمجان، لزيادة الحمايات والتشريفات؟!
وبعد كل ذلك ترى هل يمكن للمؤسسة الأمنية التي تعاني هي الأخرى من مشاكل ليست بالقليلة وخصوصاً الأخلاقية منها، هل يمكنها أن تكون مصلحةً لكل هذا الفساد المتدفق والمستمر؟