فکر و تنمیة

المساحة الشخصية.. كيف نحافظ عليها؟

لا تقترب حد الاحتراق ولاتبتعد حد الافتراق؛ عادة في القوانين المرورية لابدّ من ترك مسافة بين سيارة وأخرى.

الله ـ عزوجل ـ جعل مسافات محددة بين الكواكب والافلاك لتسير بطريقها ومسارها المحدد لها، وهكذا العلاقات بين الناس لابدَّ أن تحكمها قوانين تنظِّم المسافات بينها، لتجنب حصول حوادث أو مشاكل تؤدي في النهاية إلى فشل هذه العلاقات.

متى ستتزوج؟

لابد أن تنجب طفلاً؟

ماذا كنت تقول لفلان؟

ماهذا الشيء الذي في حقيبتك؟

وغيرها من التدخلات والأسئلة.. كلها تعتبر اختراق للمساحة الشخصية

ترى مامعنى المساحة الشخصية؟!

 ولماذا نحتاج للتعرف عليها؟؟

 وكيف نحددها؟

 وهل لها اقسام؟

المساحة الشخصية:

هي منطقة اعتبارية تحيط بالشخص، ويعتبرها ملكاً له من الناحية النفسية وكأنها فقاعة غير مرئية تحيط بالإنسان، يسمح لمن يرتاح له أو تربطه به صلة حميمة بالإقتراب منها أو دخولها، ويشعر بالغضب وعدم الارتياح اذا تخطَّاها من لا تربطه به صلة، وهي تعتبر كدرع واقٍ يحمي الشخص من التوتر والضغوط المحتملة عند اقتراب الأشخاص من بعضهم البعض.

تحديد المساحة الشخصية يسمح للآخرين بالتعبير عن أفكارهم وآرائهم بحرية، كما ويشعرهم بالاحترام لما لديهم من قيم ومعارف ومبادئ وأولويات: الحب، الجمال، التقدير، الحرية،…، كما ويعرِّف الآخرين حدودك الشخصية الخاصة بك

والمساحة الشخصية لاتتعلق فقد بالبعد المكاني بل تتعدى ذلك لتكون حدوداً نفسية: كأغضبُ اذا فعلتَ كذا، هذا النوع من الكلام يؤذيني ولا أحبُ سماعه، تصرفكَ هذا يزعجُني، أنزعجُ إذا نظرتَ للهاتف وأنت تتحدث معي.

وتحديد المساحة الشخصية يسمح للآخرين بالتعبير عن أفكارهم وآرائهم بحرية، كما ويشعرهم بالاحترام لما لديهم من قيم ومعارف ومبادئ وأولويات: الحب، الجمال، التقدير، الحرية،…، كما ويعرِّف الآخرين حدودك الشخصية الخاصة بك.

العوامل المؤثرة في حجم المساحة الشخصية

س/ هل المساحات الشخصية واحدة أم تختلف؟

 إنَّ المساحة الشخصية تختلف بين بلد وآخر، وبين شخص وآخر وذلك بحسب عدة عوامل :

  1. المدن المكتظة بالسكان تكون المساحات الشخصية فيها ضيقة، أما المدن الكبيرة فهي تسمح لتوسع المساحات الشخصية اختلاف الجنس رجل وامرأة أو رجلين أو إمرأتين.
  2. المستوى الثقافي؛ فكلما زاد مستوى الثقافة والوعي زاد احترام الشخص للمساحة الشخصية لغيره.
  3. طبيعة الشخصية: انطوائية أو منفتحة.
  4. المستوى الديني فلكل دين ومذهب قوانينه وتشريعاته التي يحددها بحسب رؤيته.

كلها عوامل لها دور في تحديد المساحات الشخصية هذا من جانب، ومن جانب آخر ترتبط المساحة الشخصية بمدى تطور العلاقة بين الأشخاص وهي على عدة تقسيمات :

  1.  المساحة الحميمية :وهذه تختص بأقرب الأقربين، الزوج والزوجة، وبعض الأرحام  وبعض الأصدقاء وأحياناً الحيوانات الأليفة..، وكل من ترتاح معهم وتسمح لهم بالجلوس بالقرب منك ولمسك واحتضانك.
  2. المساحة الشخصية : وفيها أرحام الأرحام، الأصدقاء، الجيران وما أشبه.
  3. المساحة الاجتماعية : تشمل الزملاء في العمل، أو الدراسة والأصدقاء الحديثين، وجميع من نتواصل معهم على الصعيد الاجتماعي .
  4. المساحة العامة: فيها من نراهم في الطريق، أو في المحافل والأماكن العامة كمحلات التسوق، أو من تلقي لهم محاضرة، و بإختصار الغرباء .

القواعد العامة لاحترام المساحة الشخصية

1- تجنب التلامس الجسدي للأشخاص الذين لا تعرفهم أو لا تربطك فيهم صلة، وقد وضع اسلامنا الحنيف قواعد فقسَّم الناس إلى أرحام وغيرها، والرحم كل قريب يشاركك في رحم؛ كالوالدين، والاخوة، والخال، والعمة والخالة وأولادهم، كما وحدد نوعية العلاقة بين فرد وآخر فالأخ والأخت ليس بينهما حجاب، والأب والبنت كذلك والأم وابنها أيضاً.

2- تجنب التلامس الجسدي لأطفال الآخرين، بصرف النظر عن حسن النوايا أو سوئها وهذه تُجنِّب الطفل ـ في حال أنه عَرِف حدوده الشخصية وحدود غيره ـ من التحرش الجنسي”.

3- الحفاظ على مسافة بين الأشخاص فيما عدا الأشخاص الذين يعرفون بعضهم جيداً أو تربطهم صلة قرابة أو عمل معين.

4- عدم الاتكاء على الآخرين مثل؛ الاتكاء على كتف شخص ما لقراءة شيء معين، أو أثناء الوقوف في الصف…. وغيرها”.

5- عدمُ التطفل والاطلاع على مقتنيات الآخرين، وعدم طرح الأسئلة التي تعتبر من خصوصيات الشخص الآخر قال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}. وقال الإمام الصادق، عليه السلام: “إياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل.”

والعدوان على الآخرين ليس مقتصراً على الاعتداء البدني، أو سرقة الأموال والممتلكات الخاصة وحسب، بل إنّ التدخل في خصوصيات الآخرين يعتبر مظهراً من مظاهر العدوان، لما في ذلك من أذى شخصي يترتب على هذا التدخل، ولما في دسّ الأنف في شؤون الآخرين من إرباك لحياتهم، فكم من العوائل تعرضت للأزمات والمشاكل نتيجة تدخل الآخرين في شؤونها.

6- عدم دخول البيوت و الغرف والمكاتب بدون طرق الأبواب، قال تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}.

فأدب الاستئذان من الآداب التي حثَّ عليها الإسلام، لأن تركه يؤدي إلى مفاسد عظيمة في المجتمع.

وحتى الاتصال المفاجئ بدون استئذان في زمننا هذا زمن الالكترونيات، والعتاب على عدم الرد على الرسائل كلها تعتبر منافية لاحترام حدود الآخرين.

7- احترام النفس، بمعرفة مبادئها وقيمها وحدودها، واحترام الآخرين احترام آرائهم، حدودهم الشخصية، أفكارهم، معتقداتهم.

وفي ذلك بالاضافة إلى الاحترام لهم ولما يخصهم إيصال رسالة بأني أحترم حدودكم فإحترموا حدودي،وبالتالي يعرفون حدودي بطريقة غير مباشرة ولطيفة.

وقد جاء في كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين، عليه السلام، وهو يتحدث عن الرعية : “الناس صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه “.

المرأة والحدود الشخصية

إنَّ المرأة بطبيعتها معطاءة مضحية متعاطفة تحب العطاء أكثر من الأخذ، وهذه الأمور والصفات فعلياً مطلوبة من كل انسان بشكل عام ومن المرأة على وجه الخصوص، ولكن لابدَّ من التوازن، فلا يكون ذلك على حساب نفسها وإلغاء حدودها الشخصية، فعليها الموازنة بين الليونة والصلابة، والقوة والضعف وغيرها من الصفات.

 فالعطاء يكون بحسب الطاقة، حيث أنَّ لكلٍ مَّنا طاقةٌ محددةٌ، وفي حال عطائها فوق قدرتها فهي تتحمل ذلك لفترة ولكن للأسف ستصل لمرحلة تكون فيها غير قادرة على العطاء، وستسلب حتى أبسط حقوقها سواء كان ذلك وقتَ راحتها أو بعض أولوياتها، وبالتالي تصبح فقط كأداة لخدمة الآخرين دون أن يكون لها وقت لتمارس به ماتحب وترغب، أو أن تعمل العمل المحبب لها أو تمارس هواية تريحها من أعباء يومها، وعلينا ألا ننسى أنَّ من حقها ومن الطبيعي أن تتعب وأن تنفُذَ طاقتها وأن تحتاج للراحة أو التنزه، ومن حقها أن تقول: “أنا الآن لاأستطيع عمل ذلك الآن”، وبكل بساطة.

احترام النفس، بمعرفة مبادئها وقيمها وحدودها، واحترام الآخرين احترام آرائهم، حدودهم الشخصية، أفكارهم، معتقداتهم

ممكن أن يأتي في أذهان البعض هنا سؤال مهم، ألا وهو كيف تحدد المرأة حدودها الشخصية؟

والجواب: بأنها لابدَّ من تحديد أولوياتها ومعرفة حقوقها وواجباتها وماتحبُّ وماتكره ومايزعجها ومايؤذيها، والاسلام رسم لنا كل مايخص حياتنا على جميع الأصعدة، وقد كرَّم الله المرأة تكريماً يليق بها فانفرد بذلك ببيان حقوقها وواجباتها كزوجة وكأم وكإبنة، يقول الامام علي، عليه السلام: “المرأة ريحانة وليست بقهرمانة .”

وقال رسول الله، صلى الله عليه وآله:” الجنة تحت أقدام الأمهات.”

والكثير الكثير من الروايات والتوصيات من علمائنا الأكارم عن مكانتها وحقوقها.

كما وفرض عليها الحجاب فحفظ به حدودها الشخصية، قال ـ تعالى ـ: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ}.(الأحزاب/ ٣٥).

وطلب منها عدم التزيُّن لاحداً لحريتها بل تكريماً لها، فقال : {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.(الأحزاب/٥٩).

وفرض الله الستر والحجاب فهو للحفاظ على العفاف، والطهر الروحي، والأخلاقي وتحصين المجتمع في مواجهة عوامل الفساد والفسق والانحراف، ومن العبث والتبذّل، على عكس ماجاء به الغرب لها بإسم الحرية ففتح لها باب الاختلاط بكل أنواعه، إلى أن جعلها سلعة تباع وتشترى، لاكرامة لها ولاتتمتع بأي حق من حقوقها والكلام يطول في هذا المجال.

يقول السيد هادي المدرسي : “فلسفة الحجاب تقوم على أساس أن تغطي المرأة أنوثتها وتبرز إنسانيتها وأما فلسفة السفور فتقوم على العكس”.

وفي باب المصافحة، قال رسول الله، صلى الله عليه  وآله: “ومن صافح امرأة أجنبية حراماً جاء يوم القيامة مغلولاً ثم يؤمر به إلى النار، ومن فاكه امرأة لا يملكها حبسه الله بكلّ كلمة كلّمها في الدنيا ألف عام”.

كلها أحكام شرعية شرَّعها الاسلام للمرأة ليساعدها على صنع مساحتها الشخصية ليحفظ لها كرامتها ويحصنها من كل أذى.

وأخيراً نرى أنَّ الحفاظ على المساحة الشخصية ليس جبنًا ولكنه تصرفٌ حكيمٌ، فعندما ترى أنَّ احتياجاتك وقيمك مهاجمة من قبل الآخرين تعلم أنهم بذلك يهاجمون هويتك وتقديرك لذاتك.

لذلك يعدُّ تحديد المساحة الشخصية عنصراً أساسياً على الصعيد الشخصي وفي كل العلاقات، لنمو الفرد على جميع الأصعدة النفسية والاجتماعية وغيرها وتحقيق التوازن، ولحفظ العلاقات مع الآخرين من الفشل والاندثار.

عن المؤلف

المُدربة: عبير ياسر الزين

2 Comments

  • موضوع مهم الكثير منا يغفل أن تحديد مساحته الشخصية يجب أن تكون سلوك

    • نعم عزيزتي لابد لنا من تحديد مساحاتنا الشخصية لنتجنب بذلك الكثير من المشاكل التي نحن بغنى عنها، ونجب المقابل الاصطدام معنا.

اترك تعليقا