إن الشعائر الإلهية هي المعالم الدينية التي تدل على الله، أو على القيم السماوية الدالة على الله، فالشعائر الإلهية هي معالم الإسلام ومنائر الدين ومظاهر الشريعة التي لولاها لما بقي النور الإلهي مضيئاً، ولم تبق المبادئ السماوية ولا القيم الرسالية ولا المعارف الإسلامية، ولا الحِكم الربانية ولا الأخلاق الإنسانية.
وتكتسب الشعائر الإلهية قيمة وقدسية إضافة إلى قيمتها وقدسيتها الطبيعية لأنها شرعة ومنهاج لتقوى القلوب {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (سورة الحـج، الآية32).
فكل شعيرة مشروعة تتضاعف قيمتها وقدسيتها بقدر الهدف المشروع الذي تسعى لبلوغه، بل لكل حركة مشروعة تقام من أجل تعظيم وإرائة الشريعة تتضاعف قيمتها وقدسيتها كذلك.
فكل كلمة حق تكتب وتقال عن الإمام الحسين، عليه السلام، وكل لافتة فكر رسالي ترفع وتنشر عن الإمام الحسين، عليه السلام، وكل صورة تطبع وتعلق لعالم رباني يستلهم رؤاه ومواقفه من الإمام الحسين، عليه السلام، وكل صدر يلطم مواساة لمُكسّرة الأضلاع، فاطمة الزهراء، عليها السلام، وتضامناً مع الإمام الحسين، عليه السلام، الذي رضت أضلاعه بحوافر الخيل، وكل هامة تُجرح اقتداء بزينب، عليها السلام، التي ضربت رأسها بالمحمل فسال دمها، ومشاركة لكل دم أريق ظلماً وجوراً في كربلاء، وكل ظهرٍ يُزنجر –يضرب بالسلاسل– تحدياً لمن ظهر زينب، عليها السلام، بالسياط وتضامناً مع كل مجاهد يضرب بالسياط، وكل مسيرة تتحرك استجابة لنهج الحسين، عليه السلام، وكل شعار يُدوي، وكل حركة تصور، وكل عمل يمارس، وكل صوت ينطق، وكل عين تدمع، وكل رسمة تعبّر عن مأساة عاشوراء، وكل نَفس يتأوه، وكل دم يسيل، وكل ماء يُسقى، وكل خطاب يُلقى لإحياء مبادئ وقيم الإمام الحسين، عليه السلام، لهو الجهاد في سبيل الله، ثوابه الجنة، وجزاؤه رضوان من الله أكبر.
لماذا خرج الإمام الحسين الى الموت؟!
لقد خرج الإمام الحسين، عليه السلام، وهاجر وقاتل الجبابرة والظالمين، وقدم نفسه قرباناً لله من أجل تعظيم كل شعائر الله، وإتمام نوره الذي يريد الجبابرة والظالمون ومازالوا ولن يزالوا يسعون لإطفائه، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره بنهج الإمام الحسين، عليه السلام، وبمن ساروا على دربه، واستضاؤوا بنهجه، واغترفوا من معينه، واقتبسوا نوره، واتبعوا هداه.
ولم يخرج الإمام الحسين، عليه السلام، من أجل التسلط على الناس أو ظلمهم، أو من أجل حطام الدنيا أو غرورها؛ “لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً”، “اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحطام”، و إنما خرج الإمام الحسين، عليه السلام، من أجل الإصلاح والتغيير من أجل تعظيم شعائر الله، من أجل عز الأمة وقدسيتها من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر “إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب”، “ولكن لنُري المعالم من دينك ويظهر الاصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك”.
لا تكتمل العبودية لله بل لا تكون حقاً إلا باجتناب الطاغوت، {أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، فالكفر بالطاغوت واجتنابه هو الخطوة الأولى والأساسية لإظهار الشعائر الإلهية وتحقيق التوحيد الخالص لله
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عدة مواطن: “لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقة من القوي غير متعتع”.
و قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (سورة آل عمران، الآية104)
“اللهم إني أحب المعروف وأنكر المنكر”.
ومن الشعائر الإلهية التي خرج الإمام الحسين، عليه السلام، ويجب علينا أن نسعى من أجلها؛ رضا الله، إن كنا من شيعة الإمام الحسين، عليه السلام، أو من مجيبه.
أولاً: إقامة الصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر، وتحرر الإنسان من عبودية كل جبت وكل طاغوت، “ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت”.
إقامة الصلاة التي كان يزيد وبنو أمية يميتونها، ويسعون لمحوها. يقول ابن كثير في وصف يزيد: “وكان فيه إقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات وإماتتها في غالب الأوقات”، وهذا ما شرع فيه معاوية حين قال لأهل الكوفة بعد توقيع الهدنة مع الامام الحسن، عليه السلام: “ما قاتلتكم لكي تصوموا وتصلوا ولكن أتأمر عليكم”.
إقامة الصلاة التي دفعت الإمام الحسين، عليه السلام، للخروج والقتال، قال الإمام الحسين، عليه السلام، لمن قال: وهل هذا وقت صلاة وهو في وطيس المعركة حيث الرؤوس تتطاير والأرض مخضبة بالدماء، فقال الإمام، عليه السلام: “وعلامَ نقاتلهم”؟
كل معركة كربلاء كانت من أجل إقامة الصلاة التي جعلها الله سبحانه وتعالى الهدف من التمكن في الأرض، {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة}، الصلاة التي تزود مصليها بخير الزاد وخير اللباس، {فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب}.
إن إقامة الصلاة التي يؤذن فيها ويقام لبيان وتحديد قيادة الأمة الإسلامية برسول الله، صلى الله عليه وآله، و أهل بيته، عليهم السلام، هذا الأذان الذي سعت بنو أمية بكل جهدها لدفنه أو بتره أوتحريفه.
يقول مطرف بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة قلت لمعاوية إنك بلغت سناً فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً فإنك كبرت فقال: “هيهات هيهات! و إن أخا هاشم يصاح به في كل يوم خمس مرات أشهد أن محمداً رسول الله فأي عمل يبقى بعد هذا لا أم لك؟! لا والله إلا دفنا دفنا”!! لذكر الرسول، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته، عليهم السلام.
فعلى كل شيعة الحسين، عليه السلام، أن يسعوا لإقامة الصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر وتصلح المجتمع وتحرره من ربقة العبودية للدنيا وللأشياء أو للأشخاص، وسبيل تلك الصلاة إقامتها جماعة مع الإمام العادل والمؤمنين الصادقين في مساجد الطهارة والرسالة والجهاد، لا مع الجبناء ولا المنافقين ولا في مساجد ضرار.
ثانياً: الإمامة الإلهية والقيادة الرسالية، وولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم، الإمامة التي جعلها في رسوله، صلى الله عليه وآله، وفي علي بن أبي طالب، عليه السلام، وولده من فاطمة، عليهم السلام،، الإمامة التي تؤمن المظلومين وتبسط الفيء وتوسع الرزق وتكرم الإنسان وتنصف المرأة وتثق في الشباب والشبائب، وتحترم الكبار والعجائز، وتطعم البائس الفقير وتكفل اليتيم، الإمامة التي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملأها الظالمون والمتجبرون ظلماً وجوراً.
الإمامة هي أعظم شعائر الله، وبها تعظم الشعائر وتصان وتحفظ، وبدونها تهتك الحرمات وتضيع الحقوق وتندرس الواجبات وتمحى السنن.
الإمامة هي الشعيرة التي يجب علينا تعظيمها وإظهارها والتبشير بها والدفاع عنها وعدم التنازل عنها، بل والجهاد بالمال والنفس دفاعاً عنها، وعن من يحمل مشروعها ويكون امتداد صادقاً لها .
خطوات للإمام الحسين نحو الشعائر الإلهية
ومن أجل إظهار الشعائر الإلهية قام الإمام الحسين، عليه السلام، بعدة خطوات رسالية منها:
1. رفض الاعتراف بمشروعية الخلافة للطاغوت، لأن الطاغوت هو العقبة الكأداء التي تحول بين الناس وممارسة أو إظهار شعائرهم الإلهية وهذا ما سجله التاريخ، وما نشاهده حيث نجد انتشار السواد حزنا على الإمام الحسين، عليه السلام، ترهبهم، ومسيرة العزاء تقض مضاجعهم، ومنبر الحسين، عليه السلام، يكشف سوءتهم، والكلمات الحسينية تلهم الجماهير الشجاعة والحكمة التي تفشل كل مخططاتهم.
إن الطواغيت هم رموز الفساد والضلال، وهم من يفتح الباب واسعاً لأهل الفساد والضلال لعمل ما يشاؤون من إفسادٍ وإضلالٍ للمجتمع، “ألا وإن هؤلاء لزموا الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء -احتكار الثروة والاقتصاد- وأحلوا حرام الله -الخمور والمجون والسفور التعذيب والاعتقال والقتل- وحرموا حلاله -تعظيم الشعائر والحريات- وأنا أحق من غير”.
إقامة الصلاة التي دفعت الإمام الحسين، عليه السلام، للخروج والقتال، قال الإمام الحسين، عليه السلام، لمن قال: وهل هذا وقت صلاة وهو في وطيس المعركة حيث الرؤوس تتطاير والأرض مخضبة بالدماء، فقال الإمام، عليه السلام: “وعلامَ نقاتلهم”؟
ولذلك لا يتحقق الإيمان ولا التمسك بالدين، وإلا بالكفر بالطاغوت {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، (سورة البقرة، الآية 256).
ولا تكتمل العبودية لله بل لا تكون حقاً إلا باجتناب الطاغوت، {أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، فالكفر بالطاغوت واجتنابه هو الخطوة الأولى والأساسية لإظهار الشعائر الإلهية وتحقيق التوحيد الخالص لله.
فالعبودية لله لا تتحقق مع الاعتراف بمشروعية الطاغية؛ أياً كان اسمه؛ يزيد أو فرعون أو نمرود أو أي اسم كان “ويزيد شارب الخمور وراكب الفور وقاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثلك”، يقول الإمام علي، عليه السلام،: “متى كنتم يا معاوية ساسة الرعية وولاة أمر الأمة”؟
لقد كتب الوليد بن عتبة رسالة إلى يزيد “أما بعد فإن الحسين بن علي لا يرى لك خلافة ولا بيعة فرأيك فيه”، وكان الجواب من يزيد “بين لي كل من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي”، ولما أصبح لقيه مروان ابن الحكم فقال للإمام الحسين، عليه السلام،: إني أمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين فإنه خير لك في دينك، ودنياك، فقال الإمام الحسين، عليه السلام،: “إنا لله وإنا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد). (فلعمري ما الإمام العادل إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله”.
ولذلك لم يقبل مسلم بن عقيل الاعتراف بإمارة ابن زياد حينما أدخلوه عليه فلم يُسلم عليه مسلم فقال له الحرس: ألا تسلم على الأمير! قال مسلم: “اسكت أنه ليس لي بأمير”، وأضاف: “السلام على من اتبع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى”. فقال ابن زياد: لقد خرجت على أمامك وشققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة. فقال مسلم “كذبت إنما شق العصا معاوية، وابنه يزيد والفتنة ألقحها أبوك”.
2. التصدي لقيادة الأمة
“أنا أحق من غير”، “إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم”.
إنكم إن لم تنصرونا وتنصفونا، قوي الظلمة عليكم وعلموا في إطفاء نور نبيكم.
3. إقامة الصلاة أول وقتها مصاحبة لرمي السهام والنبال وتطاير الرؤوس، “إني أحب الصلاة”.
يقول الرسول، صلى الله عليه وآله: “أحب من دنياكم ثلاث . . . وقرة عيني الصلاة”.
4. التضحية بنفسه وأهل بيته قرباناً لله وفداء للشعائر الإلهية، فجعل الشهادة سبيلاً لإحياء القيم وتعظيماً للشعائر، فجعل الشهادة سبيلاً لإحياء القيم وتعظيماً للشعائر.
هذا نهج الإمام الحسين، عليه السلام، لتعظيم شعائر الله وسيبقى هو النهج الأمثل والأفضل لإحياء السنن التي جاء بها الأنبياء والرسل، وإماتة البدع التي ابتدعها الظلمة والجبابرة والطواغيت، وهكذا سيبقى نهجاً للرساليين والصالحين والصادقين، {الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً}.
(*) نشرت في نشرة: رسالة الحسين، عليه السلام، الصادرة في مدينة العوامية (السعودية) في 10 محرم 1425هـ