جميعنا يفقد اعصابه لموقف يصادفه، فيثور كبركان هائج لا توقفه حدود ولا تمنعه موانع، وجميعنا البشر نخشى لحظة الاثارة العصبية هذه التي تفقدنا رباطة جأشنا كاستجابة طبيعية لغمزة، أو لمزة، أو تصريحٍ مزعج يجعلنا نصب جام غضبنا، ويعكر مزاجنا، وصفو يومنا، أو ربما اكثر بحسب صفات الفرد الذاتية.
عضو الجمعية البريطانية لادارة الغضب، والمتخصص في علم النفس ومؤلف كتاب (كيف نفهم الغضب ونتخلص منه) الدكتور عثمان العصفور، يقول:”إن المرء حينما يغضب تنشط لديه الهرمونات ويصبح في حالة اضطراب غير طبيعي بسبب تعرضه لمثير خارجي مثل عبارة جارحة أو موقف معين تسبب في إيذائه فتستجيب هذه الهرمونات سلباً لهذا الحدث، فتزداد ضربات القلب إلى أكثر من 120 ضربة في الدقيقة الواحدة، متجأوزة المعدل الطبيعي وهو 80 ضربة فقط”.
هل للغضب جانب محبذ؟
رغم كون الغضب حالة أو انفعال طبيعي أو سمة متأصلة في وجود الإنسان ويعد جيداً الى حد كبير في حالات ومواقف معينة؛ مثل لحظة الذود عن تراب الوطن أو حماية العرض أو الدفاع عن مقدسات الإنسان ومتبنياته الفكرية والعلمية وغيرها، غير أن علماء النفس يؤكدون على اهمية التعامل مع السلبي منه بتعقل وامتصاص شحناته، لكي لا يقع الإنسان ضحية لانفعاله، وبالتالي يصبح في حيرة وندم على ما فعل ولات حين مندم.
من الاثار النفسية التي يتركها الغضب: فقدان التركيز، وارتفاع صوت الفرد الغاضب، ضياع بوصلة الإنسان نحو هدفه، الانهيار العصبي الذي يجعل الإنسان في صورة غير متزنة غير صورته الواقعية
التأثير الفيسيولوجي
يترك الغضب الكثير من الاثارة السلبية المضرة بصحة الإنسان النفسية والجسدية، فهو سبباً رئيساً من اسباب اصابة الإنسان بالجلطات القلبية والدماغية كما انسداد الشرايين، ارتفاع سريع في نسبة الكولسترول في الدم كنتيجة لخلل في اداء الأوردة الدموية، ارتفاع ضغط الدم، صعوبة في التنفس إذ يستنشق ما نسبته 20 في المائة من الأكسجين بسبب نوبات الغضب، أما في الحالات العادية فيستنشق نسبة 80 في المائة بمعنى أن هذا الانفعال الحاد يحجب نسبة الأكسجين المتدفق إلى الرأس، ويثير الغضب ايضاً صداع في الرأس وقد يمتد لساعات طويلة أو ربما ايام.
التأثير النفسي
اما الاثار النفسية التي يتركها الغضب فهي: فقدان التركيز، وارتفاع صوت الفرد الغاضب، ضياع بوصلة الإنسان نحو هدفه، الانهيار العصبي الذي يجعل الإنسان في صورة غير متزنة غير صورته الواقعية، انعدام التحكم بالذات وقد ينتج هذه الحالة صدور كلام غير دقيق أو كلام لا يود الإنسان اخراجه لسريته، أو لكونه يجدد مشاكل كانت قد انتهت منذ وقت طويل، كما انه يدخل الإنسان في حالة انزواء عن المجتمع كردة فعل منه على المجتمع، الأرق والاكتئاب، ضعف أو غياب النمو الروحي، وتوتر الإنسان في اكثر الحالات حتى تلك التي لا تحتاج الى الغضب حيث ان كثر الامتثال للغضب يصبح عادة سلوكية خطيرة.
اذا حدث لحظة غضب في مكان العمل أو في مجلس معين على الشخص الغاضب مغادرة المكان، ولو مؤقتاً افضل من التكلم بكلام أو تصرف يندم عليه بعد أن تذهب زوبعة الغضب
مم ينشأ الغضب؟
ينشأ الغضب من سلوكيات ظاهرية ذات دوافع داخليه للفرد ومن السلوكيات التي تتسبب للفرد بالدخول في موجة غضب هي:
- ضغط العمل سيما العمل الاجباري أو غير المحبذ للإنسان، أو الذي لا يكون من اختيار الفرد مما يجعله كتلة من النار لشعوره بأن في غير مكانه لكن الظروف هي وضعته فيه مرغماً، وهذا الامر يجعل الفرد يعيش حالة من الاحتراق الداخلي أو ما يعرف بـ(الاحتراق الوظيفي) وبالتالي يصبح الإنسان اكثر اثارة من للغضب عمن سواه من الناس.
- حب السيطرة والمال الذي يدفع الإنسان الى اتباع كل الطرق في سبيل المحافظة على مصالحه مهما بلغ الثمن، والشاهد القريب قدوم فرد على قتل موظف حكومي لمجرد انه اراد رفع تجاوز على الممتلكات العامة للدولة وكانت النتيجة لذلك الغضب مقتل انسان لا ذنب له.
- الطقس يعد سبباً مهما من سرعة غضب الإنسان فجميعنا يلحظ ان الإنسان في فصل الصيف يكون اكثر اثارة وتعصب من باقي فصول السنة، سيما في لبلدان التي يكون صيفها حار وجاف كالعراق.
- الزحام المروري هو الاخر سبباً في ارتفاع نسبة الغضب؛ فجمعينا أو اكثرنا يعاني الوقوف طويلاً في الطرقات العامة سيما في ايام المناسبات التي يشهدها العراق، والتي تتسبب بموجة غضب عارمة لدى الكثير من الناس مما يجعلهم يترجمون غضبهم لفظياً أو جسدياً في بعض الحالات.
- الفشل بمرحلة دارسية أو في تحقيق هدف معين أو عدم الحصول على فرصة عيش مناسبة تجعل الإنسان يشعر بعدم الرضا عن وضعه وبالتالي هو اكثر استعداد لتقبل الغضب والاستجابة له.
- الجينات الوراثية هي الاخرى تجعل الفرد سريع الغضب نتيجة لوراثته للسمة من احد والديه.
مصدات الغضب
ما يجب القيام به في لحظات الغضب لكبح جماحه والخروج بأقل الخسائر يجب اتباع الاتي:
- لأن الغضب السلبي دائما يكون بدافع شيطاني إغوائي، فيجب الاستعاذة بالله من الشيطان في ساعات الغضب، وتذكر عذاب الله الذي سيحل على الشخص الذي يرتكب جريمة، أو يتخذ قراراً يؤذي الناس ويؤثر عليهم وعلى مصالحهم.
- يفضل أن لا يحمل الإنسان معه سلاح، وإن كان يحمل ترخيص رسمي، لأن السلاح بيد الإنسان اداة للجريمة والكثير من حالات القتل التي حصلت بسبب توفر الاسلحة بيد غير الحكماء أو المتعقلين.
- اذا حدث لحظة غضب في مكان العمل أو في مجلس معين على الشخص الغاضب مغادرة المكان، ولو مؤقتاً افضل من التكلم بكلام أو تصرف يندم عليه بعد أن تذهب زوبعة الغضب.
- من الاهمية بمكان الصبر على الغصب والتركيز اعمالك واهدافك، لأن ثمة اناس يتعمدون اثارة غضبك لفقدان المشاريع التي تخطط لإنجازها.
- والافضل للإفراد أن يحوّلوا انتباههم صوب الامور التي تجلب الراحة النفسية عوضاً من التركيز على المسائل التي تزعجهم والتي تكون مجرد أمور ثانوية في حياتهم.
- إن لم تفي جميع هذه الحلول بتفتيت كتلة الغضب فمن الاجدر التحدث مع شخص موثوق به للمساعدة في اعطاء حلول بديلة للمشاكل التي ترهق ذهن وتتعب أعصابه.
- للمحيط الاجتماعي دور فاعل ومباشر في صدّ موجات الغضب، أو استيعابها وتهدئتها، لاسيما عندما يكون الغاضب قريباً من أدوات جارحة أو وسائل خطيرة ربما تكون له عوناً في إحداث فاجعة مريعة، الامر الذي يتطلب من المحيطين في البيت أو العمل أو المدرسة، أو أي مكان آخر الإسراع في اتخاذ اللازم بالحؤول دون وصول الغاضب الى تلك الوسائل، وهذا ما نلاحظه من محأولات الانتحار بالحرق وغيرها فيما نرى الآخرون مشغولون بالتفرّج أو التسابق على تسجيل المقطع المثير!
هذه هي ابرز التقنيات التي يمكن ان تحد من خطر الغضب وتفادي اثاره المدمرة على الفرد الغاضب وعلى المحيطين به، حمانا الله وايامكم من الغضب والغاضبون.