مكارم الأخلاق

أخلاقيات عاشوراء – نصيحة زوجة لزوجها

“سبحان الله! أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه؟ لو أتيته فسمعت كلامه، ثم انصرفت”.

إنها “دَلْهم” زوجة زهير بن القين، تلك المرأة التي خلّدها التاريخ بين مئات، بل آلاف النسوة اللاتي عاصرن النهضة الحسينية، ممن كُنّ في بيوتهن بالمدينة، أو البصرة، او الكوفة، أو مكة ممن سمعن بخروج الامام الحسين، عليه السلام، الى أرض العراق، ومعارضته القاطعة لبيعة يزيد بن معاوية للخلافة.

إنها ليست سوى كلمات قصار رددتها تلك المرأة العظيمة أمام زوجها المعروف بميوله العثمانية آنذاك، ولم يكن يرغب بأن يلتقي بالامام الحسين، عليه السلام، وأن لا يكون مواكباً للإمام في عودته من الحج الى الكوفة، ولكن التوفيق الإلهي كان من نصيبه بواسطتين: الاولى؛ دعوة الإمام له، والثانية؛ نصيحة زوجته المؤمنة والفاهمة.

“إنه ابن بنت رسول الله”!

دلالة على إيمان المرأة، وولائها لأهل البيت، عليهم السلام، ثم تفهمها لموقف الامام الحسين، عليه السلام، بأن “لو أتيته فسمعت كلامه”. إنها رجاحة العقل والحكمة لمن يشكك في قدرة المرأة على التطلّع نحو البعيد. 

وكما أن الشجاعة والكرم والمروءة، صفات يتنافس عليها الرجال، ولا تكون إلا لاصحابها الأكفاء، فان النصيحة الواعية من امرأة صالحة، لا تصدر إلا عمّن عَمُر قلبها بالايمان والصلاح، فكما تكون معطاءة بالخلق الرفيع والسلوك الحسن مع زوجها في حياتها في الدنيا، تكون عوناً له في الدين وللآخرة.

وكم هو الفارق البعيد جداً بين موقف دَلهم، وموقف تلك الأم، وتلك الزوجة، التي خرجت من البيت مسرعة الى قصر الإمارة بالكوفة حيث كان جيش مسلم بن عقيل يحاصر القصر استعداداً لاقتحامه وتولّي أمر المدينة وسد الطريق بوجه ابن زياد القادم من البصرة، فبدأت هذه الى ولدها، وتلك الى زوجها: “ارجع يكفيك الناس”، بمعنى أن الناس موجودين ولا حاجة فيك، وحصل هذا مع معظم الشباب والرجال المعبئين لنصرة مسلم، فخارت عزيمتهم، و انطفئت شعلة الحماس في نفوسهم، فانسحبوا الى بيوتهم وانتهى الأمر بمسلم بن عقيل بما يعرفه الجميع.

في تلك الأيام التاريخية الفاصلة، كان أمام زهير بن القين، و زوجته الصالحة، موقفٌ واحد باتجاه واحد، أما اليوم فان نساءنا أمام تحديات صعبة ومعقدة، وفي اكثر من اتجاه، وكلها ذات مدخلية في الايمان والعقيدة والاخلاق، فكلمة واحدة خاطئة من شأنها أن تحول مسار الزوج من القناعة، والرضى، والكدّ بحثاً عن لقمة الحلال، الى سلوك طريق الاحتيال، والفساد، والغش، وحتى السرقة، بل والقتل بحثاً عن المال والوظيفة المرموقة التي تتباهى بها بعض النسوة (الزوجات) للأسف الشديد.

وكلمة واحدة خاطئة من الأم الى الابن او البنت، من شأنها ان تحول مسارهما من الفضيلة الى الرذيلة، ومن الطريق المستقيم في خط الولاية والقرآن الكريم، الى طريق التحلل من الالتزامات، بدعوى كسب الدرجات العالية في الامتحانات، والتفوق على الآخرين في الجامعة والعمل وفي كل شيء، حتى وإن كانت في صالح الفتاة والشاب، لان مع مرور الزمن، تواكب تلك الكلمات الخاطئة مراحل نموهم العقلي والذهني والنفسي، فتتشكل من كل ذلك شخصيتهما النهائية، ما يكون م الصعوبة جداً التغيير، او العودة الى جادة الصواب، مثلاً؛ ينظرون الى سيرة أهل البيت، عليهم السلام، على أنه نوع من التراث القديم، لا يمكن ايجاد تطبيقات عملية له في الواقع المعاصر بدعوى تطور وسائل عيش الانسان، وايضاً؛ تطور الفكر والثقافة، “فما كان يصلح لذلك الزمان ليس بالضرورة يصلح لهذا الزمان”، كما لو أن الصدق والأمانة والايثار والمساواة لزمن دون آخر!

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا