للإنسان ميل فطري للتجمّل والتأنّق، ولأجل إشباع هذا الميل يسلك طرق شتى بعضها مشروعة واخرى غير مشروعة طلباً للوصول الى مستوى جيد من المرغوبية المجتمعية، والمعيار الجمالي يختلف بين حقبة واخرى فمعيار الجمال في بيئة اجتماعية أو حضارة معينة يختلف عن بيئة وحضارة أخرى.
من الناس مَن يرى أن مظهر الجسد هو من يعبر عن قيمته وهذا الشعور بحد ذاته هو شعور بالنقص ويعبر عن انعدام النضج العقلي، وعلى الطرف الآخر ثلة لا تعطي لهذه الشكليات اهتمام عال وبالتالي يبتعدون عن الكثير من الظواهر السلبية، التي باتت مقلقة ومهددة للون المجتمع المعتاد، ومنها ظاهرة الوشم على الجسم بأشكال لحيوانات وآلات أو كتابة عبارات تافهة تنم عن صغر عقول اصحابها وعدم اداركهم للعواقب.
لماذا يوشمون؟
الوشم يمثل رغبة لمن يعمله في الظهور بمظهر المختلف من خلال وضع اشكالاً على احد اجزاء الجسم في الغالب، يكون أحد الاجزاء المكشوفة، وتحمل هذه الاشكال دلالة رمزية، ويتجه معظم الاشخاص لوشم اجسادهم لنيل مكاسب اجتماعية كزيادة جاذبيته وجماليته، ويختلف الوشم عمن سواه بثبات أثره وطول مدة بقاءه لذا يفضله الناس سيما النساء التي باتت تفضله على الحناء وغيرها من وسائل الزينة التقليدية.
الدلالة النفسية
والمشاهد لشكل الوشم يمكنه أن يُستدل على بناء الفرد النفسي، فأحدهم يسجل ذكرى مؤلمة مرة بها على صدره واخر كتب اسم امرأة على معصمه، وثالث كتب، أو رسم شيء ما على منطقة اخرى من جسده، وكأنه هذا الفرد يبحث عن صورة جديدة لذاته تكون في كثير من الأحيان غير متطابقة لصورته الحقيقية.
ما لدافع من الوشم؟
الدافع وراء هذا السلوك هو محاولة إخفاء صورة مشوهة لذاته هو يراها عن نفسه وابدالها بصورة اكثر ملائمة لإطاره الاجتماعي، الذي يحيا فيه ربما بينه وبين نفسه بمعنى الإطار الذي وضعه هو لنفسه، وهذا دليل قطعي على انخفاض تقدير الذات لديهم، ويعكس الوشم سمات الشخصية العدوانية، أو الاجرامية.
يُلاحظ أن أغلب المجرمين في معظم دول العالم يتميزون بوشم أجسادهم، وكذلك السجناء والمدمنين على المخدرات فهم يستخدمون الوشم بصورة مبالغ فيها
فعلى ـ سبيل المثال ـ يُلاحظ أن أغلب المجرمين في معظم دول العالم يتميزون بوشم أجسادهم، وكذلك السجناء والمدمنين على المخدرات فهم يستخدمون الوشم بصورة مبالغ فيها، ففي دراسة نفسية خلصت بأن مجموعة الناس الموشمين هم أقل درجة من الناس الغير موشمين من عدة جوانب نفسية؛ كإتزان العقل ورباطة الجأش ودرجة الانبساطية، ونجاحهم في الأدوار الاجتماعية المُناطة بهم.
وفي دراسة علمية قارنت بين نظرت الذكور والاناث للوشم قالت: “أن بعض الرجال يرون فيه تجسيداً للرجولة وهو ما يجعلهم اكثر مقبولية من النساء من وجهة نظرهم، لكن النساء ترى العكس فهم في نظرها عدوانين وغير منضبطين اخلاقياً ونفسياً، أو انهم يعانون مشكلات اجتماعية، أو سلوكية كإدمان المخدرات، أو تعاطي المشروبات الكحولية، أو ادمان النزاعات ودخول السجون.
يجب على ذوي امر القاصرين أو غير الناضجين توعيتهم عن كراهيته وعدم مقبوليته عند معظم الناس مما يأشر رفض مجتمعي عام له على عكس ما يعتقدون هم، بالإضافة الى امكانية رفض عملهم في الكثير من المفاصل الامنية في المستقبل
أما النساء اللواتي يوشمن أجسادهن فهن يتصفن بانعدام النضج، وقصر العقول، أو التهرب من المدرسة، أو اقامتهن علاقات عاطفية، أو انخفاض التحصيل الاكاديمي وجميع هذه المظاهر دالة على بحث الشخص عن ذاته لكنه لم يحسن اختيار الوسيلة الاكثر مناسبة لغرضه الساعي من اجله، وقد يشترك الذكور والاناث في بعض الدوافع مثل الاغتراب وفقدان الهوية والضياع النفسي، أو النزوع الى التميز مثلما يفعل المشاهير التواصل الاجتماعي من الممثلين ونجوم الكرة، وغيرهم ممن يقومون بوشم أجسادهم بصورة متكررة ومتجددة، كل هذه الدوافع هي من تؤدي بالناس الى هذا التشويه المقرف والماسخ للشكل الطبيعي لأي ادمي سليم العقل والتفكير”.
كيفية الحد من الظاهرة؟
من اجل التصدي لإنتشار هذه الظاهرة الدخيلة في مجتمع يصطبغ بصبغته الاسلامية والشرقية أوسطية المحافظة الى حد بعيد يجب القيام بالتالي:
- على المؤسسة الدينية ان تأخذ دورها في بيان حرمة الاقبال عليه بأعتبار عدم شرعتنه متأتية من تشويه خلق الله الذي أراده لعباده فهو الذي صورنا واحسن صورنا ولا داعي لمثل هذا التشويه.
- لابد للجهات الرسمية أن لا تمنح اجازات لفتح الاماكن التي تؤمن هذه الخدمة للزبائن الطائشين.
- على الجهات الصحية أن تبين عبر حملات توعوية عبر وسائل الاعلام، أو من خلال اقامة الندوات في الجامعات والمعاهد والمدراس وكل المناطق المأهولة بالناس خطر الوشم على الانسان فمعظم المواد المستخدمة فيه تتسبب في اصابة الجلد بالسرطان أو نقص المناعة البشري المكتسب ( الإيدز)، اضافة الى التشوهات التي يتركها مع صعوبة محيه من على الجسم.
- يجب على ذوي امر القاصرين أو غير الناضجين توعيتهم عن كراهيته وعدم مقبوليته عند معظم الناس مما يأشر رفض مجتمعي عام له على عكس ما يعتقدون هم، بالإضافة الى امكانية رفض عملهم في الكثير من المفاصل الامنية في المستقبل.
- على المؤسسات التربوية أن تغرس في نفوس الطلبة رفض السلوكيات المرضية وابدالها بسلوكيات اكثر مقبولية وتناغم مع محددات مجتمعنا العراقي العربي المحافظ، فكل هذه الإجراءات اذا ما طُبّقت ستجعل من دائرة انتشار هذه الظاهرة في انحسار وتقلص وبالتالي يصبح من يتجه الى الوشم ناشز وغير محبذ.
في الخلاصة نقول علينا أن نرى انفسنا واجسادنا كما هي في صورتها الحقيقة، بالتالي نتقبلها ونحميها بالعقل فالتزين حالة طبيعية يبحث عنها كل انسان لكن يفترض ان يكون ضمن الاطر الطبيعية التي تضفي عليه جمالية لا ان تشوهه، فهل يمنح الوشم جمالية للإنسان ام ينتزعها منه؟