في فترة الحجر المنزلي للوقاية من جائحة كورونا والتي بدأت في بدايات عام 2020، برقت فكرة حضارية جميلة باستثمار اوقات التواجد في البيت لمناقشة أمور عقدية وفكرية وثقافية بهدف رفع اللبس والغموض لدى الكثير من الشباب، فكانت هذه الحوارات الشيّقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
بعد ان دار حوار بين مجموعة من الاصدقاء، من طلبة جامعات، وخريجون، و طلاب علوم دينية على برنامج الانستكرام، كان السؤال المطروح هو:
يعاني واقع الشباب المسلم -خصوصا في العراق- من انحطاط و تخلف؛ فما هي الاسباب وما هو السبيل لإصلاحه؟
كانت الاجابات متقاربة.
المهندس احمد: الذاتي أولاً
التخلف الذي نعيشه اليوم اصبح واقع حال، أما الحل؛ فهو في أن كل فرد يجب ان يعمل من موقعه، و يتحرك، ثم عليه ان يغيّر من المقربين له.
المهندس حسن: برامج ومناهج في الجامعات
علينا مساعدة الشباب، و ذلك بالتوجه نحو وضع برامج، و مناهج تستقطبهم ، و هذه المناهج التربوية توضع و يؤسس لها في الجامعات مثلاً.
الدكتور رياض: رجل الدين والاسلوب العصري
من المشاكل التي سببت التخلف؛ الداعية نفسه (أي رجل الدين)، فبسبب الابتعاد عن منهجية الاسلام الاصيلة، المتمثلة بالقرآن الكريم و اهل البيت النبي، عليهم السلام، و التقوقع على بعض الافكار القديمة، ثم عدم امكانيته في إصلاح المجتمع وفق متطلبات العصر.
انك تعيش في حياتك وفق اصالتك – من القيم التي اسست لها الاديان السماوية و على رأسها الاسلام: هي قيم التسامح و العدل و حب الخير و حب التقدم و التطوير – اما المتغيرات فهي : متطلبات العصر، و التعايش معها وفق تلك الثوابت
ما الحل وكيف نبدأ؟
ثم سأل صديقٌ: بعد كل هذا؛ ما الحل؟ و كيف نبدأ؟
للإجابة على ذلك هناك افكار كثيرة، نلخصها بالآتي:
1 – الشعور بالمسؤولية هو الفيصل في التغيير، فكل الأقوام التي غيرت من واقعها ، بسبب تحملها لمسؤولية التغيير.
2- التغيير لا يكون بالتمني، بل يحتاج الى السعي الجاد من الجميع.
3- من المشاكل التي جعلت الواقع الشيعي ينحدرسببين:
أ- إما التحجر على القديم، وعدم تقبل التقدم البشري.
ب- او الذوبان في الواقع ـ المعاصر-، و كل عاقل يعلم انه لا يوجد مثال – مطلق – للنجاح والتقدم، فكل أمة لها ميّزات ايجابية و عثرات سلبية.
مبدأ الثابت والمتغيّر
إذن؛ المطلوب ما وضحه الدين القويم؛ مبدأ الثابت و المتغير
يعني شلون؟!
بمعنى أنك تعيش في حياتك وفق اصالتك – من القيم التي اسست لها الاديان السماوية و على رأسها الاسلام: هي قيم التسامح و العدل و حب الخير و حب التقدم و التطوير – اما المتغيرات فهي : متطلبات العصر، و التعايش معها وفق تلك الثوابت -.
هل للجامعات والحوزات دورٌ في التغيير؟
سأل صديقٌ: وما دخل ( الجامعات) و ( الحوزات) في تغيير المجتمع ؟
كل الدخل للجامعات و الحوزات في صناعة التغيير؛ فالطرفين يمثلان طلائع المجتمع.
يعني شنو؟!
يعني طالب العلم عندما يدخل الى الحوزة، فبعد مرور سنوات (المفروض ان يكون مهيّأ للتفاعل مع المجتمع من اجل غرس القيم الدينية في نفوس الناس .
أما طالب العلم الذي يدخل الى الجامعة فسرعان ما يتخرج ليكون منارا في المجتمع له احترامه و تأثيره.. باعتبار تخصصه، وكل التخصصات يحتاجها المجتمع.
وعلى هذا تتجه انظار المجتمع نحو هتين الشخصيتين، و بالتالي اذا كانا مؤهليَن لأداء مسؤولياتهم كان ذلك جزء كبير من التغيير.
وضّح اكثر؟!
عزيزي ان للنُخَب (الجامعية) و (الحوزوية) تأثير كبير، بل هي التي تمسك زمام الأمور حاضرا و مستقبلا.
تخيل معي مهندسا قد يكون رئيسا للوزراء يوما ما، أو صاحب مؤسسة عالمية لها التأثير في المجتمع، او طبيباً مسؤولاً للصحة في عموم البلاد.
او قد يكون خطيبا يسمع له الكثير من النا،. او كاتباً يقرأ له اغلب المجتمع، او مرجعاً دينياً، يغيّر بفتوى (كلمة واحدة) مجرى تاريخ (أمة)، و كل هؤلاء كانوا سابقاً من رواد هذين المركزين (الجامعة و الحوزة).
وهل تنقص المجتمع اليوم هذه الشخصيات؟ فالمجتمع الى الاسوء حسب ما اظن!
اولا: كلامنا طبعاً يخص المجتمع العراقي بالتحديد.
ثانياً: لا نقول (مطلقاً) أن المجتمع اليوم الى الاسوء، ففيه من الشخصيات المتفوّقة و على الصعيدين ـ والواقع شهد ذلك في حربنا مع داعش.. و التظاهرات المليونية – بسلبها او إيجابها.. و وقوف المجتمع – بعضه – من اجل التكافل الاجتماعي للوقاية من هذا الوباء ـ و لكن تبقى صبغة التخلف عالقة اليوم – وفي جميع النواحي -اذا لم يكن هناك – تحرك جاد و من الجميع في سبيل التغيير .
اذن.. اين المشكلة؟!
الجواب بعدة نقاط:
1- لكل بناء اساس و لا يقوم البناء، أو يستقيم اذا لم يكن هناك أساس قوي و متين يرتكز عليه.
2- و الحال في مؤسساتنا التربوية و التعليمية، فعلى مرّ العصور تغيرت المناهج و الطرق و الوسائل في تطوير حركة البشر العلمية، الاقتصادية، الاجتماعية.. و هلّم جرا، طبعا منها تغير – بعضه- للأفضل، ومنها تغير ـ بعضه ـ للاسوء. والبحث في ذلك طويل. يحتاج الى وقت لوحده.
ما يهمنا ان (حوزاتنا العلمية) لها ميزات إيجابية؛ كالمثابرة في طلب العلم، و الجد، و الاجتهاد في ذلك، و كذلك (الجانب الروحي) الذي يعيشه الطالب فممكن ان يقاوم اشد حالات الاحتياج (المادي او النفسي)، و كذلك الابتعاد عن كل ما يعيق تقدمه العلمي من : الملهيات و قاتلات الوقت و كذلك ما يفتك به من الشهوات الجسدية؛ كالجنس و كثرة الأكل و الشرب و غيرها.
و في نفس الوقت هناك – سلبيات، مثل؛ التشبث ببعض القديم .
يعني شلون؟!
يعني ان هناك بعض المناهج منذ 100 عام او 50 عام او اكثر لا زالت لوقتنا الحاضر تُدرس و لا نحط من اهميتها و لكن – مع سرعة الزمن – و التقدم الحاصل يجب ان تتأقلم مع ذلك، فبدل ان تقضي 10 سنوات من عمرك في الانكفاء على الدرس، ممكن ان تطوي ذلك في 5 سنوات او اقل.
ومن السلبيات الاخرى تتعلق ـ أيضا ـ بالنقطة الاولى، بسبب كثرة سنوات الدراسة، عندما يريد ان يخالط المجتمع تجده – مترهل الفكر – اي ان ما درسه هو – لنفسه – لكن المجتمع يحتاج الى ما يوافق الواقع.
لذلك سوف ينصدم اشد الانصدام، واما ان يبتعد و ينكفأ على نفسه، او يبتدع امورا – قد تحرفه عن الثوابت -.
هذا فيما يخص – نخب الحوزات – اما الجامعات؟!
الاختلاط اثّر بصورة سلبية في جامعاتنا العربية أكثر من الجامعات الغربية بسبب حالة الالتزام في المجتمع، ثم ينصدم الشاب بواقع منفتح تماماً، لذلك نجد ان اكثر الشباب الجامعي يتأثر سلبياً بالاختلاط
الجامعات تتميز بميزة مهمة و هي: التقدم البحثي و التقني، واقصد بالتقني مأخوذ من كلمة (Techniques) ، والتي تعني الطرق و الوسائل لذلك تحاول دائما ان تسير مع العصر والواقع شاهد، فالمحاولات مستمرة في التطوير من المناهج من أجل الارتقاء بالمستوى العلمي للطالب، كأن تتقلص المناهج و يتم نبذ القديم المستهلك بالجديد المتطور، أو تقلل سنوات الدراسة و – كما في نظام الفصلي الى نظام الكورسات، او الكورسات المتتالية الى الاختيارية.
السلبيات.. الطامة الكبرى
عندما يكتفى الإنسان بفكره فقط و ينسى ان هناك جانب الروح و النفس، تاه الفكر و النفس معا، وذلك بسبب التأثر المطلق بالغرب.
فالاختلاط ـ على سبيل المثال ـ اثّر بصورة سلبية في جامعاتنا العربية أكثر من الجامعات الغربية بسبب حالة الالتزام في المجتمع، ثم ينصدم الشاب بواقع منفتح تماماً، لذلك نجد ان اكثر الشباب الجامعي يتأثر سلبياً بالاختلاط، و بالتالي يصبح جُل اهتمامه كيف يلفت اهتمام تلك الفتاة و كيف يكون مظهره اجمل و المع من الجميع – طبعا لا خلاف في اهمية المظهر لكن ان يكون هدفه و مبتغاه فتلك المصيبة-.
كل ذلك ابعد الشاب عن الهدف الاسمى من ولوجه الى الجامعة والنتيجة؛ ما تخرجه الجامعات اليوم من رجال يخشى المستقبل الاعتماد عليهم، بسبب ضحالة الجانب العلمي لتأثره بالجانب النفسي، فتخرّج اغلب الشباب و هو لا يعلم ما هو اختصاصه؟ وما فائدته في مجتمعه؟ و كيف يمكن ان يستغله في تطوير ذاته و مجتمعه؟
كل هذه المقدمات لأبين النقطة المحورية، ألا و هي التقاء الجانبين و الاستفادة من الجميع، وبجملة واحدة، نحتاج اليوم الى:
عصرنة الحوزات – و أسلمة الجامعات
فالحوزة تنبذ القديم – من المناهج اليونانية اذا سنحت الفرصة نوضحها في وقتها و التقليدية – و ترجع الى فهم الثوابت من منهج، أهل البيت، عليهم السلام، و القرآن الكريم، بأسلوب عصري تطويري: كالانفتاح على العلوم الإدارية، و الاقتصادية، و الاجتماعية في الإسلام و ربطها في الواقع.
والجامعة تحاول ان تُدخِل الى مؤسستها الجانب التربوي للطالب من مناهج الأخلاق :
– كحب لغيرك ما تحب نفسك.
– و عليكم بتقوى الله و نظم أمركم.
– و اطلب العلم في الغربة و الجوع.
– و ساعٍ سريع نجا، و مقصر في النار هوى.
و غيرها من التعاليم الإسلامية التي غيّرت نفوس امة جاهلة الى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.
عند ذلك قد نحقق التغيير