تُرى ماهو تكليفنا؟
هل محاسبة أنفسنا على ماقمنا به من طاعات ومستحبات، أو حتى المواقف والكلمات، وما اقترفناه من معاصي وآثام وأخطاء؟
وماهي الكفّة الراجحة فيلوم الانسان نفسه على ماخسره من قربه من الله وعدم التوفيق لطاعته.
أم أن نلوم أنفسنا على كل شيء، ولا نسامحها حتى مع اعترافنا بأخطائنا وندمنا عليها، بل قد يكون اللوم في بعض الأحيان عند الناس السلبيين على أشياء وهمية هي في خيالنا فقط ، فنشعر بالدونية وعدم الثقة بالنفس ونهرب من الفشل لنتقوقع على أنفسنا وربما نصل إلى حالات من الاكتئاب؟!
ما معنى محاسبة النفس؟
هي شعور إيجابي يأتي بعد معرفة الشخص لخطئه واعترافه به، ومن ثم محاولة تقويم سلوكه وسلبياته، وهي تساعد الانسان على معرفة نفسه أكثر فيعرف نقاط قوته ومواطن الخلل فيحاول إصلاحها ، وهي أمر يدل على حكمة صاحبها.
من لا يحاسب نفسه لا يتصل اتصالاً صادقاً بالعترة الطاهرة، و إنَّ المتصلين بهم والتابعين لهم والمتمسكين بولايتهم المباركة هم أهل المحاسبة والمراقبة
و إصلاح النفس بعد محاسبتها هو أهم عمل يجب أن يقوم به الإنسان في هذه الحياة، فعندما يصلح الإنسان نفسه تتفتح له آفاق الحياة الرحبة في البناء الإنساني، والاجتماعي، والعلمي، والفكري، وعندها تتطور الحياة فحتى لو كانت هذه الحياة لا راحة فيها فسوف يشعر بالسعادة والطمأنينة، لأنَّ رغباتنا إذا كانت تُخالف قيمنا وتخالفُ واقعنا وتخالفُ ما أراده الله لنا في هذه الحياه تسبب لنا التعب والمشاكل، ومن ثمّ، عدم النجاح، بينما شعورنا بالرضا بما كتب لنا الله والتسليم لله في كل أمورنا والرضا عن أنفسنا، يجعل لدينا طاقة إيجابية تشع لنا وتضي لنا درب الحياة، فنقطف ثمار أفعالنا، وذلك يجعل لدينا الحافز والدافع لتحقيق المزيد من النجاح والتطور.
قال الله تعالى: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}.
وقال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}.
عن أمير المؤمنين، عليه السلام : ” ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم فإن عمل خيراً استزاده وإن عمل شراً استغفر اللَّه “.
فمن لا يحاسب نفسه لا يتصل اتصالاً صادقاً بالعترة الطاهرة، و إنَّ المتصلين بهم والتابعين لهم والمتمسكين بولايتهم المباركة هم أهل المحاسبة والمراقبة الذين يحرصون أن يكون غدهم أفضل من يومهم، ويومهم أفضل من أمسهم، وتتطلع أنفسهم إلى مستقبل أخروي عامر بالباقيات الصالحات والنعيم المقيم، ولا يتسنى للإنسان التعرف على حقيقة حاله من جهة تقدمه وتأخره، بحيث يكون أمسه أفضل من يومه، ما لم يحاسب نفسه حساباً دقيقاً ويسألها مستعرضاً ما فعله في الأيام السالفة أو يقوم به في الحاضر .
فقد حثّ رسول اللَّه، صلى الله عليه وآله، على كون المحاسبة شديدة قائلاً: “لا يكون العبد مؤمناً حتى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك شريكه والسيّد عبده.”
هل لقوى النفس دورٌ في محاسبتها؟
للنفس قوى متعددة: القوى العقلية والغضبية والشهوية والوهمية، وكلها تريد الرئاسة على الانسان لتصدر أوامرها، ومَن يحظَ بمقبولية يترأس، لذلك على الانسان أن يعلم من يترأسّه، هل يترأسّه الغضب والوهم والشهوة؟ فإذا كان ذلك ففيه هلاكه، أمَّا اذا ترأسه العقل نجى من المهلكات عندما لايترك نفسه للأهواء تتلاعب بها، ويقف موقف المسؤول ويتحمَّل مسؤولية رعايتها بعد مراقبتها ومحاسبتها وإصلاحها.
اذا نظرنا لرأي اسلامنا الحنيف في ذلك، نرى أنَّ الله حرَّم على الانسان أن يرمي نفسه في التهلكة فعليه محاسبتها لاجلدها، فحرَّم أذيتها وحرَّم الانتحار أيضاً
ولو علم الإنسان مَن يترأس في جمهوريته العظيمة عند غالب بني البشر لطأطأ رأسه خجلاً، فكم منّا يترأسه الغضب أو الشهوة أو الوهم؟ وكلها مهلكة للإنسان! وكم منّا جعل العقل هو الرئيس لينجو من المهلكات؟!
عجيب أمر هذا الإنسان! يفكر في كلِّ شيء إلّا نفسه، يتركها للأهواء لتتلاعب فيها، ويقف أمام ذلك موقف غير المسؤول، مع أنّها أهم شيء عليه أن يرعاه ويتحمّل مسؤوليته.
ولذا نجد أنّ الله سبحانه تعالى حرّم أذيّتها وحرّم الانتحار، وحرّم أن يرميها الإنسان في التهلكة، ومع كل تلك الأحكام نجده مهملًا مع نفسه، ولعل هذا هو سبب ابتعادنا عن محاسبة أنفسنا.
أما جلد الذات: فهو شعور سلبي يظهر في أوقات الهزائم والفشل، فيه مبالغة وعدم واقعية في تأنيب الذات، فيشعر بالعجز عن مسامحة نفسه، ويحملها مالاطاقة لها به، فتمتلئ روحه بالتشاؤم ويصاب بالحزن المزمن والاكتئاب.
واذا نظرنا لرأي اسلامنا الحنيف في ذلك، نرى أنَّ الله حرَّم على الانسان أن يرمي نفسه في التهلكة فعليه محاسبتها لاجلدها، فحرَّم أذيتها وحرَّم الانتحار أيضاً.
ماهي أسباب جلد الذات؟
١ – عدم الايمان بالسنن الكونية فالخطأ وارد من كل انسان وهو سبيل النجاح.
٢ – التخيل بأن الفشل أمر غير وارد في الحياة و حبُّهم للمالية الوهمية، بينما لو أمعنا النظر نرى أنَّه لايوجد مثالية واقعاً.
٣ – الانفعالات معدية؛ فالاحتكاك مع أناس متشائمين ومن أهل الكآبة يساعد على جلد الذات.
٤ – محاسبة النفس ولومها مطلوب ولكن بالحد المعقول، فالمبالغة في ذلك واللوم الدائم والمتكرر متعب للنفس ويوصلها إلى الاحباط.
٥ – عدم معرفة الشخص لقدراته وقيمة نفسه مؤثر جداً في جلد الذات فيحملها مالاطاقة لها به.
سؤال آخر :
لماذا علينا أن لا نجلد ذواتنا، وما هي آثار جلدها؟
من يجلد ذاته يصبح انساناً سلبياً في تصرفاته، منهك متعب مريض لايستطيع مواجهة المشكلات في حياته، عديم الثقة بنفسه ولايعلم استحقاقاته ، متقلب المزاج وهذا بالذات يجعل من حوله ينفرون منه بسرعة، وللأسف الشديد هو لايرى النعم التي تحيط به من كل جهة، فيبدل الشكر بالجزع والاعتراض الدائم _والعياذ بالله_، وهو دائم الشعور بالكسل ونفاذ الطاقة وبالتالي يتباطئ أداؤه، هذا اذا لم يتوقف عن أداء مهامه.
حلول وطرق للتخلص من جلد الذات :
١- معاشرة الايجابيين واحاطة النفس بمن لديهم طاقة إيجابية عالية ونشاط مستمر.
٢- تعلُّم مهارة التسامح، فالله بعظمة جلاله وكرمه يسامحنا اذا تبنا إليه توبة نصوحا.
٣ – قبول الماضي بما فيه من أخطاء ثم التخلِّي عنه بما فيه، بعد أخذ الدروس منه والعبر.
٤ – معرفة نقاط القوة ومحاولة الاستفادة منها، وتوظيفها فيما يناسبها من مجالات العمل، وأيضاً لابدَّ من معرفة نقاط الضعف ومحاولة تعزيزها وتقويتها اذا كان بالإمكان حتماً بعد تقبلنا لها.
٥- الاستعانة بالله وعدم اليأس وطرد الوساوس من النفس.
٦ – ممارسة حياة صحية (رياضة، طعام صحي، تنفس عميق، شرب الماء …).
٧- اشغال النفس بأمور مهمة وفعالة، تكون كفيلة بتجنب التفكير الزائد وتحليل الأمور أكثر مما يجب.
٨- التفكير بنتائج جلد الذات السلبية على النفس أولاً وعلى الجسد ثانياً .
٩ – تذكُّر النِعم وتعدادها بإستمرار ودوام الشكر عليها.
و أخيراً؛ نرى أنَّ معاتبة الشخص لنفسه إذا ما بدر منه تصرف غير محبب، أو عند التقصير في حقوق الاخرين، أمر جيد وصحي وهي النفس اللوامة، ويزداد العتاب كلما عظم الفعل، الا أن الأمر قد يتطور أكثر من الحد الطبيعي ليدخل الانسان فيما هو خطر وسيء حيث تلاحقه أخطاؤه وتلحَّ على ذهنه باستمرار مشاعر الأسف والادانة إلى أن يدخل في حالة من الاكتئاب ،فتسيطر عليه أفكار سلبية منها أنَّه سيء، فلايغفر لنفسه في حال أنَّ الله عزوجل بعظمة جلاله قد غفر له وحتى الآخرين.
إذاً المطلوب هو المحاسبة والندم والتوبة، لا الجلد والإدانة فمن الممكن أن يتسببا في عقدة نفسية تحول دون وصول الانسان إلى غايته وأهدافه المنشودة وهذا غير مطلوب بالطبع.