قال أمير المؤمنين، عليه السلام: “يا بني العقل خليل المرء والحلم وزيره والرفق والده والصبر من خير جنوده”
في هذا المقطع يبين أمير المؤمنين، سلام الله عليه، أهمية العقل للإنسان، والأمور التي من خلالها يتم تنمية العقل.
“العقل خليل المرء” فالعقل هو الذي يصاحب الإنسان، ويحميه في كل مكان وزمان، والمقصود من الخِلّة؛ هي الصُحبة التي تعضد الإنسان، كأن يقول أحدهم: أنا معك.
وفي التعبير القرآني ما مفاده: أن الله مع المؤمنين، او مع خصال الخير التي يتصف بها الناس” من كان مع الله كان الله معه”، وإذا كان الله مع الإنسان فإنه لا يُغلب، وإذا كان العقل مع المرء فإنه يحميه من المزالق، وتقلبات الظروف، ويحميه في أي فترة من فترات الازمات، ونقاط الضعف وما شابه، ولهذا متى ما احتاج الإنسان الى العقل فإنه معه.
سلامة مسير الإنسان، وإمكانيته وقدرته على مواجهة التحديات والمتغيرات يكون بالعقل
فسلامة مسير الإنسان، وإمكانيته وقدرته على مواجهة التحديات والمتغيرات يكون بالعقل، وإذا رافق العقل الإنسان فإن بإمكانه ان يتغلب على كل الظروف، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “ميدانكم الأول انفسكم إن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر وإن عجزتم عنها فإنكم عن غيرها أعجز”.
“والحلم وزيره” الحلم يعضد العقل، فبقدر ما يكون لدى المرء عقل، يكون لديه غلبة، فيرتقي بالحلم، فالعاقل هو الذي يكون حليما، لأن الحلم هو الهدوء، وعدم ردود الأفعال الغاضبة، وبالتالي عدم الغضب، أي عدم الخروج عن الوضع الطبيعي، فقبل أن يصدر منه أي موقف، يفكّر بشكل سليم، وبالتالي اتخاذ القرار السليم والوصول الى الرؤية الصائبة.
“والرفق والده” وهو الذي يضاعف العقل، فالوالد ينجب، ويرعى، وينمي..، والرفق يقوم بدور تنمية العقل، ويراعاه الى أن يكبر ويتكامل، كدورالأب الذي يراعى ابنه الى ان يتكامل، والرفق نوع من انواع الرحمة، وهو تعبير عن اللين والعطف.
في المقابل نجد النقيض وهي القساوة، والشدة، فالأب حين يقسو على ابنائه يسيء تربيتهم، ولكن حين يكون رفيقا بهم، يعكس الحالة الطبيعية من التربية، بعيداً عن العُقد، وبالتالي يربيهم تربيةً سليمة.
ولذا لابد أن نعوّد أنفسنا على الطبائع الرحيميّة، حتى تنمو عقولنا، فتنمية العقل ليست بالعضلات، وإنما تكون تنميته بالرحمة والعطف، واللين، يقول الله ـ تعالى ـ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
الرحمة هي التي حبّبت الناس الى الدين، وهذا هو العقل، لأن بها يُدارى الناس، فـ”المدارة نصف العقل”، ولا تتأتى المداراة إلا بالعطف واللين..، ولهذا إذا اردنا أن ننمي عقولنا لابد أن نستحصل روح المداراة، وبالتالي عدم القسوة والعنف، والخشونة وما اشبه.
“والصبر من خير جنوده” الجند يحمون الإنسان من الاعداء، ومهتمه أن يضحي من أجل حماية الآخرين، أو دفاعا عن القيم والمبادئ وما شابه، فالصبر هو الجندي الذي يدافع عن العقل، وهو من خير الجُند.
الإنسان العاقل من خلال سلوكياته وممارساته يواجه أعداء، وأولئك الاعداء يمنعونه من مواصلة الطريق. البعض قد يتراجع، ويتعب، وينهار..، فيشفل المشروع، ويتوقف عن المسير، لكن في حال وجود الصبر فإنه يفند كل تلك التعرجات والمشاكل، يقول الله ـ تعالى ـ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}. ويقول ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
فحين يتعرّض الإنسان المؤمن الى السب والشتم فإنه يصبر الى أن يكمل الشاتم كلامه، ثم يردّ ـ المؤمن ـ عليه بهدوء، فالصبر في هذا الموقف يولّد نوعا من الحلم، وبالتالي مراعاة العقل، وعدم خروج الإنسان من طوره، والصبر هنا تكفّل بحضور العقل وبقائه.
فالإنسان المؤمن عند القيام بعمل ما، يجب أن لا يُصاب بالملل، بل يجب أن يصبر، ويعوّد نفسه على الصبر، ـ فمثلا ـ حين يقرأ صفحة من كتاب فينتابه الملل، يحاول أن يرغم نفسه على قراءة الصفحة الثانية، او حين يقوم المرء المؤمن بمشروع معيّن، فيأتي البعض لتثبيطه، يجب ان لا ينخدع وإنما ذلك مجرد وساوس، وعليه الصبر والاستمرار في الطريق الذي بدأ به.
بقدر ما يكون لدى المرء عقل، يكون لديه غلبة، فيرتقي بالحلم، فالعاقل هو الذي يكون حليما، لأن الحلم هو الهدوء، وعدم ردود الأفعال الغاضبة، وبالتالي عدم الغضب
ولهذا لابد أن نعلّم انفسنا على الصبر إذا فقدنا أي شيء، فقد تنزل علينا نائبة، أو ما أشبه مما يكره الإنسان، هنا يأتي موطن الصبر، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “الصبر صبران؛ صبرٌ على ما تُحب وصبر على ما تكره”، قد يفقد البعض شيئا يحبه فيخرج عن طوره الطبيعي، كأن يفقد أباه أو أخاه ..، وهذا هو موضع الصبر الذي لابد أن يتجلى عند الإنسان المؤمن.
او قد يأتي على الإنسان شيء يكره، كأن يتعرض للشتم والسب، أو النقد، فإذا دخل ـ مثلا ـ في لجنة عمل خيري لصلاح المجتمع، وفي خضم هذا العمل يتعرض للنقد، والإنسان يكره أن يُنتقد وأن تُظهرَ معايبه، فإذا لم يكن لديه صبر وتحمّل، فإن ذلك النقد يجعله يترك أي عمل، ومنها العمل الخيري، بل البعض قد يترك هكذا أعمال خيريّة لمجرد ملاحظات بسيطة على بعض الأمور، وهنا تأتي ميزة الصبر التي لابد أن نتحلّى بها جميعا.
والمثل السابق شيء بسيط لاهتزاز البعض، فماذا لو وقعت حرب على البلد، أو أن مجتمعه يحاصره، ويقومون بتشويه سمعته، فكيف سيكون موفقه إذا لم يتمتع بالصبر؟
لذا فإن الصبر من خير جنود العقل، لأنه يحافظ على مسير الإنسان، لأن الأمور التي يقوم بها المرء ويتعرض فيها مسيره الى صعوبات ومشاكل، تحتاج الى صبر، حينها تتهاوى تلك المطبات والصعوبات.
إنّ للعقل أهمية كبيرة في حماية الإنسان من المنزلقات، والأخطاء التي تؤدي الى المواقف الخاطئة، وبالتالي فإن الإنسان يحتاج الى العقل في الظروف الطبيعيّة والعصيبة، وبالأخص في الأزمات، والتقلبات وما شابه، ولذلك يعبّر أمير المؤمنين، عليه السلام: “العقل خليل المرء ..”، وتنمية العقل تكون من خلال ثلاثة أمور: الحلم، وهو الذي يعضد العقل والرفق؛ وهو الذي يرعاه ويحفظه، والصبر، وهو الحصن الذي يدافع عن العقل، وهذه ثلاثية أساسية لتنمية العقل وعلينا أن نسعى لتحصيلها.