قال أمير المؤمنين عليه السلام: “يا بني لا فقر أشد من الجهل، ولا عدم أشد من عدم العقل، ولا وحدة ولا وحشة أوحش من العجب، ولا حسب كحسن الخلق، ولا ورع كالكف عن محارم الله، ولا عبادة كالتفكر في صنعة الله عز وجل”.
أهم ما يحتاج اليه الانسان في بناء شخصيته؛ العلم والعقل، ومن يفتقرهما، فإنه يفقد حقيقة وجوده، “لا فقر أشد من الجهل”، الانسان الفقير ليس من لا يملك المال فقط، وانما الاشد فقرا هو من يفتقر الى العلم.
وحتى لا يفتقر الانسان الى العلم؛ أنزل الله ـ تعالى ـ الرسل، وبعث الانبياء، وجعل الاوصياء، ومن ثم بعد ذلك جعل العلماء امتدادا لرسالة وحي السماء.
فوحي السماء ركيزة اساسية في بناء الشخصية، ولذلك مَن يريد بناء شخصيته لابد ان يرتبط بوحي السماء، والركيزة الاخرى هي بناء العقل، فالعقل والوحي يتكاملان، ويكمّلان بناء شخصية الانسان.
لذلك يقول الإمام الكاظم، عليه السلام: ” يا هشام نُصبَ الخلق لطاعة الله، ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد، ولا علم إلا من عالم رباني، ومعرفة العالم بالعقل”.
فالمعدوم ليس ذلك الذي لا يملك مالا، ولا لباسا، إنما المعدوم هو الذي يُعدم العقل، ولذا يجب أن ينصب اهتمامنا على بناء معرفتنا بالله واحكامه، وبناء عقولنا، وهي رسالة الانبياء، “ليثيروا لهم دفائن العقول”، والقرآن الكريم ـ وهو العلم ـ نزل لقوم يعلمون، ويعقلون؛ {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
نحن بحاجة الى علم؛ وهو القرآن الكريم، وروايات النبي الأكرم، وأهل بيته الطاهرين، صلوات الله عليهم، لذا ” العلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد ولا علم إلا من عالم رباني
فأهم ركيزتين لبناء شخصيتنا هما؛ العلم والوحي، لذلك فوحي من دون عقل لن نستفيد منه، فحينما نغيّب العقول نفهم القرآن الكريم خطأً، أو نأوله بزيغ القلوب، لذلك ترى المذاهب المتناقضة تقول: أن القرآن وحي السماء، وهو العلم، ولكن لأن العقول غائبة، فإن الوحي لا يكون له تأثيراً، ولا يحقّق هدفه، بل قد يكون ذلك بعكس الهدف الذي جاء من أجله، لذلك لابد من تلازم هذين الشيئين ـ العقل والوحي ـ.
في المقابل ترى أناس اُعطوا الفهم والاستيعاب، لكنهم حرموا من وحي السماء، فكانوا يعيشون التيه والضلال، ولكن حينما جاء وحي السماء، واطلعوا على القرآن الكريم، اهتدوا، وآمنوا بالله ورسوله.
اذن لابد من عقل وعلم، وهما ركيزتان لابد أن نسعى لايجدهما في انفسنا، ثم من حولنا، ويكون ذلك بالارتباط بالقرآن الكريم، وروايات النبي، وأهل بيته، صلوات الله عليهم.
- من هو المثقف الحقيقي.
البعض يعتبر نفسه مثقفا ومفكراً وهو لا يعرف من الاحكام الشرعية شيئا، فتراه يقرأ بطون القصص، والكتب الاخرى، ولا يكلّف نفسه للاطلاع على احكامه الشرعية، فما قيمته؟
مثل هذا يعتبر جاهلا، وهناك روايات تؤكد على هذا، ولذا حين تجلس مع هذا النوع من الاشخاص، تراه مستعدا لسرد الاخبار الكثيرة، في المقابل حين تسأله عن حكم شرعي، تجده لا يعرف عنه شيئا، وهذا ـ حسب الروايات ـ يعد من الكذابين.
لذلك نحن بحاجة الى علم؛ وهو القرآن الكريم، وروايات النبي الأكرم، وأهل بيته الطاهرين، صلوات الله عليهم، لذا ” العلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد ولا علم إلا من عالم رباني”، فالعالم الرباني من يقول: قال الله؛ قال الرسول، وليس قالت المصالح، والاهواء، ويعني ذلك أنه يستمد علمه من الرب، أي وحي السماء.
فحتى لا نبقى في مستقع الفقر، لابد أن نتعلم، فنعرف احاكمنا الشرعية، ومسائلنا العقائدية، والقرآن الكريم قد تكفّل ببيان ذلك، لكن نحتاج الى عقول لقراءة كتاب الله، وحتى المعلّم الذي نأخذ منه لابد أن نتعلم منه بعقل، فمن يدري أنه كلامه صحيح؛ فهو يتكلم بفهمه الخاص، وقد يكون ـ فهمه ـ خطأ، وهناك علماء ربانيون يحدث عندهم بعض الاشتباهات، وهنا لابد يكون عقل الإنسان متفتحا.
- الاكتفاء بداية السقوط
” ولا وحدة ولا وحشة أوحش من العجب” مشكلة الانسان حينما يعجب بنفسه يهلكها، فيتصور البعض أنه عالما، فيدفعه ذلك الى عدم التعلّم، ويكتفي بما عنده بمجرد انه تعلم بعض الامور. لذلك “اعجاب المرء بنفسه مهلكة له”، فهو يعتقد بأمور خاطئة ويظنها صحيحة، ولأنه يعجب بنفسه لا يجد خطأه، ولا يرى نواقصه.
الإنسان ليس معصوما، فهو ناقصا وقد يخطئ، وحين يغفل عن هذه الامور، يعيش الوحدة والوحشة، وقد يكون ذلك في الدنيا والآخرة، والأخيرة أهم، ففي قبره يبقى وحيدا موحشا، لأن خالي الوفاض من الاعمال الصالحة.
البعض يعتبر نفسه مثقفا ومفكراً وهو لا يعرف من الاحكام الشرعية شيئا، فتراه يقرأ بطون القصص، والكتب الاخرى، ولا يكلّف نفسه للاطلاع على احكامه الشرعية، فما قيمته
أما في الدنيا فهو حين يستعلي على الآخرين ويتكبّر عليهم، فإنهم ينفرون منه، لأن الانسان لا يحب احدا يتعالى عليه، وغير مستعد للعيش مع ذلك المتكبّر، ولذلك فهو ـ المتكبر ـ يعيش الوحدة ة والوحشة، وحتى لو قبل الآخرون العيش معه، فإنهم يقبلونه على مضض ـ وهو يعلم بذلك ـ ولهذا فهو يعيش في داخله النفسي الوحدة والوحشة.
والوحدة والوحشة الحقيقية هو ان يبقى ـ ذلك المتكبر ـ محجوبا عن الحقائق، وإذا بقي والحال كذلك، فهو الذي يخسر، لأن قيمة الإنسان بمعارفه، لان المعارف توسع آفاقه، وتكوّن له علاقات واسعة في الدنيا والآخرة.
والاعجاب بالنفس هو الاكتفاء، وبالتالي وضع حدا معينا للتعلم، والتوقف عند ذلك الحد، وكذا قد يعجب البعض بإيمانه فيظن انه وصل حدا لا يمكنه رفع مستواه الايماني.
ـ على سبيل المثال ـ البعض من رواد المساجد يتصور انه أكثر الناس تقوى، ومعرفة وما شابه، تراهم يكتفون على ما هم عليه، فالبرامج تنهار، وعملية الحراك الديني تتوقف والمستوى العلمي يهبط، فبدل أن يرتقوا توقفوا، واصبحوا ـ أيضا ـ سدّاً منيعا أمام تقدم الآخرين.
وهناك بعض العلماء من اصابه هذه المرض ـ العجب ـ فتراه اقل الناس معرفة وعلما، ويريد ان يصبح قائد على الناس بالعنوة، وأثر ذلك ان ترى مستوى المجمتع هابطا ومتدنيا، في الجانب الديني، والاجتماعي، وفي بقية الامور الاخرى، وهناك نوع آخر من العلماء، وهو الذي يكون المجتمع بحاجة اليه، لكنه ـ العالِم ـ يتوقف عن بناء نفسه، ويصل بها الى سقف معين، بعيدا عن متطلبات الناس.
إن بناء الشخصية بناءً كاملا، لا يكون إلا بالعلم والتعلّم، وذلك العلم يكون عن طريق الوحي، والعقل هو مصباح الإنسان في هذا الطريق، ولذا فإن العقل والعلم ركيزتان اساسيتان في بناء شخصية الإنسان، وما دونهما لا يمكن للإنسان أن يتقدم قيد أنملة.