بصائر

ثقافة الأمة تواجه خطر (التهجين)

أليس من حقنا أن نتساءل؛ إلى متى يبقى المسلمون بهذه الوضعية المزرية؟ والى متى يتقاتلون؟ والى متى يحكمهم أشخاص عاجزون عن ..

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي* فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ *وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
صدق الله العلي العظيم. (سورة الزمر،14-18)
أليس من حقنا أن نتساءل؛ إلى متى يبقى المسلمون بهذه الوضعية المزرية؟ والى متى يتقاتلون؟ والى متى يحكمهم أشخاص عاجزون عن النطق السليم، وعن الحركة؟ والى متى يقتل بعضهم بعضاً، الى درجة اصبحوا معها سخرية للعالم؟ أليس لهذه المآسي حدّ؟ أم أن الله فرض علينا – حاشاه- أن نكون هكذا والى الابد؟ أو أننا قررنا لانفسنا هذا المصير؟
علينا أن نطرح اسئلة محورية ومصيرية، ونحدد بشجاعة وعمق اسباب الظروف الصعبة والسلبية التي تعيشها الأمة، وجذور المشاكل والازمات التي تلف حياة المسلمين في معظم بلدانهم.
نحن نعيش وضعاً و واقعاً غير طبيعي في عالمنا اليوم، ونحن في القرن الواحد و العشرين، فأين نحن من العالم؟ وهذا يحتاج الى تساؤل حقيقي وجدي عن اسباب ما وصلنا اليه، وهذا التساؤل ليس مجرد نافلة من القول، إنما يمسّ الاساس والجذور، وأعتقد أن الاجابة على ذلك يتلخص في عدة عوامل أهمها ما يجب ان نبحث عنه ونشخصه ونعيه جيدا:

  • العامل الاول: المؤامرة والدسائس

ولعله الأهم؛ ان هناك أجندات ومؤتمرات سرية عقدت و لا تزال تعقد، و توافقات بين الدول الكبرى، خصوصا بين ما تسمى بمجموعة الدول الثمانية، على ان لا تقوم للمسلمين قائمة، حتى لو كان هذا المسلم مجرد اسم، بل وحتى لو ركع أمامهم، وكان مطيعا لهم.
إن الغرب و القوى الظلامية فيه، ما تزال تحمل تلك الرؤية القديمة التي تعود الى الحروب الصليبية، وهم يتعاملون اليوم مع عالمنا الاسلامي وفق هذه الرؤية، وقد تجلى ذلك وبشكل سافر بعد احداث 11ايلول، حين أعلن الرئيس الامريكي الحرب على افغانستان، وقال كلمته الشهيرة بكل وضوح، ووصفها نصّاً بأنها «حرب صليبية جديدة»! ثم شن الحرب على العراق، واستخدم «سفر التكوين» لوصف الحرب على العراق بأنها «مهمة باسم الرب»! وهكذا يستخدمون الدين في صناعة الحروب ضد البلاد الاسلامية، كما يجري في اليمن وفلسطين والصومال، وبلاد أخرى.
هذه ليست قضية ثانوية، بل لابد ان نتوقف عندها بجد، فالغربيون حسموا قرارهم، فهم يعملون المستحيل في سبيل تفتيت العالم الاسلامي، من خلال ضرب المسلمين بعضهم ببعض، ومنعهم من التقدم الثقافي والنمو الاقتصادي، مستخدمين وسائل عدّة في مقدمتها الجماعات المتطرفة والارهابية مثل؛ داعش والقاعدة.

  • العامل الثاني: التاريخ

وهو ما يرتبط بما وقع فيه من أحداث أثرت سلبيا على واقع الأمة الى اليوم، ومن ذلك تمجيد فترات سيئة، وتلميع صور سلاطين وحكام تسلطوا على الامة باسم الاسلام تارة؛ والعروبة والقومية وغيرها، تارة اخرى، بينما الحقيقة ان ذلك كان ولايزال له أسوأ الاثر على الأمة.
فنحن مصابون في تاريخنا، والمشكلة الكبرى الى الآن؛ أن أحدنا لايستطيع بسهولة أن يجلس ويفكر وينقد ويراجع ويحلل التاريخ، إحدى الباحثات من المغرب العربي كشفت قبل مدة من خلال تحقيق علمي قامت به، وبلا انحياز وانتماء مذهبي، وقالت انها توصلت الى أن رسول الله، صلى الله عليه وآله، مات شهيداً مسموما، فأقاموا الدنيا عليها بسبب قولها هذا!
ممنوع عليك أن تبحث بالتاريخ، وتكشف العلل والاخطاء والتضليل، وسوءات الكثير من الحكام والانظمة التي حكمت الأمة، وممنوع عليك أن تنتقد وتبحث في تاريخ حكام بني أمية وبني العباس، وتبين حقيقة ما كان يفعل أولئك السلاطين والحكام؟ بل يُفرض علينا وعلى ابنائنا في المدارس تمجيد أولئك الطواغيت، وتلميع صورتهم، والسبب وراء ذلك؛ أن ثمة محاولات حثيثة لاستنساخ تجارب أولئك الماضين ليكونوا نماذج مستمرة في حياة امتنا.

  • العامل الثالث: الثقافة

كان لدينا وما يزال؛ منبع ثقافي عظيم ومنير؛ القرآن الكريم، وسيرة وكلمات اهل البيت، عليهم السلام، ولدينا منهج ثقافي واضح نسير عليه. كما لدى الحكام و السلاطين نهجهم، وقد نهض العلماء والحوزات العلمية بدورهم في الحفاظ على ثقافة الأمة، لكن هذه الثقاقة وللاسف تتعرض لما يمكن وصفه بالتهجين، مثلما ترون اليوم كيف يتم انتاج الفواكه ومحاصيل زراعية تُدعى بالمعدلة وراثيا، أي يغيرون ويعدلون في جيناتها وتكوينها، كذلك الحال في ثقافتنا، فأتوا بأفكار وثقافة غريبة ودخيلة من آخر الدنيا و ادخلوها وفرضوها بالقوة في بلادنا عبر طرقهم و اساليبهم.
وهذه الثقافة، -بالحقيقة- هي أصل القضية، وهي العامل الاساس، لانها تعنى بالانسان وعقله، فاذا سَلِم عقله يستطيع ان يتحدى المال و يتحدى التاريخ و ضغوط المجتمع بالثقافة السليمة والاصيلة، وأن يكون سيد نفسه، بل وسيد الطبيعة، وهذا ينطبق على الانسان الفرد كما على المجتمع والبلد وبالتالي الأمّة.
مثالٌ على ذلك؛ ما يجري في بريطانيا التي تواجه خطر الشيخوخة وتراجع أعداد الشباب، وايضاً تراجع اعداد المواليد نتيجة انخفاض نسبة الخصوبة، فانهم، ولأجل ديمومة ماكنتهم الاقتصادية، يقبلون بالمهاجرين ولكن؛ بشروط يملونها عليهم، وهذا الشرط، ما قررته بريطانيا مؤخرا، وهو على ما يبدو سيتم تعميمه كقانون في الأمم المتحدة تفرض على الدول التي توقع عليها، تدريس اطفالهم من سنّ الرابعة، الامور الجنسية، وبذرائع ومبررات واهية، والذي لايقبل بذلك عليه أن يخرج من بريطانيا، ولذا فان قسماً كبيراً من المسلمين بدأوا من الآن التفكير في الهجرة من بريطانيا.
هؤلاء؛ ومن خلال قرار كهذا يقومون بتحطيم الاسرة، وسلخها عن قيمها وثقافتها، فهم لديهم وسائل الاعلام بكل اشكاله وانواعه، وايضاً السياسة والقانون والاقتصاد، لكنهم يقفون عاجزين أمام حصن الاسرة المنيع، لذا يحاولون اليوم تدميره.

  • مسؤوليتنا

امامنا عدة خطوات لابد من اتباعها:
1- العـــودة الى ثقافتنا وقيمـــنا والحفاظ عليها.
2- تنقية الثقافـــة مـــن الشوائب والامور الدخيلة عليها.
3- تكريس ثقـــافة القـــرآن، وأهل البيت، عليهم السلام.
في الآيات التي توجنا بها الحديث، يقول ربنا تعالى:
{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي}، هذه العبادة على انواع، ومن جملتها ما يمكن أن نسميه «العبادة الثقافية»، بأن اعبد الله، و اقبل كل ما يقول لي ويأمر به وينهى عنه ربي سبحانه:
{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}.
ولو فكر الانسان وبحث عن عدد السنين التي يمكن ان يعيشها في هذه الدنيا، ولو أن متوسط العمر فيها يكون ثمانين سنة، او أقل او أكثر، لوجد أن عمره فيها بالقياس الى حساب ومقياس الآخرة، يكون بالدقائق او الساعة على اكثر تقادير، بل قد لايتجاوز ثواني، وربما لايمكن احتسابه، فكيف ولماذا يقبل أن يكون في ذلك الخسران المبين، بأن يخسر نفسه في الدنيا اولا، ويخسر آخرته ومصيره الأبدي؟
ثم يقول تعالى:
{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ}.
لا تسمع لكلام الطاغوت، ولا تسمع لكلام من يتجبر على الناس. فالانسان طبيعياً، ولظروف ما، كالضعف الذي يعانيه، ربما يميل في الغالب الى القوي وذي السلطة، فلو قالوا إن فلاحاً تكلم بحديث ما، ربما لن تجد لأحد اهتماماً به، بعكس ما لو كان المتحدث رئيس الجمهورية -مثلاً- او غيره من كبار الساسة والمسؤولين، بينما رئيس الجمهورية لديه عقل، كما أن الفلاح له عقل ايضاً، وربما يكون عقل ومنطق وكلام الفلاح أرجح و أحسن من رئيس الجمهورية.
نحن الآن في مرحلة حساسة، يجب ان ننبعث ثقافيا، وأن نعود الى القرآن وبصائره، وكلمات وبصائر أهل البيت، عليهم السلام، كل واحد منّا مسؤول عن نفسه اولاً، حتى لا يُخدع، ربك أعطاك عيناً حتى لا تقع في الحفرة، كما أعطاك أذناً حتى تسمع لمن يحذرك وينصحك، وأعطاك العقل حتى تستفيد منه وتميز به، حتى تستخدمه ولا تهمله وتقتله، حتى كلمات أمثالي فوق المنبر يجب أن تقيّمها، و تحللها، فأنت إنسان مسؤول، وهذا الكلام إن أثر فيك، وكان كلاماً تراه غير طبيعي، وغير حسن، فانه سيؤثر عليك سلباً.
إذن؛ علينا ان نتحمل مسؤوليتنا، أولا؛ في انفسنا، وثانياً في أهلينا، وثالثاً في محيطنا ومجتمعنا، وأن نضيء ونُبَـــصِّر مـــن حولنا، ونفهمهم بالثقـــافة الصحـــيحة، وهـــذا أحـــد العـــوامل الاساسية التي تغير واقـــع الأمة بإذن الله -تعالى- نحـــو الأحســـن، وتمنحها المنعة والحصـــانة الكافية واللازمة، وبـــهذا ايضا نقـــاوم الذين يريدون تحطيم أمتنا و تركيعها وجعلها أمة تابعة و ذليلة لهم.

عن المؤلف

اترك تعليقا