يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَتَوِّجْنِي بِالْكِفَايَةِ، وَسُمْنِي حُسْنَ الْوِلايَةِ، وَهَبْ لِي صِدْقَ الْهِدَايَةِ، وَلا تَفْتِنِّي بِالسَّعَةِ، وَامْنَحْنِي حُسْنَ الدَّعَةِ، وَلا تَجْعَلْ عَيْشِي كَدّاً كَدّاً، وَلا تَرُدَّ دُعَائِي عَلَيَّ رَدّاً“
من يراجع الزمنية التي عاشها الإمام السجاد، عليه السلام، يجد أن في فترة إمامته، كانت الأمة الاسلامية آنذاك، تعيش حالة من الطبقية المترفة جدا في المجتمع، نتيجة الفتوحات من جهة، وتسلّط بني أمية من جهة أخرى، وتلك الطبقة المترفة، كانت هي المرتبطة بالسلطة، وطبقة ـ أخرى ـ كادحة تعاني الوضع الاقتصادي السيء.
الأئمة عليهم السلام، لم يتركوا اوضاع الأمة العامة، إلا ووضعوا لها معالجات، فحالة الطبقية التي وجدت في الأمة في زمن الإمام زين العابدين، عليه السلام، وضع ـ الإمام ـ معالجة لهذه الحالة، فمن جهة يوجه ـ الإمام ـ المترف بأن ترفه يعد خطأ، ومن جهة أخرى يوجه الكادح بتغيير واقعه.
قال النبي، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : “نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن ولا تتخذوها قبورا كما فعلت اليهود والنصارى صلوا في الكنائس والبيع وعطلوا بيوتهم فإن البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره واتسع أهله وأضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الدنيا”
قبل بيان كلام السجاد، عليه السلام، لا بد من ملاحظة جوهرية؛ وهي ان مصدر الرزق هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ، وعلى سبيل المثال، إذا كان هناك موظف ويملك بيت وسيارة وأملاك..، فإذا قام بإحصاء جميع املاكه، ووضعهن أمام الراتب هل كان الراتب يستطيع جلب كل تلك الأملاك؟
فحساباتنا الدنيوية المادية تختلف عن حسابات الله ـ تعالى ـ؛ فهو المعطي والرازق، ولهذا فإن ـ تعالى ـ يعطي الإنسان الرزق من حيث لا يحتسب، حتى نفهم أن هو الرزاق، وليس بكد اليمين وعرق الجبين، إنما وصل الرزق بعطية من الله.
صحيح؛ أن هناك موانع للرزق، وعلينا الالتفات لها، فقد يعيش البعض تحت وفرة النِعم، لكن حياته في بيته ـ مثلا ـ تمر بصعوبة، وهنا لا بد من البحث عن الخلل الحاصل، ولذا جاءت الروايات التي تحث على قراءة القرآن الكريم في البيوت، قال النبي، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : “نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن ولا تتخذوها قبورا كما فعلت اليهود والنصارى صلوا في الكنائس والبيع وعطلوا بيوتهم فإن البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره واتسع أهله وأضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الدنيا”.
وعن الرضا عليه السّلام، يرفعه إلى النبي، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، قال : “اجعلوا لبيوتكم نصيبا من القرآن فإن البيت إذا قرئ فيه القرآن تيسر على أهله وكثر خيره وكان سكانه في زيادة وإذا لم يقرأ فيه القرآن ضيق على أهله وقلّ خيره وكان سكانه في نقصان”.
والاسلام جاء وعالج هذه القضايا، فبالاضافة الى الى قراءة القرآن الكريم في البيت، لجلب الرزق، كذلك فإن الاستغفار احد تلك الأمور التي ترفع موانع الرزق ويؤدي الى جلبه، عن الإمام الصادق، عليه السلام: “إذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فإن الله عز وجل قال في كتابه {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} يعني في الدنيا {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ} يعني في الآخرة”، فذلك الاستغفار قد يكون لذنب عمله الانسان، وهو ـ ذلك العمل ـ مانع للزرق، فيكون الاستغفار لرفع الذنب وجلب الرزق.
ولذا يطلب الإمام زين العابدين، علي السلام، من الله تاجا ـ والتاج هو الذي يزين الإنسان ـ فما هو ذلك التاج الذي يطلبه الإمام في دعاء مكارم الأخلاق؟
“وَتَوِّجْنِي بِالْكِفَايَةِ”، فيبيّن الإمام، عليه السلام ـ كما سيأتي ـ أن الكفاية تجعل الإنسان لا يحتاج الى احد، ولذا من المكروهات أن يسأل الإنسان، ولذا قيل: “السؤال ذُل وان كان وأين الطريق”، ولهذا من المهم أن يكون اعتماد الانسان على نفسه مهما أمكن.
يقول ابن الميرزا مهدي الشيرازي: كنت اتمنى من أبي أن يطلب مني ولو طلبا واحدا، ولو على مستوى جلب الماء له!
وإذا راجعنا صفات علماءنا، نجدها على هذه الشاكلة، يقوم بالأعمال (الشخصية) دون الحاجة الى أحد، وهكذا حثّت روايات أهل البيت، عليهم السلام.
ولذا نجد بعض الناس كَلٌّ على غيره، بعكس الإنسان المؤمن؛ فهو”كثير المعونة قليل المؤنة”. فالمؤمن الذي يعتمد على نفسه في القدرة على توفير حاجياته ورزقه، فهو يمتلك تاج الكفاية.
حساباتنا الدنيوية المادية تختلف عن حسابات الله ـ تعالى ـ؛ فهو المعطي والرازق، ولهذا فإن ـ تعالى ـ يعطي الإنسان الرزق من حيث لا يحتسب، حتى نفهم أن هو الرزاق، وليس بكد اليمين وعرق الجبين، إنما وصل الرزق بعطية من الله
“وَسُمْنِي حُسْنَ الْوِلايَةِ”، (سمني) من الوسام؛ اي العلامة، فسابقا كان توسم الحيوانات وسم، فالوسم الذي يريده الإمام السجاد، عليه السلام، هو حسن الولاية، وتعني، أن الإنسان الذي يتولى الله ـ تبارك وتعالى ـ ويرى أنه الله وليه، فهو يرجع إليه في أموره كلها.
“وَهَبْ لِي صِدْقَ الْهِدَايَةِ، وَلا تَفْتِنِّي بِالسَّعَةِ”، الابتلاء بالسعة يجعل الانسان يعيش حالة نفسية غير مستقرة، فهؤلاء المشاركين في اسهم الدولار والبورصة، يعيشون حالات غير طبيعية، فهو على الدوام يتابع ارتفاع الدولار وانخفاضه، وهذا بحد ذاته افتتان. ومن الطرفة، فإن بعض هؤلاء السنوات الماضية، يصلي أمام التلفاز وعينه على ارتفاع الاسهم وانخفاضها! {الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}.
“وَامْنَحْنِي حُسْنَ الدَّعَةِ”، صحيح؛ أن الإنسان لا يطلب الافتتان بالسعة، لكن في نفس الوقت لا يسعى أن لا يكون في ضيق.
“وَلا تَجْعَلْ عَيْشِي كَدّاً كَدّاً”، ترى البعض يشتغل من الصبح الى الليل، وحين يأتي لحساب ليلا يرى انه ذلك السعي ذهب هباء منثورا بلا فائدة.
أحد الاصدقاء قرر شراء بيتا، فأخذ دينا من هذا وذاك، وبعد أن استقر في البيت، بدأ بالعمل على مدار اربع وعشرين ساعة، ففي الليل كان يشتغل حارسا، والنهار كان في عمله، وبعد فترة اشتد به الأمر فمرض بسبب العمل اليومي المتواصل! ولذا جاء في الروايات ان يكون العمل للمعاش ثلث اليوم؛ أما من يجعل ثلثي يومه في العمل فإن ذلك يعرضه للمخاطر، فالإنسان له حد.
“وَلا تَرُدَّ دُعَائِي عَلَيَّ رَدّاً” جاء في الرواية “لو ان العبد اذنب وعلم انه لا يغفر الذنب الا الله ولم يت، فان الله يتوب عليه” كذلك مجرد ان يصل الإنسان الى هذه العقيدة ـ أن الله هو الرازق ـ فإنه ـ تعالى ـ يستجيب دعاءه.