(متاريس الأمة الإسلامية)
- مقدمة
إننا نعيش في عصر كله فتن، وما أصدق وصف رسول الله، صلى الله عليه وآله، لهذا الزمن الأغبر حيث قال في لمَّة من أصحابه: “إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يُصبح الرجل فيها مؤمناً ويُمسي كافراً، ويُمسي مؤمناً ويُصبح كافراً“، وقال، صلى الله عليه وآله: “بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يُصبح الرجل مؤمناً ويُمسي كافراً، أو يُمسي مؤمناً ويُصبح كافراً، يبيع دينه بعَرَضٍ من الدنيا“، بل في آخر زيارة له لأهل البقيع يُهنِّئهم وهم في مقابرهم، حين قال لهم: “ليَهنِكم ما أنتم فيه؛ أتت الفتن كقطع الليل يركب بعضها بعضاً، والآخرة أشد من الأولى“، وأي فتنة أعظم مما نحن فيه في هذه الأيام السوداء؟
ومن طبيعة الفتنة أنها تشتبه الأمور فيها على الناس، فيكادون لا يعرفون الحق من الباطل، ولا يُميِّزون بين الخير والشر، والمؤمن والمنافق، والعدو من الصديق، وتلك الحالة التي قال عنها أمير المؤمنين الإمام علي (ع): (إِنّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهِتْ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ، يُنْكَرْنَ مُقْبِلاَت، وَيُعْرَفْنَ مُدْبِرَات، يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّيَاحِ، يُصِبْنَ بَلَداً وَيُخْطِئْنَ بَلَداً.
أَلاَ وَإِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ؛ فَتْنَةُ بَنِي أُمَيَّةَ، فإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ؛ عَمَّتْ خُطَّتُهَا، وَخَصَّتْ بَلِيَّتُهَا، وَأَصَابَ الْبَلاَءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا، وَأَخْطَأَ الْبَلاَءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا).
وها هي فتنة بني أمية ومنهجهم يرجع إلينا بقوة عجيبة وغريبة، ويتسلَّح بكل قوى الكفر والطغيان العالمية، والتي تتمتع بأقوى أنواع الأسلحة الفتاكة، وأشدَّها علينا هو سلاح الإعلام والغزو التكنولوجي، والحرب الخفية على المعتقدات، والأخلاقيات، والمعنويات، فالغزو الفكري والثقافي، والقصف الفضائي بكل أنواع البرامج اللاأخلاقية والتي تهدف شبابنا، وأجيالنا حتى تُخرجهم من دين الله أفواجاً، بل وتخرجهم من أنفسهم وأصولهم العربية وجعلهم ممسوخات عن أتفه الطبقات عندهم، كالهبيين، وعبدة الشيطان، ولا أقل ترميهم في تنور الإلحاد.
- المنقذ من هذه الفتن
في الفتنة نحتاج إلى وعي، وبصيرة، وصبر، وتمسُّك بحبل الله المتين، الذي أمرنا به رسولنا العظيم (ص) في حديث الثقلين المتواتر (كتاب الله وعترتي)، ففيهما النجاة، وتقدَّم منا حديث مختصر عن التمسُّك بالقرآن الحكيم وعدم هجرانه، واليوم نؤكد على الثقل الآخر الذي يمثل المتراس الأشد لنا في حياتنا وكما قال أمير المؤمنين (ع) في خطبته: (نَحْنُ أَهْلَ الْبِيْتِ مِنْهَا بِمَنْجَاةٍ، وَلَسْنَا فِيهَا بِدُعَاة)، فأهل البيت الأطهار (ع) والتمسك بهم ينقذنا، ويُنجينا من هذه الفتنة الهوجاء، العمياء، المظلمة، في هذا العصر الظالم لنا، المظلم في وجوهنا.
- إعرف إمامك من آل محمد
فأول ما يُنجينا من هكذا فتن هو أن نعرف إمام زماننا ونتمسَّك بعروته الوثقى فإنها العروة التي جعلها الله لنا لنلجأ إليها كلما وقعنا في فتنة، أو ورطة، أو مشكلة ولا منقذ منها، فهو يبقى (ع) النور الذي يُضيء لنا العتمة، والحبل الذي يُنقذنا من الغرق، والمتراس الذي يدفع عنا عوادي الأعداء والأيام، وتقلبات العصور وتغيرات الدهور لأن أزمَّتها بيده، وأمرها عنده ألا نعتقد بأنه صاحب العصر والزمان – روحي له الفداء – فهو بهذا المعنى الدقيق والواسع الذي يشملنا بلطفه، وينظر إلينا برحمته، ويُنقذنا برأفته بنا، فهو تجسيد لرحمة الله في هذه الدنيا.
فالإمام هو رأس الأمر في عصره وزمانه، وبما أننا نعتقد بالإمام المهدي (عج) الذي إدَّخره الله للإنسانية والبشرية ليُخلصهم من شرور أنفسهم، وتعديات بعضهم على بعض، لأن المجتمع البشري من أقسى وأبشع أنواع المجتمعات في الجريمة، فهل اخترع أحد من الخلق القنابل النووية، والهيدروجينية، والفراغية، والكهرومغناطيسية، إلا البشر؟ وهل يصنع أسلحة الدمار الشامل والفناء الحضاري إلا هذا المخلوق الضعيف الذي نسميه الإنسان؟ وهل يستخدمها إلا لفناء وقتل بني جنسه وكلهم إخوته في الخلق ونظراءه في هذه الحياة، فالأب واحد، والأم واحدة والمآل والقبر واحد أيضاً.
فمعرفتنا لإمامنا يعني معرفتنا لطريقنا، وتمسكنا به هو تمسك بحبل نجاتنا، فالهداية والرعاية والحفظ والإنقاذ في هذه الفتن الظالمة لا تكون إلا به (عج)، ونحن ننتظر ظهوره على أحرِّ من الجمر ولكن نحن نؤخر حضوره، ونمنع التواصل معه، فيبقى في العالم يرى بعينه البصيرة، ويسمع بأذنه الواعية، كل هذه المآسي التي تُحيط بنا، وكل هذه الكوارث التي تنزل على رؤوسنا ونحن لا حيلة لنا في دفعها، أو منعها، أو حتى الحيلولة دونها، وصار كثير منا يرون أنها كالقدر التي لا يملك منه نفعاً ولا ضراً، فينظرون للشيطان الأكبر على أنه قدر نازل من السماء.
- تمسَّك بإمامك قدر إيمانك
نحن مؤمنون – بحمد الله وفضله – ولكن إيمان البعض صار مهزوزاً وغير مستقر، ولكن عند الضرورة تراه أسداً هصوراً في إهابه، كما رأينا في استجابة الأبطال للفتوى في الجهاد الكفائي الذي دفع عن الأرض، والعرض، والمقدسات عوادي قطعان التكفير الصهيووهابية المجرمة، وأثبت للعالم أجمع أن لدينا عقيدة راسخة، وإيمان لا يلين، وقائد يرعانا ويؤيدنا وينصرنا على مَنْ عادانا وهو سيدنا ومولانا وإمامنا هادي الأمم ومهدينا أرواحنا له الفداء.
فإمامنا حاضر لنصرتنا، وإنقاذنا، ولكن أعمالنا وبعض ذنوبنا هي التي تؤخِّره عنا، بل تؤخرنا عن لقائه كما قال في رسالته لشيخنا المفيد التي جاء فيها قوله (عج): (ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص، المجاهد فينا الظالمين، أيَّدك الله بنصره الذي أيَّد به السَّلف من أوليائنا الصالحين، أنه مَنْ اتقى ربه من إخوانك في الدِّين وخرج مما عليه إلى مستحقه، كان آمناً من الفتنة المظلة (المطلَّة أي المشرفة عليه)، ومحنها المظلمة المضلة، ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته، على مَنْ أمره بصلته، فإنه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته، ولو أن أشياعنا – وفقهم الله لطاعته – على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخَّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم، السَّعادة بمشاهدتنا، على حقِّ المعرفة، وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه، ولا نؤثره منهم).
- الفرج والظهور المقدس
فمن كلمات المولى – روحي فداه – نعرف أننا نحن مَنْ يؤخر الظهور المقدَّس، فلماذا نؤخره ونحن في كل لحظة وحين ندعو الله بالفرج له، فإذا كان الفرج بأيدينا، ومتعلِّق بأعمالنا فلماذا نؤخره بمعاصينا، وذنوبنا، ومن أعظم الذنوب والمعاصي هو الظلم، والركون للظالم، لأن الإمام ادخره الله لإقامة دولة الحق والعدل في هذه الحياة، كما بشَّر به جده رسول الله (ص) بقوله: (المهدي من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً تكون له غيبة وحيرة تضلُّ فيها الأمم يُقبل كالشِّهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
ولذا كان أفضل أعمالنا (إنتظار الفرج)، لأن فيه فرج للعوالم كلها وللإنسانية برمتها، ويفتح لها باب الأمل واسعاً وعريضاً للعيش في دولة القسط والعدل بسعادة كما يريدها الله سبحانه وتعالى وتنتهي سلطة الطواغيت والجبابرة، ويذهب القوارين وأرباب المال إلى جهنم وبئس المصير، ويعيش الخلق كلهم بأمن وأمان، وسلامة واطمئنان ولا يعتدي أحدٌ على أحدٍ حتى البهائم والوحوش الكاسرة فإن الغذاء سيصلها وبذلك تمتنع عن الاعتداء على الأضعف منها بإذن الله وأمر ورعاية مباشرة من ولي الله روحي وأرواح العالمين له الفداء.
فلنعرف إمامنا (عج) أكثر، ونتمسَّك به أشد، ونؤمن به إماماً ومخلِّصاً وقائداً في هذا الزمن الذي كثُرت فيه الفتن، وجاءتنا من كل ناحية، وصوب كالسيل الجارف ولا منقذ ومنجي منها إلا ذاك القائد العظيم المنتظر، الذي لا يعرفه أحد إلا نحن، وكل أعدائنا يحاربوننا لهذه المعرفة وهذا الإيمان كما أعلن بعضهم جهاراً نهاراً، وأما الآخر منهم فإنهم يُخفون الحقد والعداوة ويحاربونا تحت عناوين أخرى من أبشعها وأشنها عناوين السياسة كالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات.
فاعرف إمامك وتمسَّك به فتنجو من الفتنة الحاضرة.