يقول الامام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَ ادْرَأْ عَنِّي بِلُطْفِكَ، وَاغْذُنِي بِنِعْمَتِكَ، وَأَصْلِحْنِي بِكَرَمِكَ، وَدَاوِنِي بِصُنْعِكَ، وَأَظِلَّنِي فِي ذَرَاكَ، وَجَلِّلْنِي رِضَاكَ، وَوَفِّقْنِي إِذَا اشْتَكَلَتْ عَلَيَّ الأُمُورُ لأَهْدَاهَا، وَإِذَا تَشَابَهَتِ الأَعْمَالُ لأَزْكَاهَا، وَإِذَا تَنَاقَضَتِ الْمِلَلُ لأَرْضَاهَا“.
حينما يدخل الاب وابنه الى الاسواق للتبضع، فإن الابن يذهب الى شراء الحلويات والملهيات من الالعاب وغيرها، لكن الأب باعتباره يرى مصلحة ابنه، مما يضر، او ينفع، لذلك فإن الاب يمنع ابنه من شراء شيء فيه مضرّة، وينبهه الى مضرته، ويحاول بطريقة لطيفة ايصاله الى الاختيار السليم والافضل، والطعام الأزكى.
حياتنا قائمة على الاختيارات، فيحن تدخل محلا للتسوق، فإنك تختار جبنا معين، ولا تختار غيره، وفي الانتخابات، تختار حزبا، وتترك الآخر، وكذا في عملك الذي اخترته، وتركت غيره، حتى في الكلمات، فإنك تستخدم كلمة، ولا تتكلم بغيرها، وكذا في بقية الأمور
في المقابل إذا كان هناك طفل آخر في نفس الاسواق، ويذهب باتجاه البضائع التي منع الأب ـ المذكور ـ ابنه من شرائها، فذلك الطفل لا يعني له شيئا، ولا يمكن له أن يمنعه، او يرشده الى الاصلح، او يمنعه من المضر، نحن في هذه الحياة كهذا الطفل.
فحياتنا قائمة على الاختيارات، فيحن تدخل محلا للتسوق، فإنك تختار جبنا معين، ولا تختار غيره، وفي الانتخابات، تختار حزبا، وتترك الآخر، وكذا في عملك الذي اخترته، وتركت غيره، حتى في الكلمات، فإنك تستخدم كلمة، ولا تتكلم بغيرها، وكذا في بقية الأمور.
والإنسان عادة يقع في تزاحمات، بين اختيار هذا وترك ذاك، وقد يكون كِلا الشيئان صحيحان، فأيهما أصح، وقد يمكن هذا باطل، وذاك باطل، لكن أيهما أقل بطلان؟ يقول الإمام علي،عليه السلام: “ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ولكن العاقل من يعرف خير الشرين”.
وهذه الحالة على طول التاريخ، فالذين وقعوا في هذه المشكلة في زمن الإمام علي، عليه السلام، كانوا على هذه الشاكلة، فذاك الذي يقول: “هذه زوجة رسول الله، وهذا أمير المؤمنين”. فالذين خرجوا مع عائشة ـ ايضا ـ وقعوا في هذا الفخ من التزاحمات، فهي زوجة رسول الله، بالاضافة الى خروج بعض الصحابة معها، فكان الجانب العاطفي متموجا لديهم.
ونحن ـ أيضا ـ نقع في هذه التزاحمات، وهنا نحتاج لرب العالمين، أن يأخذ بأيدينا، ولذلك قدّم الإمام السجاد، عليه السلام، في هذه الفقرة بمقدمة رائعة، قبل أن يبين كيف المخرج من الأمور المُشكِلة: “وَ ادْرَأْ عَنِّي بِلُطْفِكَ، وَاغْذُنِي بِنِعْمَتِكَ، وَأَصْلِحْنِي بِكَرَمِكَ، وَدَاوِنِي بِصُنْعِكَ، وَأَظِلَّنِي فِي ذَرَاكَ، وَجَلِّلْنِي رِضَاكَ”.
يقول عليه السلام، بعد تعداد هذه الامور: “وَوَفِّقْنِي إِذَا اشْتَكَلَتْ عَلَيَّ الأُمُورُ لأَهْدَاهَا، وَإِذَا تَشَابَهَتِ الأَعْمَالُ لأَزْكَاهَا، وَإِذَا تَنَاقَضَتِ الْمِلَلُ لأَرْضَاهَا”.
- الله يتدخل في آخر اللحظات
يقول أحد الاطباء ـ وهو من الاصدقاء ـ يقيم في أمريكا، ويعمل في طوارئ المستشفى: اتونا بمريض وجدوه بباب المستشفى، تبين انه متعاطي لكمية كبيرة من المخدارات، واصبح عنده توقف في القلب، فقمنا ببعض الاجراءات التي تعطى لأي مريض مماثل له، لكنه لم ينفع.
يضيف الطبيب: قال لي بقية الاطباء أن اعلن عن وفاته! وفي لحظة ذهابي الى اعلان وفاته، وإذا ببنته أمامي، فوقعت عيني بعينها، حينها لم استطع ان اعلن، وهي تنتظر مني جوابا عن حال أبيها.
الإنسان عادة يقع في تزاحمات، بين اختيار هذا وترك ذاك، وقد يكون كِلا الشيئان صحيحان، فأيهما أصح، وقد يمكن هذا باطل، وذاك باطل، لكن أيهما أقل بطلان؟ يقول الإمام علي،عليه السلام: “ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ولكن العاقل من يعرف خير الشرين”.
رجعت الى غرفة الطوارئ، وقلت لهم: دعونا نستمر في احيائه؛ فقالوا: إنه ميّت! يقول الطبيب؛ توسلت بالامام الحسين، عليه السلام، وخطر في بالي دواء معين، يُستخدم لمثل هذه الحالات، لكن الدواء كان قد انقرض، واصبح شيئا قديما.
قالوا له: أن هذا الدواء انقرض من سبعينيات القرن الماضي، والآن اربعين سنة، وانت تريده؟!
قال: ابحثوا عنه؛ وفعلا وجدوه ذلك الدواء، وتم حقن المريض بإبرة من ذلك الدواء؛ فبدأ قلبه يستعيد حركته وعمله، بعدها تم تحويله الى قسم الدماغ، وظنّي انه سيصاب بشلل، لانه قلبه توقف لنصف ساعة.
بعد يومين؛ وحين كنت امشي في الطوارئ، وإذا بتلك الطفلة تأتي وتشكرني، وقالت: بأن أباها بصحة جيدة.
يقول الطبيب: اتصلت بالقسم الثاني الذي تحوّل إليه المريض، فسألتهم عن صحته. فقالوا: انه يتمتع بصحة جيّدة”.
فإذا تأملنا في هذا الموقف نساءل: من الذي ألقى في ذهن الطبيب ذلك العلاج المنقرض؟ ومن الذي اوجده ـ العلاج ـ في تلك الحالة التي من الصعب ايجاده نظراً لعدم توفره؟
لذا يقول الإمام السجاد، عليه السلام: “وَوَفِّقْنِي إِذَا اشْتَكَلَتْ عَلَيَّ الأُمُورُ لأَهْدَاهَا، وَإِذَا تَشَابَهَتِ الأَعْمَالُ لأَزْكَاهَا، وَإِذَا تَنَاقَضَتِ الْمِلَلُ لأَرْضَاهَا”، فإذا اصبح الإنسان في ظل الله، وإطار رعايته، فإنه لا يخاف: َإِذَا تَشَابَهَتِ الأَعْمَالُ لأَزْكَاهَا، فإذا رأى أن هؤلاء يسلكون طريقا، وآخرون يسلكون طريقا مغايرا، أو على العكس، قد يمكن أن يكون الكل في طريق واحد، فهؤلاء يخدمون الله، وكذلك الآخرون، أو جماعة تصلي جماعة، كذلك الجماعة الأخرى، تقيم الصلاة جماعةً، في هذه الحالة يكون اختيار الأزكى والأحسن.