- مقدمة للشباب
الشباب وما الشباب؟ ما أجملها من كلمة، وألطفها وأظرفها من حياة أيها الشباب؟!
الشباب ربيع العمر، حيث تفتُح الزَّهر وخروج كل البراعم الخيِّرة والأزاهير المعطاءة في الأسر الكريمة والمجتمعات الإنسانية، وأنتم أمل الأمة وصُنَّاع مستقبلها المشرق، وبُناة حضارتها المنظورة في مستقبل الأيام بإذن الله.
فالشباب المسؤول هو الشباب الذي سيكون له مكان تحت الشمس في قادم الأيام وأما الكسول واللامبالي، والمتحلل من القيم والأخلاق فإنه سيذهب مع رياح التغيير، لأنه جعل من نفسه قشَّة في مهبِّها ولم يغرس نفسه في أرضه، ليتشبث بها بجذوره الضاربة في عمق التراب الوطني، فهو زرع نفسه في أرض غيره وراح ينظر إليهم بانبهار عجيب بألوانهم الزاهية وخدعهم الباطلة.
إنّ الفرد هو المسؤول أوّلًا ولكنّ هذه المسؤوليّة إنّما يمارسها من خلال التجمّع، وهذا يعني إنّ القرآن الكريم قد حمّلنا كأفراد كما حمّلنا كتجمّعات مسؤولية هامّة حيث يشير إليها ربّنا عزّ من قائل في قوله: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنينَ}
شباب اليوم رجال الغد الآتي فانظر إلى نفسك، وأسرتك، وأهلك وتأمل أين سيكون ذلك كله في عراق الغد، وتأكدوا جميعاً أن العراق سيبقى العراق الأصيل، وقوة العرب، وقبلة المؤمنين، ولن يكون يوماً من الأيام مقاطعة من الولايات المتحدة، كما لم يكن مقاطعة من بريطانيا في أيام عزها حيث كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، الكل ذهب وبقي العراق.
بل العراق قبلة عشاق الكرامة، والشهادة، ومنبعاً للرجولة والبطولة والشهامة، ولن يكون غير ذلك فكونوا على يقين من هذا وابحثوا عن مكان مشرِّف لكم فيه في مستقبل العراق الآتي والذي سيكون عاصمة العالم، بل عاصمة الكون كله إن شاء الله تعالى.
- أنت أيها الشاب مسؤول
يقول سماحة السيد المرجع المدرسي (حفه الله): “إنّ الفرد هو المسؤول أوّلًا ولكنّ هذه المسؤوليّة إنّما يمارسها من خلال التجمّع، وهذا يعني إنّ القرآن الكريم قد حمّلنا كأفراد كما حمّلنا كتجمّعات مسؤولية هامّة حيث يشير إليها ربّنا عزّ من قائل في قوله: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنينَ}. (آل عمران: 28).
إننا يجب أن نسعى كأفراد وجماعات مؤمنة سعياً حثيثاً من أجل التخلّص من علوِّ واستكبار وتعال الكفّار علينا ولا نكون أولياء لهم، وقد يكون هذا السَّعي عبر الحرب والجهاد المقدّس، وقد يكون عبر البحث العلمي الدقيق، والتكنولوجيا المتقدمة، وقد يتمثل في تطوير الزراعة بحيث نؤمّن لأنفسنا الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء، كما وقد يتجسّد في التجمّع، وبناء المؤسّسات، أو من خلال تأسيس البنوك الإسلاميّة، والمؤسّسات الماليّة المستقلّة عن المؤسّسات القائمة في العالم، وما إلى ذلك”.
ثم يقول سماحته: “العقل، والعلم، والمعرفة، والأوضاع الاجتماعيّة والسياسيّة كلّ ذلك هو الذي يحدّد هذه القضيّة، ولكنّ المسلّم به إنّ هذا السعي يمثّل واجباً جادّاً مفروضاً علينا كأفراد وكجماعات، لأنّ الخطاب القرآني حتى وإن كان موجّهاً إلى المجموع فإنّه ينسحب على الأفراد أيضاً، بحيث يكون الفرد هو المسؤول عن تطبيقه، هذا في الوقت الذي لا يلغي فيه دور التجمّع، بل يعطي لهذا الدور الأهميّة الكبرى”. (الإنسان وآفاق المسؤولية، ص: 116).
- قادة الحراك الحضاري
نعم؛ تلك هي المسؤولية الكبرى على الشباب، فلكل عصر رجال، ولكل زمان أهله، وللعراق دولة ورجال ميامين أبطال يقودون أي حراك، أو تحرك حضاري ثوري تغييري، والعلماء هم القادة وليس الجهلاء، فالحراك الذي يقوده الجاهل سيكون نهايته الفوضى الخلَّاقة كما طرحتها الأرملة السوداء في بداية غزو العراق من إمبراطورية الشَّر العالمي، والشيطان الأكبر، فهي تُريد الفوضى التي تخلق أفضل الظروف لبلدها وشركات صناعة السلاح عندها لتبيع كل ما لديها من سلاح لنقتل بعضنا بعضاً ونذهب إليهم مستجيرين، ومستجدين السلاح، والمواقف من الشيطان نفسه.
فالعالِم هو القائد إذا كان يملك من الوعي الدِّيني، والفكري، والثقافي، والبصيرة النافذة، ما يؤهله لقيادة الشباب في تحركهم ويوصلهم إلى تطلعهم في الحياة الحرة الكريمة، وليس إلا العالِم يقود العالَم لأن الجاهل إذا قاد العالم سيوصله إلى الدَّمار، والمجتمع إلى الفساد والإنهيار قطعاً ويقيناً فإذا كان العالِم والعلم يقود الحراك نصل إلى دولة ننعم فيها بالحرية، والعدالة الاجتماعية، وأما إذا قاد الجاهل والجهل الحراك فإننا نصل على دولة يكثر فيها الظلم والجور والمقابر الجماعية.
- شكوى العلماء
ولكننا في واقعنا المعاصر نرى بأم العين تحقق الشكوى الثلاثية التي تحدَّث عنها الحديث الشريف عن رسول الله، صلى الله عليه وآله: “ثلاثة يشكون إلى الله تعالى يوم القيامة؛ عالم بين ظهراني قوم لا يسألونه عن علمه، ومسجد قوم لا يعمرونه بذكر الله والصلاة فيه، ومصحف في منزل شخص وهو لا ينظره ولا يقرأ فيه“.(عوالي اللآلي: ج4 ص 65).
وبلفظ الإمام الصادق، عليه السلام: “وعالمٌ بين جهال“، فالعالم إذا وُجد في قوم، أو مجتمع فإنه نعمة كُبرى في الحقيقة والواقع، فيجب أن يكون العالم الملاذ للمجتمع ليقودهم في الأزمات والمشكلات التي تعصف به، وأعطانا القرآن الحكيم مثالاً واقعياً ورائعاً من المجتمع العراقي نفسه وذلك بقصة نبي الله يونس بن متى وقومه حيث خرج نبيهم يونس، عليه السلام، مغاضباً لعلمه بنزول العذاب عليهم ولكنهم لجؤوا إلى عالمهم فأنقذهم الله من العذاب الذي أظلهم.
قال أبو عبد الله الإمام الصادق، عليه السلام: “كان فيهم رجل اسمه مليخا عابد، وآخر اسمه روبيل عالم، وكان العابد يُشير على يونس بالدعاء عليهم، وكان العالم ينهاه، ويقول له: لا تدعُ عليهم فإن الله يستجيب لك ولا يحب هلاك عباده، فقبل يونس قول العابد فدعا عليهم فأوحى الله تعالى إليه: أنه يأتيهم العذاب في شهر كذا في يوم كذا فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد وبقي العالم فيهم، فلما كان اليوم الذي نزل بهم العذاب قال لهم العالم: أفزعوا إلى الله فلعله يرحمكم ويرد العذاب عنكم فاخرجوا إلى المفازة وفرقوا بين النساء والأولاد، وبين سائر الحيوان وأولادها، ثم ابكوا وادعوا.. ففعلوا فصرف عنهم العذاب وكان قد نزل بهم وقرب منهم“. (مجمع البيان).
العالِم هو المعاذ والملاذ للأمة إذا نزلت بهم النازلة، أو أصابتهم المصيبة، وها هي المصائب والبلاءات تأتينا من كل حَدَب وصوب، والعواصف الهوجاء تجتاحنا وكادت بل زلزلت الكثيرين منا للأسف الشديد، ونحن ساهون لاهون عن علمائنا لا نسألهم، ولا نأخذ منهم
فالعالِم هو المعاذ والملاذ للأمة إذا نزلت بهم النازلة، أو أصابتهم المصيبة، وها هي المصائب والبلاءات تأتينا من كل حَدَب وصوب، والعواصف الهوجاء تجتاحنا وكادت بل زلزلت الكثيرين منا للأسف الشديد، ونحن ساهون لاهون عن علمائنا لا نسألهم، ولا نأخذ منهم، ولا نلوذ بهم بل نذهب إلى كل ذيل دعي يدَّعي العلم والفهم ونأخذ منه ما يُلقي إليه الشيطان الأكبر الذي وظَّفه لتدمير البلاد، وقتل العباد.
- لا تهجروا علماءكم
تلك هي الصرخة التي نصرخ بها في هذا الوقت الذي كثرت فيه الأصوات النشاز من كل دعي، بحيث صار عند الكثيرين صوت الحق زاهق، وصوت الباطل الناهق هو النافق، لأنهم ابتعدوا عن علمائهم الربانيين الذين اطلعوا على آيات القرآن الحكيم، وتدبروا فيها، وقرؤوا روايات أهل البيت الأطهار، عليهم السلام، فعرفوا الحق وأهله، والباطل وجنده، ولكن لا أحد يسمع منهم، ويُزارون، ولا يُؤخذ بأقوالهم وأفعالهم كما نرى ونسمع في هذا العصر الأغبر.
فالعلماء هم الأدلاء على الحق، وهم قادة الأمة بصدق إلى منجاتها في أزماتها، وأي أزمات ننتظر أن تجتاحنا وهي تأتينا كالسيل الجارف من كل الاتجاهات، لا سيما الاحتلال البغيض، وقطعان الظلم والظلام الصهيووهابية التكفيرية، وهذا الفيروس المنحوس (كوفيدا 19)، الذي يفتك يومياً بالآلاف منا ويأخذ أعزتنا وأحباءنا ولا نعلم متى يأتي دورنا لا قدر الله، فهلا التجأنا إلى متاريسنا التي جعلها الله ملاذنا ومعاذنا في مثل هذه الظروف؟
هلّا التجأنا إلى علمائنا الأعلام وأخذنا منهم الرأي الصائب والصحيح في الخلاص من كل هذه المشاكل والأزمات، التي تعصف بنا في هذه الأمة التي صارت غرضاً ودرئية يُرمى من كل خبيث ولعين من لعناء التكفير والتهجير، والقتل والتدمير، فننقذ ما تبقى من أنفسنا وأهلنا وحضارتنا التي دمرها الإرهاب المجرم على رؤوسنا جهاراً نهاراً ونحن ساكتون؟