مكارم الأخلاق

تأملات في دعاء مكارم الاخلاق (30) ما هي بصماتنا في الصلاة؟

قال الإمام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ إِلَى مَغْفِرَتِكَ وَفَدْتُ، وَإِلَى عَفْوِكَ قَصَدْتُ، وَإِلَى تَجَاوُزِكَ اشْتَقْتُ، وَبِفَضْلِكَ وَثِقْتُ، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا يُوجِبُ لِي مَغْفِرَتَكَ، وَلا فِي عَمَلِي مَا أَسْتَحِقُّ بِهِ عَفْوَكَ، وَمَا لِي بَعْدَ أَنْ حَكَمْتُ عَلَى نَفْسِي إِلاَّ فَضْلُكَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ”.

عندما ذهب أمير المؤمنين، عليه السلام، الى المدائن لغسل سلمان المحمّدي ودفنه، كتب، عليه السلام، على كفن سلمان:

وفدت على الكريم بغير زاد

من الحسنات والقلب السليم

 فحمل الزاد أقبح كلّ شيء

إذا كان الوفود على الكريم

الاعتراف بهذه الحقيقة، ينقل المؤمن من مرتبة الى أخرى، فالذي يغتر بعباداته وطاعته بعيد عن رحمة الله، فمن يظن انه بصلاة التروايح والبكاء فيها، يقترب من الله فهو مخطىء.

  • الوصول الحقيقي الى الله

“اللَّهُمَّ إِلَى مَغْفِرَتِكَ وَفَدْتُ” يقال ان شخصا مات، فلم يقبل أي احد من  الناس ان يصلي عليه، فخرج اولاده الى الصحراء، فرأوا أعرابي؛ فقالوا له: صلِ صلاة الميت على أبينا.

وهو لم يرفض؛ فوقف للصلاة على الميت، فتمتم ببعض الكلمات، وقال: خذوه الى الدفن.

في تلك الليلة رآه احد ابناءه في عالم الرؤيا، فسأله كيف حالته في القبر، قال الميت: انقذتني صلاة الأعرابي!

فذهبوا اليه وقالوا: ما هي الصلاة التي صليت على أبينا؟ وماذا قلت فيها؟

قال الاعرابي: انا لم اكن اعرف ما صلاة الميت، لكنني وقفت وقلت: يا ربي هذا ـ الميت ـ إذا كان ضيفي هذه الليلة فسأذبح له خروف، واهتم به كضيف، ويا رب هو ضيفُك وأنت الكريم.

حقيقة العبادة هي العبودية والخضوع لله، وهي ـ أيضا ـ ان نرى الفاصلة  الكبيرة بيننا وبين الله، وليست حقيقة العبادة هي الصلاة الظاهرية، حتى صلاتنا ليست بتلك الكيفية التي يريدها الله، فكلها وساوس وشرود الذهن، ولذلك يقول المعصوم: “تُقبل الصلاة ما اقبل العبد فيها”.

وإذا عدنا الى انفسنا كم النسبة التي نقبل فيها اثناء الصلاة؟ مع ان الاقبال في الصلاة ليس شيئا سهلا. قال احد العلماء انه تجلت له عظمة الله، حتى كاد أن يموت! {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً}.

إذا قام الإمام الحسن، عليه السلام الى الوضوء ارتعدت فرائصه واصفر لونه، وهو لم يدخل الصلاة بعد! ثم يأتي باب المسجد فيقول: عبد بباك اخذته الخطايا وهو قائم بين يديك، يقرع باب احسانك بدعائه. وإذا قسنا عبادتنا بعبادتهم فأين تكون؟

  • من هو العابد الحقيقي؟

ذات مرة سأل النبي موسى، عليه السلام، الله ان يريه اعبد خلقه، فأوحي اليه ان اذهب الى فلان، وذهب ووجد رجلا يعبد الله تحت شجرة، فجلس معه موسى، للعبادة معه، ووقت المغرب، سقطت تفاحتَين، فالتفت اليه العابد، وقال له:

امضيت في المكان سنوات من العبادة، وكل يوم تسقط تفاحة واحدة فقط، لكن اليوم سقطت تفاحتين، والظاهر أنك شخص مقرب من الله.

فسأله موسى: هل هناك أعبد منك؟

قال: نعم.

قال: تذهب الى المنطقة الفلانة فتجد شخصا في كهف يعبد الله.

فذهب موسى ووجد ذلك الشخص العابد. فبقي موسى معه الى المغرب، وإذا بأحدهم يجلب قرصين من الخبز، ونفس الكلام دار بينهما، فقال موسى: هل هناك اعبد منك؟

قال: نعم.

قال: اين؟

قال: تذهب الى المدينة، فتجد محل للحدادة، وفيه شاب يعمل، فذلك اعبد مني!

فذهب موسى إليه، فانتظره حتى جاء وقت الصلاة، فرآه موسى يصلي على عجل، وعلى نفس الحالتين السابقين، جاء الطعام لشخصين.

قال موسى للشاب: قيل لي انك اعبد الناس، لكنني لم أرك تعبد الله!

قال: يا هذا انا اشتغل لدى صاحب المحل، واذا قصرت في عملي، وذهبت الى الصلاة والعبادة، فسوف اتحاسب يوم القيامة، فعليَّ ان أُنجز واجبي تجاه هذا الشخص. وفي الوقت الذي ليس فيه عمل، اذهب للراحة لاتمكن في اليوم التالي من العمل.

فقال موسى: كيف اصبحت اعبد الناس؟

قال: الشاب الى اين تريد الذهاب؟

قال موسى: اريد الذهاب الى ارض موسى بن عمران

فنظر الشاب الى السماء، واذا بسحابة تمشي، فقال: اين تذهبين؟

قالت: الى ارض موسى بن عمران.

فقال له: اركب على هذه، واذهب الى تلك الارض.

فنجى موسى ربه، فقال يا رب: كيف اصبح هذا الشاب اعبد الناس؟

قال الله ـ تعالى ـ: هذا رضي بقضائي وقدري. فإذا اعطيته رضي، وإذا منعت عنه ـ أيضا ـ رضي، ورضاه جعله اعبد الناس.

وهذه الحقيقة ليس كل واحد يصل إليها، ولنضرب ـ مثلا ـ من واقعنا، إذا اصاب أحد اطفالنا مرض، فهل نتوجه الى الله، ام للدكتور؟ فهناك بعض الناس يقول: يا الله، والبعض الآخر يقول: يا دكتور. فالوصول ليس بهذه السهولة، مع وجود الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء.

“وَإِلَى تَجَاوُزِكَ اشْتَقْتُ “، من يذهب الى الحج ـ ومن يحيي ليالي القدر ـ وبعد ان ينزل من جبل عرفات يأتيه الخطاب: لقد غفرت ذنوبك فاستأنف العمل، وهذا خطاب معنوي لا نسمعه، لكن عرفناه من خلال الروايات.

فالشوق يملأ كيان المؤمن الذي يذهب الى الحج، ويمر بهذه المرحلة، ولذلك الذي حجَّ لمرة، يتمنى ان يذهب أخرى وثالثة ورابعة.

والمؤمن اساسا؛ لماذا ينتظر ليلة القدر؟

هوالانتظار والشوق الى مغفرة الله، والى التوبة، وقد لا يُحس بها ماديا، لكنها معنويا موجودة على شكل لذة، لا يدري البعض ماهي.

“وَبِفَضْلِكَ وَثِقْتُ، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا يُوجِبُ لِي مَغْفِرَتَكَ”، فنحن نقرأ في الدعاء: “فَبِلِسانِي هذا الكالِّ أَشْكُرُكَ؟ أَمْ بِغايَةِ جُهْدِي فِي عَمَلِي أُرْضِيكَ؟ وَما قَدْرُ لِسانِي يارَبِّ فِي جَنْبِ شُكْرِكَ”

“وَلا فِي عَمَلِي مَا أَسْتَحِقُّ بِهِ عَفْوَكَ وَمَا لِي بَعْدَ أَنْ حَكَمْتُ عَلَى نَفْسِي إِلاَّ فَضْلُكَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَتَفَضَّلْ عَلَيّ”.  في حديث قدسي يخاطب الله بني آدم: “كم من الذنوب المعاصي ارتكبتم.. ثم يقول: لو ان كل واحد منكم جيىء له بصحيفة اعماله ولا يدري هي ذاتها صحيفة اعماله، لحكمتم على انفسكم”.

عن المؤلف

السيد مرتضى المدرّسي

اترك تعليقا