يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَ لا أُظْلَمَنَّ وَأَنْتَ مُطِيقٌ لِلدَّفْعِ عَنِّي، وَلا أَظْلِمَنَّ وَأَنْتَ الْقَادِرُ عَلَى الْقَبْضِ مِنِّي، وَلا أَضِلَّنَّ وَقَدْ أَمْكَنَتْكَ هِدَايَتِي، وَلا أَفْتَقِرَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُسْعِي، وَلا أَطْغَيَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُجْدِي“.
جملة نرددها دائما “لا حول ولا قوة إلا بالله”، هذه الجملة لو أن الإنسان آمن بها، لوصل الى مرتبة العبودية، ولذا من المستحبات بعد صلاة الفجر، وصلاة المغرب تريد هذه الجملة: بسم الله الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”.
إذا فكر الإنسان انه بحوله وقوته يستطيع فعل شيئا، فإن لن يصل الى نتيجة، لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل حين يسعى قد يحول الله بينه وبين الوصول الى مبتغاه، يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “إن الله تعالى وسع أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء ويعلموا أن الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة”.
التقيت انا وابن عمي برجل مليونير، وعندما خرجنا قال ابن عمي: كلام لا يعرف يتكلم! فكيف اصبح ملياردير؟
فقلت له: كان نفس التساؤل عندي؛ ثم اضفت له: الله ـ سبحانه وتعالى ـ يريد ان يثبت لنا ولغيرنا انه هو المعطي.
بعد أن طلب الإمام السجاد عليه السلام، من الله ـ تعالى ـ ان يصون فكره، ويصون لسانه؛ يتوجه بالطلب الى الواقع الخارجي، فيقول: “وَ لا أُظْلَمَنَّ وَأَنْتَ مُطِيقٌ لِلدَّفْعِ عَنِّي” الله ـ تعالى ـ لا يرضى بالظلم، ولم يرتضه لنفسه، ولذلك لا يظلم عباده، “يا من لا يأخذ اهل الارض بالوان العذاب”، ولهذا فهو لا يرضى الظلم من عندنا، والظلم على حالتين؛ الأولى: قد يُظلم الإنسان، الثاني: وقد يَظلم. وفي كلتا الحالتين، الله ـ تعالى ـ هو الذي يأخذ بيد الإنسان، فلا يَظلم، ولا يُظلم.
إذا فهمنا ان الرزاق هو الله ـ تعالى ـ “وَلا أَفْتَقِرَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُسْعِي” فلماذا نضيّق الأفق حول الرب المعطي، وهو الرازق، سواء، كان الزرق ماديا أم معنويا
في حادثة نبي الله يوسف، عليه السلام، حينما راودته امرأة العزيز، {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} يقول الإمام: “همّ بها ليقتلها”، لكن الله ـ تعالى ـ اعطاه اشارة لا نعلم بها، لكنه في المحصلة انجاه الله.
فالله ـ تعالى ـ بأي شكل من الاشكال يمنع الإنسان المؤمن من الظلم، عبر اشارة من الاشارات، او تنبيه معيّن، وإذا راجعنا تاريخ الحروب التي حدثت بين البشر، نجد أنها اشتعلت لأسباب تافهة، وإذا جئنا الى واقعنا نرى أن معارك تندلع بين عشريتَين بسبب دجاجة! وهذا يعني أن الله ـ تعالى ـ يلكنا الى انفسنا.
إذا فكر الإنسان انه بحوله وقوته يستطيع فعل شيئا، فإن لن يصل الى نتيجة، لا في الدنيا ولا في الآخرة
ولذلك فهذه الفقرة من الدعاء من الادعية المهمة، من جهة أدعُ بأن يدفع الله عني الظلم، “وَ لا أُظْلَمَنَّ وَأَنْتَ مُطِيقٌ لِلدَّفْعِ عَنِّي”، ومن جهة ثانية “وَلا أَظْلِمَنَّ وَأَنْتَ الْقَادِرُ عَلَى الْقَبْضِ مِنِّي”. في رواية جميلة عن النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “انصر اخاك ظالما او مظلوما؛ فقيل: كيف ينصره ظالما؟ قال: تمنعه من الظلم”.
“وَلا أَضِلَّنَّ وَقَدْ أَمْكَنَتْكَ هِدَايَتِي” تقول السيدة فاطمة الزهراء، عليها السلام: “جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ”.
- توقيع بمليون دولار!
ينقل السيد الوالد عن أحد الاشخاص انه كان يعمل في شركة، كان عمله التوقيع على الذبح الحلال في إحدى الدول، فجاءته شركة وقالوا له: نريد منك توقيعا على ان هذا الذبح حلال، والواقع غير ذلك.
فبدأوا بإغرائه بمال وهو يرفض، وعرضوا عليه مبالغ اكثر واكثر، حتى وصل المبلغ الى مليون دولار، ولا يزال رافضا.
فقالوا له: إما أن توقع؛ وإما ان تُقتل!
فقال: لن اوقع.
يقول الرجل: بعد ان ذهبوا؛ فكرت بيني وبين نفسي، كيف لم اقبل بالمليون دولار! وبأي قوة واجهتهم؟
“وَلا أَفْتَقِرَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُسْعِي”.
تجد بعض الناس يحمل أفقا ضيقا تجاه زرق الله ـ تعالى ـ فيدعو للحصول على الشيء القليل، والله ـ تعالى ـ هو المعطي، فلا فرق عنده بين الكبيرة والصغيرة، ولذا علينا أن نسأل الله الرزق الواسع.
- دعوة لا تُرد!
في أحد الأيام زرنا مقام ولي الله إمام زاده داود في العاصمة طهران، ويقع في منطقة جميلة، فكنا برقفة السيد المرجع الوالد، واحد الاصدقاء؛ فقال الوالد لذلك الرجل: اطلب حاجتك، فالإمام داود يعطي الحوائج.
فدعا ذلك الرجل، وبعد عودتنا جاء ذلك الصديق اتصال، وقالوا له: أن اخاك قد اُعدم في سجون البعث، فالوالد قال له: ماذا طلبت من الإمام داود؟
قال: لم تأتني اخبارعن اخي في العراق، فطلبت منه أن يـأتني بخبر عنه، فجاء هذا الخبر الذي سمعتموه.
فإذا فهمنا ان الرزاق هو الله ـ تعالى ـ “وَلا أَفْتَقِرَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُسْعِي” فلماذا نضيّق الأفق حول الرب المعطي، وهو الرازق، سواء، كان الزرق ماديا أم معنويا.
“وَلا أَطْغَيَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُجْدِي”، فإذا كان الله قد اعطاني منصبا، او مالا، او جاها، فبعد أن يعطينا الله، يجب ان لا نطغى، ولا بد من ايجاد توزان، ولا نكون مصداق الآية الكريمة: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}.