مناسبات

القول الصَّواب في فرار الأصحاب .. في غزوة حُنين

من 3 – 10 شوال من السنة 8 هـ وقعت غزوة حنين الشهيرة

  • مقدمة تاريخية

بدأ تاريخ الإسلام العظيم من لحظة نزول القرآن الحكيم على الرسول الكريم، صلى الله عليه وآله، في غار حراء في جبل النور، حيث أمره العلي الأعلى بالبعثة الشريفة الخاصة به وبأهله وبتلقي الوحي وكانت البداية من سورة العلق المباركة وقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}، فجاء الأمر بالقراءة والعلم في مجتمع الجاهلية الجهلاء حيث الظلام مطبق والجهل مغلق عليهم عقولهم فكانوا في أطهر مكان وشر سكان.

فلبث رسول الله، صلى الله عليه وآله، في مكة ثلاثة عشر سنة ونزل عليه حوالي ثلثي القرآن الحكيم ولم يؤمن به إلا القليل من العبيد والأراذل ـ كما يسمونهم ـ وخرجوا مهاجرين على دفعات إلى الحبشة بقيادة جعفر بن أبي طالب، عليه السلام، ولم يرجعوا إلا في يوم خيبر، وأما الملأ من قريش وأشرافها فكانوا من الطغاة والجبارين الذين رفضوا الرسول والرسالة جملة وتفصيلاً.

 

لما خرج رسول الله، من مكة المكرمة بتلك الجموع عانهم (أصابهم بالعين حسداً)، أبو بكر بن أبي قحافة الذي قال: “لن نُغلب بعد اليوم من قلَّة”، وقال تعالى فيه: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}

 

وهاجر رسول الله، صلى الله عليه وآله، إلى يثرب فصارت المدينة المنورة وطيبة، فلحقته قريش بعداوتها وبكل شرها وحسدها وحقدها فحاربته في ثلاثة حروب ضارية / بدر وأحد والأحزاب / فانتصر عليها فيها كلها، وكسر شوكتها وهجَّر بعد كل غزوة حيَّاً من اليهود لتآمرهم وغدرهم به وهم / قينقاع، والنضير، وقريظة/ ولم تسكن قريش إلا بعد صلح الحديبية، واليهود إلا بعد غزوة خيبر.

 

  • فتح مكة وغزوة حنين

ولكن قريش وخصوصاً أبو سفيان لم يركن ولم يسكن بصلح الحديبية فنكث به وغدر بمعاهدي رسول الله، صلى الله عليه وآله، فغزاهم رسول الله، حتى دخل مكة المكرمة فاتحاً، وجمعهم وأنذرهم وأطلقهم بعفوه ورحمته وقال لهم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء“، وبذلك تكون العرب قد دانت له لأنها كانت تبعاً لقريش جاهلية وإسلاماً مؤمنهم وكافرهم، ولم يبقَ منهم إلا سكان الطائف وما حولها من القبائل العربية، فعقدوا اجتماعاً عاجلاً لتدارس أمر رسول الله، صلى الله عليه وآله، والمسلمين الذين فتحوا مكة وحرموهم منها كمقر للعبادة، والحج والعمرة والتجارة.

كما أن الطائف كانت مقراً صيفياً لطغاة قريش لما تتمتع به من اعتدال في المناخ وكثرة الخيرات والبركات والأشجار والأعناب وأنواع الفواكه، وفي ذلك الاجتماع اتخذوا قراراً بالحرب وسلموا قيادتهم لشاب منهم كان الأكثر حماساً للحرب ويتمتع بقسط لا بأس به من مراسها وهو مالك بن عوف النصري، فأمرهم بالتجهيز للحرب والتعبئة العامة حيث قالوا: “إنّ محمداً قاتله قوم لم يحسنوا القتال ولم يكن لهم علم بالحرب فغلب عليهم، ونحن أُولوا بصيرة في الحرب وتجربة في القتال، فسوف نغلبه”، وقالوا: قبل أنّ يظهر ذلك منه سيروا إليه”، وبعد فتح مكة “لقد فرغ محمّد لقتالنا، فلنغزه قبل أن يغزونا”.

 

  • جيش هوازن وثقيف

وخلال أيام جمع مالك بن عوف جيشاً كبيراً يزيد في تعداده على ثلاثين ألف، وأمر بأن يُساق مع الناس أموالهم، ونساؤهم، وأبناؤهم، ليقاتل كلّ أمرئ عن نفسه، وماله وأهله فيكون أشدّ لحربه، وكان معهم رئيس بني جشم شيخٌ قد ذهب بصره من الكبر وهو دُرَيد بن الصِمّة صاحب الصمصامة، وكان صاحب رأي وتدبير وله تجربة ومعرفة بالحروب، فلمّا نزلوا بأوطاس قال: في أي وادٍ أنتم؟ قالوا: بأوطاس. قال: نِعمَ مجال الخيل، لا حَزن ضَرس، ولا سهل دَهِس. ثم قال: مالي أسمع رُغاء البعير، وخوار البقر، ونهاق الحمير، وثغاء الشاء، وبكاء الصغير؟ قيل له: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ليقاتل كلّ أمريء عن نفسه وماله وأهله فيكون أشدّ لحربه. فقال دريد: راعي ضأن وربّ الكعبة ما له وللحرب؟

ثم قال: أين مالك؟ فدعي له. فقال: يا مالك إنّك أصبحت رئيس قومك وإنك تقاتل رجلاً كريماً وأن هذا اليوم له ما بعده من الأيام، ثم ما لي أسمع رُغاء البعير، وخوار البقر، ونهاق الحمير، وغثاء الشاء، وبكاء الصغير؟ قال: قد سقتُ مع الناس أموالهم، ونساءهم، وأبناءهم، أردتُ أن أجعل خلف كلّ رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم، قال: راعي ضأن واللّه، وهل يردّ المنهزم شيء؟ إن كانت لك لم ينفعك إلاّ رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضحتَ في أهلك ومالك”.

فلم يحفل مالك بقوله واتهمه بالخَرَف، وأصرَّ على رأيه فساروا إلى أن نزلوا في وادي حُنين وهو على بعد ثلاثة ليالي من مكة المكرمة التي سار منها رسول الله، صلى الله عليه وآله، فكمنت هوازن وثقيف بذلك الجيش الجرار في ذلك الوادي الوعر والكثيف الأشجار والمظلم جداً ليلاً.

 

  • جيش المسلمين الكبير

لبث رسول الله، صلى الله عليه وآله، في مكة المكرمة نصف شهر بعد الفتح ولما علم يتلك الجموع من ثقيف خرج إليهم على تلك التعبئة وكان معه (12 ألف)، وانضم إليه ألفان من رجال مكة، فلما خرج من مكة المكرمة بتلك الجموع عانهم (أصابهم بالعين حسداً)، أبو بكر بن أبي قحافة الذي قال: “لن نُغلب بعد اليوم من قلَّة“، وقال تعالى فيه: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}، وسار بهم رسول الله، صلى الله عليه وآله، إلى أن وصل إلى ذلك الوادي العميق والضيِّق، والجيش غارُّون ساهون، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى خرجت إليهم تلك الجموع من مكامنها وراحوا يضبرونهم بكل وسيلة معهم بالسيوف، والرماح، والسهام، وحتى الحجارة، فدُهشوا جميعاً وتفاجؤوا ففروا في كل جهة لا يلوون على شيء.

 

  • فرار الأصحاب جميعاً

قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا لَقيتُمُ الَّذينَ كَفَروا زَحفًا فَلا تُوَلّوهُمُ الأَدبارَ* وَمَن يُوَلِّهِم يَومَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ أَو مُتَحَيِّزًا إِلى فِئَةٍ فَقَد باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّـهِ وَمَأواهُ جَهَنَّمُ وَبِئسَ المَصيرُ} (الأنفال: 16)، فالتولي والفرار من وجه العدو والهروب من المعركة هو من الكبائر السبعة، والموبقات والمهلكات كما قَالَ، صلى الله عليه وآله: “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ“، فلماذا فرَّ الصحابة يوم أُحد، ويوم الأحزاب، ويوم حُنين كما أكدها الله سبحانه وتعالى ورسَّخها حتى لا يأتينا أفَّاك دجَّال بعد كل هذه القرون ليقول لنا: أنهم لم يفروا من الزحف، ولم يهربوا من وجه العدو.

 

كما قَالَ، صلى الله عليه وآله: “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ”

 

قال تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (براءة: 25)، فالله تعالى يقول لنا وللتاريخ أنهم ولُّوا مدبرين، والتولي من الكبائر الموبقة والمهلكة، فأين الصحابة يا أتباع وعشاق الصحابة؟

ففي الرواية التاريخية: انهزم المسلمون عن رسول الله حتى بقي في عشرة من بني هاشم، وقيل تسعة، وهم: علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث، ونوفل بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، والفضل بن العباس، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وقيل أيمن بن أمّ أيمن الذي استشهد يومئذ.

أي هرب وفرَّ الجميع إلا بني عبد المطلب، فأين الأربعة عشر ألفاً من الصحابة الذين هم مَنْ نقل لنا الإسلام، وكلهم عدول، وأتقياء أنقياء لا يجوز التحدث في شانهم، ولا الطعن في أحد منهم، فهؤلاء الذين تلوا يوم التقى الجمعان ألم يستذلهم الشيطان: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ}، بفرارهم من ساحة القتال ومواجهة العدو الغادر؟

ولماذا لم يصبروا ويصمدوا حتى تنزل عليهم الملائكة وتشملهم السكينة الربانية فتحميهم: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} (براءة: 26)، كما فعل بني هاشم الأكارم، لا سيما وأن الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله، يناديهم، ثم أمر عمه العباس بالنداء به “يا معشَر الأنصار، يا معشر السَمُرة (بيعة الشجرة)، يا أصحاب سورة البقرة“، فلم يلووا عليه بل شمِت بعضهم به وقال أبو سفيان: ” لا تنتهي هزيمتهم دون البحر“، فأين الصحابة أيها الناس؟

فالصحابة جميعاً فروا يوم حنين وهي كبيرة من الكبائر السبعة بإجماع المسلمين.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا