يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَصُولُ بِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَأَسْأَلُكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَأَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ عِنْدَ الْمَسْكَنَةِ”
الى من يرجع العبد الآبق إلا الى مولاه؛ والى من يلتجئ المسيئ إلا الى خالقه! لابد للطير من أن يعود الى عشه، ولابد لهذه الروح ان ترجع الى بارئها، ولكن المشكلة أن غفلة الانسان تأخذه يمنياً وشمالا، فيشرّق ويغرّب.
مَن يتأمل في مناجاة أمير المؤمنين، عليه السلام، في مسجد الكوفة، وهي: “اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ الاْمانَ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلابَنُونَ اِلاّ مَنْ اَتَى اللهَ بِقَلْب سَليم”، من يتأمل هذه المناجاة يعرف انها تريد التركيز على حقيقة مهمة عند الإنسان وهي: أنك حين تعتمد على مالك، لا ينفعك المال؛ وحين تعتمد على بنيك؛ فإن اولادك لا ينفعونك، ولا عشيرتك، ولا اصدقاؤك…، هذه كلها لا تنفع في الدنيا فضلا عن الآخرة.
-
المُلك بين شربة ماء وقضاء حاجة!
دخل أحد على الحكماء على ملك؛ فقال الملك: انصحني.
فقال الحكيم: اريد أن اسألك سؤالا؛ لو أنك ـ أيها الملك ـ كنت في اشد حالات العطش الذي يودي بك الى الموت، بكم تشتري كأس الماء؟
قال الملك: بنصف ثروتي.
فقال الحكيم: لو أنك بعد شرب الماء، لم تستطع إخراج حاجتك، وكان بالإمكان ان تفعل ذلك: فكم تستطيع ان تصرف لقاء ذلك؟
قال الملك: بنصف ثروتي.
قال الحكيم: إذن مملكتك بين شربة ماء؛ وقضاء حاجة.
لذلك الإمام علي، عليه السلام، في مناجاته بقوله: “مَوْلايَ يا مَوْلايَ اَنْتَ الْمَوْلى وَاَنَا الْعَبْدُ وَهَلْ يَرْحَمُ الْعَبْدَ اِلاَّ الْمَوْلى، مَوْلايَ يا مَوْلايَ اَنْتَ الْمالِكُ وَاَنَا الْمَمْلُوكُ وَهَلْ يَرْحَمُ الْمَمْلُوكَ اِلاَّ الْمالِكُ”، وهذه الحقيقة يجب أن تكون واضحة عندنا، لأن الشيطان يأتي في لحظة سانحة، وهو ـ الشيطان ـ يسلك طرقا عجيبة وغريبة للإيقاع بالإنسان.
حالة الذهول التي تصيب الانسان عند المشكلة، لاتدع له وقتاً للتفكير، وعلى هذا، فإن الإنسان يجب أن يفكر مسبقا ماذا عليه ان يفعل في حالات الطوارئ والمشاكل
-
بقوتنا أم بقوة الله؟
يقول أحد العلماء: اشتغلت فترة في (السير والسلوك)، حتى يصبح عندي مكاشفات، فاعتزلت الناس، وبدأت بالاعمال، والادعية، وفي أحدى المرات رأيت انه قد انكشف لي الغطاء، فإذا كان هناك شخص يمشي خلف الحائط، كنت أراه! وأيام مرت على هذه الحالة، وأنا في زهوٍ، وبدأت احدث نفسي: أنني وصلت الى مراتب ممتازة.
وإذا بي اسمع نداءً: أنك وصلت الى مراتب جيدة، فعليك الآن ترك العمل الظاهري، كالصلاة والصوم وما اشبه!
يقول هذا العالم: في لحظة من اللحظات فكرت، وقلت: أن الصلاة والصيام أمر الله، وليس لي أن اجتهد، ولا أقوم بهذه الأعمال؛ فقررت ان لا اتركها.
في اليوم الثاني؛ سمعت صوتا ـ أيضا ـ يقول: إذا لم تترك الأعمال العبادية، فستفقد المكاشفة!
يقول العالم: فكرت بيني وبين نفسي، فالصلاة هي أمر الله، وبعد معركة مع النفس؛ تغلبت عليها، وعدت الى الصلاة..، وعلى حين غرّة فقدت المكاشفة، في نهاية المطاف اكتشفتُ أن ذلك هو الشيطان!
يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَصُولُ بِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ”، والضرورة هي الحالة التي يصل فيها الإنسان الى الحرج الشديد، والتي تمثل منتهى ضعفه، فما الذي يحتاجه في هذه الحالة؟
في هذه الحالة يحتاج الانسان ان يصول بالله، وأن يخرج من حوله وقوته ـ كإنسان ـ الى حول الله وقوته، فرسول الله، صلى الله عليه وآله، حينما واجه قريش، سواء في مكة او غيرها، فكيف واجههم؟
فحين كان، صلى الله عليه وآله، في مكة كان الجميع ضده، إلا اشخاص بعد الاصابع، أما في المدينة تكالبت عليه قريش، والمنافقين، واليهود، وما كل تلك المعاناة والاضطهاد؛ مَن الذي نصره؟ وبمن صال رسول الله، صلى الله عليه وآله؟
فالنبي، صال بالله ـ تعالى ـ ؛ “اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَصُولُ بِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ”، فحين يصل الإنسان الى منتهى الضعف يأتي المدد الإلهي.
الضرورة هي الحالة التي يصل فيها الإنسان الى الحرج الشديد، والتي تمثل منتهى ضعف الإنسان، فما الذي يحتاجه في هذه الحالة
-
خيبر وقوة القلع الحقيقية؟
جاء بعض الاصحاب الى أمير المؤمنين، عليه السلام، بعد فتح خيبر، وقالوا: كيف قلعت الباب يا علي؟
قال: بقوة الله ـ تعالى ـ.
والإمام الحسين، عليه السلام، في كربلاء، كل ما سقط منه شهيد، كان وجهه يزداد ابتهاجاً، فهذه القوة والصولة من اين اكتسبها عليه السلام؟
“وَأَسْأَلُكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ”، فتكون حاجتي منك وإليك يا ربي، لا من غيرك وسواك.
“وَأَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ عِنْدَ الْمَسْكَنَةِ”، والمسكنة، حالة ادنى من الفقر، فالفقير هو الذي لا يملك قوت سنته، والمسكين مَن هو دون ذلك، وهذه الحالة ـ المسكنة ـ تجعل الإنسان يتضرع، ويطلب بإلحاح، لكنّ الإمام زين العابدين، عليه السلام، يجعل هذا الطلب من الله، لا غيره.
وهنا لا بد من تساؤل: لماذا يؤكد الإمام على هذه الفكرة؟
إذا تأملنا في البنايات الضخمة، لرأينا ان هناك مخرج للطوارئ وعبارات مكتوبة باللون الأحمر ترشد إليه، لماذا؟
لأن الإنسان وقت الأزمات، كالحريق وما اشبه، لا يجد مساحة للتفكير، وعلى هذه الحالة لربما رمى البعض بنفسه من مكان عالٍ في حال حدوث حريق، وأول ما يصل المسافرون الى الطائرة، يتم ارشادهم الى ان هذه الطائرة ـ مثلا ـ فيها اربعة مخارج للطوارئ، وهي موجودة في امكان يتم اعلام الكل بها.
فحالة الذهول التي تصيب الانسان عند المشكلة، لاتدع له وقتاً للتفكير، وعلى هذا، فإن الإنسان يجب أن يفكر مسبقا ماذا عليه ان يفعل في حالات الطوارئ والمشاكل، ونحن لا بد أن نقرر مسبقا أن نلجأ عند المسكنة الى الله ـ تعالى ـ، وعند الضرورة نسأل منه ـ تعالى ـ وقول الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} هو تجسد لهذه الحالة، وهو استعداد للمصيبة من بدايتها.