الدوائر الحكومية و”الحكومة المحلية” تطالب العاصمة بميزانية خاصة، وخدمات (الماء والكهرباء) استثنائية كونها مدينة “سياحية ودينية” يؤمها الملايين من الزائرين.
التجار والكسبة يطالبون الحكومة المحلية باجراءات تراعي ظروفهم كونهم يعيشون في مدينة “سياحية ودينية” يتوافد اليها الملايين من الزائرين
الاحزاب السياسية والفعاليات الثقافية تنشط في هذه المدينة المقدسة واصفين إياها بمدينة التنوع والانفتاح، فهي مدينة عالمية، وليست فقط للعراقيين!
حتى ابناء الشريحة الفقيرة من المحافظات الجنوبية يعدونها أفضل مكان للعيش ومصدر مريح للرزق، فجاءت العوائل وأوجدت لها سكناً في العشوائيات التي انتشرت في كل مكان، وأرسلت ابنائها للعمل داخل المدينة بين عتّال، وسائق تكسي، ويتفرع منهم اصحاب الستوتة والتك تك، ومختلف الاعمال لتحصيل لقمة العيش، لانهم في مدينة الامام الحسين التي يؤمها الملايين من الزائرين.
كانت كربلاء الامام الحسين الدرع الواقي والحصين أمام الغزو الفكري في عقد الستينات بفضل نضال وتضحيات الشباب الواعي وابناء الحوزة العلمية المتصدّين، ليعززوا الايمان في نفوس الناس ويغرسوا القيم الاخلاقية والدينية في المجتمع بدمائهم
وأكثر من ذلك؛ الشباب والشابات المهمومين بذواتهم والمتعطشين نفسياً للظهور وجذب الانظار، يأتون من كل مكان الى هذه المدينة المقدسة، و يتجولون بين حرمي الإمام الحيسن وأخيه أبي الفضل العباس بكل حرية وثقة واعتداد، يعرضون آخر صرعات الموديل في الملابس وقصّات الشعر!
وظواهر اخرى لا تُعد لكثيرين يتكلمون وينشرون ويعملون ويتحركون بكل حرية لا يجدوها في أية مدينة أخرى في العراق، وربما في العالم الاسلامي، ولكن هذه المدينة المقدسة، بكل ما تحمل من تاريخ، وثقافة، وعلم، وتضحيات، لا يحق لها أن تأخذ شيئاً واحداً ـ على الأقل- هو الأمن والاستقرار، فقد ضحى الامام الحسين، وأهل بيته بانفسهم ليعرف الناس على مر العصور كيف يوفروا الأمان والحياة الطيبة من خلال مقارعة الظلم والانحراف، ثم يحصل العكس تماماً؛ يتحقق الظلم والانحراف ويتمخض منه العنف والاضطراب والحياة المريرة! فهل هذا ما تستحقه كربلاء المقدسة التي تضم مرقد الامام الحسين؟!
والمثير جداً أن أسمع الكثير من المقيمين هنا يدعون انتسابهم وانتمائهم “الكربلائي”، وهو في حدّ ذاته أمرٌ حَسَنٌ وفي الوقت نفسه يحمّل صاحبه مسؤولية الدفاع عن حرمة وحق هذه المدينة المقدسة في أقل شيء؛ بعدم عرقلة حركة السير باتجاه مرقد الامام الحسين، عليه السلام، وفق القاعدة المعترف بها من الجميع أن هذه المدينة لا شيء من دون وجود هذا المرقد الشريف.
والمسؤولية أكبر على الشريحة المثقفة والواعية لمكانة هذه المدينة وتعرف من هو الإمام الحسين؟ وما هي قضيته؟
العلماء والخطباء والأدباء وسائر ابناء هذه الشريحة عليهم مسؤولية تاريخية وأخلاقية كبرى بأن يجندوا طاقاتهم وقدراتهم لخدمة قضية الامام الحسين، عليه السلام، قبل أي قضية أخرى، بل أن يتخذوها المعيار لصحة وحقانية قضاياهم وأفكارهم
فالعلماء والخطباء والأدباء وسائر ابناء هذه الشريحة عليهم مسؤولية تاريخية وأخلاقية كبرى بأن يجندوا طاقاتهم وقدراتهم لخدمة قضية الامام الحسين، عليه السلام، قبل أي قضية أخرى، بل أن يتخذوها المعيار لصحة وحقانية قضاياهم وأفكارهم، وهذا ما فعله من قبل المجاهدون في طريق عاشوراء، في فترات زمنية ماضية، ولعل أبرزهم المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي الذي أوجد تياراً ثقافياً وحركة نهضوية انطلقت من كربلاء الى جميع انحاء العراق ثم العالم، فقد اقتبس الإصلاح، والتغيير، وبناء الذات، ومقارعة الظلم والانحراف والتضليل من مدرسة الامام الحسين، وأثمرت هذه الحركة في عمرها القصير داخل العراق عن مستوى جيد من الوعي الديني وصياغة للثقافة الاسلامية في اوساط المجتمع، واستمر العطاء خارج العراق، ثم ليكون بعد وفاته اسماً لامعاً في الذاكرة العراقية والاسلامية لشخصية أكثر ما نجحت في الاستلهام من النهضة الحسينية لبناء الانسان والمجتمع وفق القيم والمعايير التي ضحى من اجلها الامام الحسين، عليه السلام، وبكلمة؛ أعطى أكثر مما أخذ.
إن الشريحة المثقفة يجب ان تكون بوصلة لحركة الشارع في “الزمن الديمقراطي” لإصلاح الاوضاع الاقتصادية والسياسية، والمطالبة بتحسين التعليم والصحة والخدمات العامة، ومحاسبة المسؤولين، وهي التي يجب ان تحدد أفضل الوسائل والطرق السليمة لتحقيق هذه الاهداف، و بسبب هذا الغياب العجيب نرى كربلاء المقدسة بما فيها مرقد الامام الحسين، عليه السلام، وأخيه أبي الفضل العباس، تتحول وبشكل مريب الى ساحة لتصفية الحسابات وإراقة الدماء، ومن ثم تتحول الى بؤرة لتفجير الوضع الامني في العراق بعد فترة هدوء واستقرار شهده العراق في الاشهر الماضية.
فهل هذا ما تستحقه كربلاء الامام الحسين يا سادة؟!
كربلاء التي أجبرت رجالات السياسة في لندن لإعادة النظر في سياساتهم الاستعمارية بالعراق بعد تعرضهم لضربات موجعة من رجال ثورة العشرين بقيادة الامام الشيرازي، وفي كربلاء نفسها اضطر الجنرال البريطاني الوقوف على قدميه بعد رفض الامام الشيرازي استقباله والسماح له بالجلوس على حصيره، وبعد سبعين عاماً بالضبط يخرج أحفاد أحفاد ثورة العشرين منتفضين ليلقنوا صدام معنى ان يكون الانسان كربلائياً، وبين تلك وهذه، كانت كربلاء الامام الحسين الدرع الواقي والحصين أمام الغزو الفكري في عقد الستينات بفضل نضال وتضحيات الشباب الواعي وابناء الحوزة العلمية المتصدّين، ليعززوا الايمان في نفوس الناس ويغرسوا القيم الاخلاقية والدينية في المجتمع بدمائهم.
فهل من تناسب بين ما شهدته كربلاء المقدسة آنذاك، وبين ما نراه اليوم؟!
احسنتم