يقول الامام زين العابدين: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ أَوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ إِذَا كَبِرْتُ، وَأَقْوَى قُوَّتِكَ فِيَّ إِذَا نَصِبْتُ“.
ثمة أعمال يقوم بها الانسان الآن، ثم تظهر نتائجها بعد فترة طويلة، بينما ثمة أعمال تفرز نتائجها في الحال، مثل الكرة التي تضربها على الحائط فانها ستعود اليك في الحال، وفق قاعدة الفعل ورد الفعل، أما اذا أخذت نواة التمر و زرعتها في الارض فانها تحتاج الى فترة طويلة حتى تظهر ثمار هذا العمل.
-
بين الرضاعة والعفو خمسين سنة
حليمة السعدية، سلام الله عليها، أرضعت النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، في أشهره الاولى، ثم كبُر النبي، وصار رجلاً وبُعث نبياً، ثم هاجر الى المدينة، وبدأ بنشر الدعوة الاسلامية ومواجهة الكفار والمشركين، وفي معركة مع قبيلة هوازن انتصر النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وأخذ الغنائم، ومنها؛ جواري، فجاءت إحداهنّ ووقفت عند النبي الأكرم، وقالت: أنا اختك في الرضاعة، فسحب النبي رداءه وألقاها لها على الارض فجلست، ثم قالت: أن كبار قبيلتي لهم حديث معك، وانا شفيعتهم عندك، فجاؤوا وقالوا لرسول الله، بأنهم لا يكترثون لما غنم منهم من غنائم بعد خسارتهم الحرب إلا النساء، “فهذا ما لا نقدر عليه”، وعليه طلبوا إطلاق سراح النساء والاطفال.
فقال لهم النبي: أما حصتي وحصة آل أبي طالب فهي لكم، أما حصة المسلمين فهي لهم، ولكن! بامكانكم الذهاب الى المسجد وقت الصلاة، واعرضوا للمسلمين حاجتكم، وقولوا: ان رسول الله شفيعنا في هذا الطلب.
وفعلاً؛ ذهبوا الى المسجد وعرضوا حاجتهم للمسلمين، فكانت الاستجابة سريعة بإطلاق سراح جميع النساء والاطفال، إلا شخص واحد –يبدو كان من المنافقين- فرفض التنازل عن حصته، فساومه النبي بإعطائه ست جواري بدل واحدة فقبل.
وعندما رأى هؤلاء هذه الاخلاق العالية والتسامح العظيم من النبي الأكرم، دخلوا جميعاً في الاسلام، واصبحت هوازن أقوى حليف له في الطائف.
إن حليمة السعدية أرضعت النبي الأكرم وعمره سنة واحدة، و ظهر جزاء هذا العمل بعد خمسين سنة.
ثمة أعمال يقوم بها الانسان الآن، ثم تظهر نتائجها بعد فترة طويلة، بينما ثمة أعمال تفرز نتائجها في الحال، مثل الكرة التي تضربها على الحائط فانها ستعود اليك في الحال.
-
الشباب و البحث عن الاستجابة السريعة
بعض الشباب يتوقع الاستجابة السريعة من الله لدعواته بالنجاح والحصول على المال و فرصة العمل، وهو يجهل أن حاجته غير حقيقية للمال والرفاهية في مرحلة الشباب، بينما في مرحلة الشيخوخة وعندما يكون للرجل احفاد ونفقات للعائلة الكبيرة، وربما للإسهام في مشاريع البر والخير، وهذا ما يشير اليه الامام زين العابدين، عليه السلام، في دعائه بتضمينه هاتين الفكرتين:
الاولى: حاجة الانسان المؤمن الى الرزق في كبر سنّك أكثر مما في شبابك.
الثانية: لا تستعجل الرزق اليك.
نعم؛ يطلب الانسان من الله ـ تعالى- سعة الرزق، وان لا يكون محتاجاً ومعسراً، إنما سعة الرزق والحال تكون في كبر السنّ حيث تزداد حاجات الانسان.
-
رزقك وليس رزقي
ثمة التفاتة أدبية جميلة من الامام، عليه السلام، بقوله: “أوسع لي في رزقك”، ولم يقل: “رزقي”، فالمال سيكون بيد الانسان، ولكن ـ كما يبدو- للدلالة على شكر الله الذي بيده الرزق، ثم إن كلمة “الرزق” في مدلولها تتسع وتضيق حسب المضاف اليها، فعندما نشير الى مبلغ مليون دينار، نقول مليون دينار مال زيد، او الف دينار، وعندما ينسب الاما زين العابدين الرزق الى الله ـ تعالى- فانه يبين السعة غير المحددة لهذا الرزق.
-
استمداد القوة الإضافية من الله
هنا ثمة ملاحظتان:
الملاحظة الاولى: أن البدن طيعة للروح، فمهما كان البدن ضعيفاً، والروح قوية فانها تضخ القوة في هذا البدن، وهذا ما كشف عنه أمير الؤمنين، عليه السلام: “ما ضعف بدن على ما قويت عليه النيّة”.
مثال ذلك؛ انت في بيتك، وقد أخذ منك التعب والارهاق بعد حملة تنظيف واعمال داخل البيت، وتريد التوجه الى الفراش لأخذ قسط من الراحة، واذا الباب تطرق، وخلفه زوار الامام الحسين، عليه السلام، أو اصدقاء أعزاء وصلوا للتوّ من بلد آخر، فانك بالتأكيد تنسى تعبك وتتوجه لاستقبال الضيوف.
-
فما هو مصدر هذه القوة؟
إنها الروح القوية التي بعثت القوة في البدن، وهذا عطاءٌ من الله ـ تعالى – وتتمثل الروح بصفات الكرم والمروءة والتعاون وسائر الخصال النبيلة ذات البعد الاجتماعي، ولذا يقول الامام زين العابدين، عليه السلام: “وَأَقْوَى قُوَّتِكَ فِيَّ إِذَا نَصِبْتُ”، أي عندما تخور القوى ويعضف البدن، اعطني المدد الاضافي.
الملاحظة الثانية: تتعلق بمفردة “نَصِبْتُ” فهي لا تنصرف الى التعب، بقدر ما تدل على العبادة؛ {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}، بأن انصب نفسي للعبادة، والدليل؛ تتمة الدعاء: “ولا تبتلني بالكسل عن عبادتك”، فالامام يطلب من الله ـ تعالى- بأن يعطيه القوة للوقوف لعبادته والتضرع اليه.