يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.. وَطِيبِ الْمُخَالَقَةِ، وَالسَّبْقِ إِلَى الْفَضِيلَةِ، وَإِيثَارِ التَّفَضُّلِ، وَتَرْكِ التَّعْيِيرِ، وَالإِفْضَالِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ“.
من مواصفات الطعام الطيّب ان تكون رائحته طيبة، وايضاً طعمه طيب، وشكله طيب ولذيذ ومظهر جميل، بيد ان الحقيقة ينبغي ان يكون الطعام الطيب مفيداً. فربّ طعاماً لذيذاً ورائحته زكية، ولكن كل هذا صناعي من الطعم والرائحة وغيرها، فلا يستفيد الجسم منه، وعليه فطعام كهذا لا يكون طيباً. لذا فان الطعام الطيب يجب ان تكون طيبته نابعة من حقيقة في داخله، كذلك حال المؤمن في علاقته مع الآخرين، فربما يتصنّع المؤمن في علاقته مع الآخرين، ولكن هذا لا ينفعه، ربما ينفع في مرحلة معينة، أما الانسان المؤمن الذي علافته بالآخرين ايمانية، فان جوهره طيب، ولذا يقول الامام زين العبادين، عليه السلام، يطلب من الله ـ تعالى- “اللهم ارزقتني وَطِيبِ الْمُخَالَقَةِ”.
ولكن ما هي المخالقة؟ علماً أن الحديث في سياق “المخالطة”.
-
دور الجوانح في تطييب العلاقات
صحيح أن للانسان علاقات في الواقع الخارجي مع الآخرين مصداقها الاختلاط والاحتكاك، بيد أن الامام، عليه السلام، يشير الى جانب الجانحة في العلاقات مع الآخرين، مع وجود الجارحة.
فالذي ينظر الى شخص ما فانه استخدم الجارحة للنظر وحسب، تبقى هذه النظرة ربما تحمل الحب، وربما تحمل الكراهية، وهذه المشاعر لا تصدر من العين (الجارحة)، وإنما من الروح التي خلف العين (الجانحة)، وهذا مصداق الروايات المؤكدة على النظرة الايجابية مثل “النظر في وجه الأبوين رحمة بهما عبادة”.
فالمخالقة الطيبة تمثل تعبيراً عن المكنون الطيب لدى الانسان.
-
عبادة عادية و يكافؤه الله بالجنة!
ذات مرة قال رسول الله، صلى الله لاصحابه: من اراد ان ينظر الى رجل من أهل الجنة فلينظر الى هذا الداخل الآن، فدخل رجلٌ المسجد وصلّى ركعات بشكل سريع، ودون مستحبات، وخرج، أحد الاصحاب تبعه الى داره، وطلب منه ان يظيفه ليرى ما هي فضيلته ليكون من أهل الجنة بإمضاء من رسول الله؟ فرأى انه لم يصل صلاة الليل، ولم يصل صلاة الصبح في وقتها، فتعجب الرجل وسأله عن حاله فقال:
كل يوم أخرج من بيتي وأنظر الى بقال في السوق أقول: يارب! عبدك عند بابك، زده من رزقك، او أرى مريضاً أطلب من الله ـ تعالى- بأن يشافيه ويعافيه، اطلب الخير للآخرين، وهذه من صفات المؤمن عندما يكون مصداق “وَطِيبِ الْمُخَالَقَةِ“، فأينما يحلّ ينشر الطيب لان روحه طيبة.
جاء في الروايات؛ لو أن عالماً مرّ في قرية لم يجلس عندهم ولم يأكل ولم يشرب، رفع الله العذاب عن موتى تلك القرية أربعين صباحاً.
-
تجليات طيب المخالقة
يذكر الامام زين العابدين، عليه السلام، جملة من الصفات، هي تجليات لطيب المخالقة منها؛ ” “وَالسَّبْقِ إِلَى الْفَضِيلَةِ“.
يقول امير المؤمنين، عليه السلام، سمعنا ذات مرة صوت استغاثة في المدينة المنورة، يقول: بينا نحن نستعد للخروج من البيت وجدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله، راجعاً وهو يقول: “انتهت المشكلة”!
“وَإِيثَارِ التَّفَضُّلِ”
ومصداقها في تقديم احد المؤمنين لكأس ماء بيده الى خمسة من اخوانه، فهو يؤثر اخوانه على نفسه بهذا الكأس الواحد من الماء، فهو يريد الخير للآخرين بما يتمكن.
“وترك التعيير والإفضال على غير المستحق”
سفانة بنت حاتم الطائي وقعت في أسر المسلمين في معركة طيّ مع رسول الله، والقصة معروفة بإطلاقها ومن معها من قبل رسول الله، بعد أن أطلقهم رسول الله، قالت: هل تأذن لي بالدعاء يارسول الله؟ فأذن لها، قالت عبارات ذات دلالات:
“أصاب الله ببرك مواضعه”.
فالمشكلة ليست في العطاء والبذل، لاسيما في شهر رمضان، إنما في عدم وصول هذا البذل الى المستحقين، مما يبعث على القلق من ان يتحول الثواب الى عقاب، حيث يندم البعض على أموال دفعها لشخص انفقها في الحرام.