شهر التغيير
تأملات في دعاء الإمام زين العابدين، عليه السلام، في استقبال شهر رمضان
لمؤلفه: السيد مرتضى المدرسي
إعداد: هيئة التحرير
مطلوب من الانسان التغيير نحو الأحسن في حياته، هكذا ما تدعو اليه نظريات التنمية والمهارات وعلم النفس الاجتماعي، وقبل هذا أكد الاسلام على حقيقة التغيير والتطور في الحياة وضرورة المواكبة، بل والإسهام في هذا التطور، وقد قالها أمير المؤمنين، عليه السلام، ونحن نعيش هذه الأيام ذكراه الأليمة: “من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له”.
وما أروع وأجمل أن يكون شهر رمضان المبارك فرصة لتحقيق هذا التغيير في النفس والأخلاق وطريقة التفكير، فيما يتعلق بعلاقة ما الانسان ونفسه، وفيما بينه والناس، وفيما بينه وبين الله –تعالى-.
ولكن! كيف نحقق التغيير في شهر رمضان؟
لاشك ثمة طرق وسبل لذلك، منها؛ ما يسلط الضوء عليه سماحة السيد مرتضى المدرسي، نجل المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي –حفظه الله- في كتابه “شهر التغيير”، حيث يختار دعاء الامام زين العابدين، عليه السلام، في استقبال هذا الشهر الفضيل، على أن يكون “بمنزلة خارطة معرفية لكيفية استثمار هذه الفرصة العظيمة”.
الكتاب، رغم صغر حجمه بواقع (110) صفحة، بيد أنه مشحون بالافكار والملاحظات والاشارات الدالة الى الله –تعالى- وبأسهل ما يكون، يكفي الانسان أن يعرّض نفسه للنفحات الايمانية ويعدّ نفسه للمائدة الرحمانية، كما يستعد لها لموائد الافطار التي تقام هنا وهناك.
تضمن الكتاب اربعة فصول يتنقل خلالها سماحة المؤلف بين ثنايا كلام الامام زين العابدين، عليه السلام.
الفصل الاول: سبيل شهر رمضان
“الحمد لله الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله لنكون لاحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين”.
فالحمد، وما يحمل من معاني ودلالات شيء، والتوفيق لهذا الحمد شيء آخر يؤشر الى اهميته الامام، عليه السلام، وعلينا الانتباه اليه، فمن جملة ما رزقنا ربنا من النعم التي نعجز عن احصائها، “رُزق المؤمن نعمة أعظم منها جميعاً وهي نعمة حمده، وهي أن الله هدانا لحمده”.
ثم يبين سماحته العلاقة بين التوفيق للحمد، والشكر، فان “الايمان شجر باسقة وأطيب ثمارها الشكر، لأن الشكر يجعل النفس في بحبوحة الرضا، وفي سكينة الأمل، وفي حالة ازدياد لا يتوقف… فالشاكر هو الذي يتحسس نعم الله نفسياً، ويرتوي منها روحياً حتى يصبح غنياً بالله”.
ثم يتحدث سماحته عن نعمة الدين، وهي “سيدة النعم، وقد عبر عنها الامام، عليه السلام، بالحبوة (الحَمْدُ لله الذي حَبانا بدِينِه)، أي انها عطية لله لعباده المؤمنين”، ومع هذه النعمة تكون سُبُل الاحسان، الذي ينطوي على البعد الاجتماعي وعلاقة الانسان باخيه الانسان، ويبين سماحته أن من اهم صفات الانبياء أنهم كانوا من المحسنين.
وفي هذا الفصل يبين سماحة السيد المدرسي سمات شهر رمضان المبارك وهي: شهر الصيام، وشهر الاسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص بين المؤمن وغيره، وشهر القيام، وشهر نزول الكتاب.
الفصل الثاني: العبادة الخالصة
في هذا الفصل يسلط المؤلف على مسألة المعرفة ويعدها شرطاً للاستفادة من شهر رمضان، ونيل الرحمة الإلهية، “فالمستفيد من شهر ضيافة الله هو من يعرف فضل هذا الشهر، ويجلّ حرمته، ويتحفظ فيه مما حَظَر الله”.
ثم يعرّج سماحته على اثني عشر أمراً دعا اليها الامام زين العابدين في دعائه، تجت مراعاتها والالتزام بها بغية الخروج من شهر رمضان ونحن المرحومين، لا من المحرومين، وهي: السمع، والبصر، واليد، والقدم، وعفة البطن شرط قبول الطاعات، وعفّة اللسان، وعدم التكلف إلا بما فيه الثواب، والوقاية من العقاب، والتقوى من النار، والتطهّر من الرياء.
الفصل الثالث: الثواب المتصل
في هذا الفصل يتحدث المؤلف عن الجانب العقدي وتأثيره المباشر على الجانب الاجتماعي، “فدين الله وحدة متكاملة ولا ينتفع به في يوم الجزاء إلا من جاء بكلّه، فهو كالخيمة التي فيها الكثير من الاجزاء، إلا أن لها عموداً يحمل هذه الخيمة، فاذا اختلّ العمود قد تسقط الخيمة في أية لحظة، وعمود الدين هي الصلاة”.
و يأتي المؤلف على أربعة دعوات للإمام زين العابدين، عليه السلام: “اللهم صل على محمد وآله، و قفنا فيه على مواقيت الصلواة الخمس بحدودها التي حددت، وفروضها التي فرضت، ووظائفها التي وظفت، وأوقاتها التي وقّت”، ثم أتى على ذكر كيفية أداء حق الصلاة.
وأكد سماحة المؤلف على العلاقة العضوية بين العبادة والسلوك الاجتماعي، وأن “الدين الاسلامي نهى عن الرهبنة، بل وجعل الرهبانية في هذا الدين أمر اجتماعي وهو الجهاد في سبيل الله، فلا يظن أحدهم أن صلاته التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر تنفعه، كما أن الصوم الذي لا يشعره بالآخرين وحاجاتهم لا قيمة لها”.
ويشير سماحته في هذا السياق الى وجوب صلة الأرحام، وحسن الجوار، “و وَفّقْنا فيهِ لأن نَصِلْ أرحَامَنا بالبِرّ والصِلَة، و أن نَتَعاهَدَ جِيرَانَنا بالإفضَال والعَطِية”.
الفصل الرابع: كيف نودع الشهر
لسماحة السيد المؤلف التفاتة رائعة فيما يتعلق بتوديع شهر رمضان المبارك، حيث يرجو الجميع غفران الذنوب ومحوها برحمة ومنّة من الله –تعالى- “ولكن غفران الذنوب وحده لا يكفي، فان للذنب تبعات وآثار على الانسان، والمؤمن لا يطمع في محق ذنوبه فحسب، بل يرغب الى الله للتخلص من تبعات تلك الذنوب ايضاً”.