مكارم الأخلاق

 تأملات في دعاء مكارم الأخلاق (15) كيف نسيطر على الغضب؟

يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَلِّنِي بِحِلْيَةِ الصَّالِحِينَ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ الْمُتَّقِينَ، فِي بَسْطِ الْعَدْلِ، وَكَظْمِ الغَيْظِ، وَإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ

المؤمن كالنحلة، له زيٌّ خاص به، والأمكان التي يرتادها أماكن خاصة، وأين ما ذهب أخذ معه الرحيق، في إحدى وصايا أمير المؤمنين، عليه السلام: “كونوا في الناس، إذا غبتم حنوا اليكم، واذا متم بكوا عليكم”.

فكثير من الناس الذي نفتقدهم، إذا ذُكروا حنينا إليهم، فكيف وصل هؤلاء الناس الى هذه الدرجة؟

إنهم يتمتعون بحلية المتقين، تمثلا بقول الإمام: “وَحَلِّنِي بِحِلْيَةِ الصَّالِحِينَ”، فالمؤمن كحامل العطر، أين ما ذهب يـأخذ الريحة الطيبة معه، ولذا فالمؤمن له عطر خاص يتميز به عن غيره.

كما اللباس يستر عيوب وعورات الجسد، فإن هناك لباس يستر عورات وعيوب الروح، ولباس الروح هي التقوى، {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}، ولذا يقول الإمام السجاد، عليه السلام: “وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ الْمُتَّقِينَ“، فما هي تلك الزينة؟

يسرد الإمام، عليه السلام، بتعدد صفات هذه الزينة، وهي كالآتي:

1ـ فِي بَسْطِ الْعَدْلِ”، فمما يزين المؤمن المتقي انه يبسط العدل، كان رسول الله، صلى الله عليه وآله، إذا جلس في مجلس ليتتحدث مع الناس، كان يوزّع نظراته بينهم بالتساوي، وللأسف الشديد، فإن هناك فكرة خاطئة تنتشرمفاداها: المساواة بين الناس! او المساواة بين الزوجين، أو المساواة بين الرجل والمرأة، فلا بد أن يكون هناك عدل، فالقرآن الكريم فيما يخص الأزواج أمرنا بأن نعدل، والعدل: أن نعطي كل واحد حقه بمقداره.

 

مما يزين المؤمن المتقي انه يبسط العدل، كان رسول الله، صلى الله عليه وآله، إذا جلس في مجلس ليتتحدث مع الناس، كان يوزّع نظراته بينهم بالتساوي

 

فإذا كان احدهم قد زرع نخلة ووردة في بستان واحد، فليس من المعقول أن يتساويا في مقدار كمية المياه التي تعطى لهما! فالورد تكتفي بمقدار أقل من النخلة، وهذا ليس عدلا، هذه مساواة، فالعدل هو ان ان يحصل كل واحد على حقه بمقداره هو.

ولهذا فإن الإمام عليه السلام، في هذا الدعاء يؤكد على ان مما يزين المؤمن هو بسطه للعدل في كل شيء، فحياته قائمة على موازين صحيحة، فلا افراط ولا تفريط، لكن البعض ـ وللأسف ـ يصبح خلوقا، أو كريما، أو متدينا مع الآخرين، لكن مع عائلته يفقد تلك الصفات الحميدة التي يلقى بها الناس، وقد يكون البعض على العكس تماما، وهذا خطأ ايضا، يقول الإمام علي، عليه السلام، في خطبة المتقين: “مشيهم الاقتصاد.

 

  • السبيل الى كظم الغيط

2ـ “وَكَظْمِ الغَيْظِ”، سمي الإمام الكاظم، عليه السلام، بالكاظم، لأنه كان يتمتع بهذه الخصلة الحميدة ويتميز بها ـ وإن كان كل الإمام هكذا ـ، لكن الإمام تجلت عنده هذه الصفة أكثر باعتبار الظروف التي عاشها هو وشيعته.

كان الإمام الكاظم، عليه السلام، يمشي في مكة، وهو راكب على بغلة، فالوالي العباسي على مكة المكرمة، اراد ايذاء الإمام، عليه السلام، فأرسل الوالي احدهم ليأخذ البغلة من الإمام وهي له ـ اي لذلك الرجل المُرسل من قبل الوالي ـ.

فذهب وقال للإمام الكاظم: انزل من على بغلتي!

فنزل الإمام، عليه السلام، وقال لخادمه: خذ السرج، واعطه البغلة.

فقال الرجل: السرج أيضا لي.

قال الإمام: خذ البغلة واذهب، فلو اردنا ان نقيم البينة لاقمناها.

في أحد الأيام في المدينة المنورة، كان احدهم يشتم الإمام الكاظم، عليه السلام ويؤذيه، لكن الإمام، لم يعر له أي اهتمام، فحين رأى الرجل أن الإمام الكاظم، لا يهتم لكلامه وسبه، لجأ الرجل الى سب أمير المؤمنين، عليه السلام، فقام اصحاب الإمام الكاظم لاسكات الرجل، لكنه منعهم.

ثم ذهب ذلك الرجل، بعدها قام الإمام الكاظم يسأل عنه وعن حياته، فقالوا له أن هذا الرجل يملك مزرعة في احدى مناطق المدنية، في اليوم التالي؛ ذهب الإمام الكاظم، عليه السلام، الى مزرعة ذلك الرجل.

فحين رأى الرجل الإمام، قال له: لا تدخل؛ بغلتك افسدت الزرع!

وبعد أخذ وعطاء في احاديث متنوعة، قال له الإمام: كم خسرت في هذا الرزع؟

فقال الرجل: مئة درهم.

قال الإمام: كم ترجو منها؟

قال: مئة أخرى فوق تلك.

فأعطاه الإمام كيس به ثلامئة درهم وقال له:

مئة خسارة الرزع، ومئة التي ترجوها، وفوقهما مئة أخرى.

فجاء الرجل في اليوم التي والإمام الكاظم، عليه السلام جالس يتحدث مع الناس، وانصت معهم، فقال له اصحاب الإمام: ما بالك اليوم لا تسب الإمام؟!

قال الرجل: الله اعلم حيث يجعل رسالته.

قد يقول احدهم: ان كظم الغيط من الأمور الصعبة، لكن روايات أهل البيت، عليهم السلام، بينت كيف يسيطر الإنسان على غضبه، فمثلا: إذا كنت واقفا فاجلس، وإذا جالسا فقم، واذهب وتوضأ. وعلى الإنسان حين الغضب ان يفكر، فلا يصدر منه أي فعل قبل ان يفكر فيه.

3ـ “وَإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ”، فالبعض قد يكون في داخله اشبه بالبركان، لكن الإنسان المؤمن، حتى في هذه الحالة لا يصل به الامر الى الفوران الداخلي.

عن المؤلف

السيد مرتضى المدرّسي

اترك تعليقا