يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “اللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إِلاَّ أَصْلَحْتَهَا، وَلا عَائِبَةً أُوَنَّبُ بِهَا إِلاَّ حَسَّنْتَهَا، وَلا أُكْرُومَةً فِيَّ نَاقِصَةً إِلاَّ أَتْمَمْتَهَا“.
كان هنالك رجلٌ يدعى “شقران” من موالي رسول الله، صلى الله عليه وآله، دخل على الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، كان فقيراً يبحث عما يعطيه المال، بيد أنه كان متهتكاً غير ملتزم دينياً، فطلب حاجته ولبّاها له الامام، عليه السلام، ثم قال له: “يا شقران! إن كل حَسنٍ من كل أحد حَسن ومنك أحسن لقربك منّا، وإن السيئ من كل أحد سيئ ومنك أسوء لقربك منّا”.
لا ينبغي للشيعي والموالي لأهل البيت، عليهم السلام، أن يفكر بعدم ارتكاب المعاصي فقط، أو ان يكتفي بالتحلّي ببعض مكارم الأخلاق، وإنما يبحث عن معالجة جميع العيوب لديه، لذا يقول الإمام، عليه السلام: “اللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إِلاَّ أَصْلَحْتَهَا“.
المشكلة أن البعض لديه خصلة سيئة واحدة لا أكثر يُعاب عليها، ولكن هذ الخصلة هي التي تُرديه، فالغضب ـ مثلاً- ربما يؤدي بصاحبه الى كوارث.
والانسان الباحث عن الكمالات الاخلاقية والايمانية اذا صلّح كل جوانب حياته، إلا جانباً واحداً فانه سيبقى نقطة سواداء في الصفحة البيضاء واضحة ويُعاب عليها، وربما تكون سبباً في سقوطه.
وأحياناً تظهر الخِصال السيئة على حين غفلة من صاحبها، كأن يكون كثرة الكلام الذي ربما تنزلق منها أخطاء قاتلة، وفي الحديث الشريف: “من كثر كلامه كثر خطأه ومن كثر خطأه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار”، كذا حالة الغضب التي ربما تدفع بصاحبها فجأة الى أعمال وقرارات مدمرة.
هنا نحتاج الى المفاهيم الاجتماعية السامية التي خطّها الاسلام مثل؛ النصيحة، والتواصي بين الأخوان، يقول الحديث الشريف: “رحم الله من أهدى إليّ عيوبي”.
الانسان الباحث عن الكمالات الاخلاقية والايمانية اذا صلّح كل جوانب حياته، إلا جانباً واحداً فانه سيبقى نقطة سواداء في الصفحة البيضاء واضحة ويُعاب عليها، وربما تكون سبباً في سقوطه
ويقول الإمام زين العابدين: “وَلا عَائِبَةً أُوَنَّبُ بِهَا إِلاَّ حَسَّنْتَهَا“، فاحياناً يكون العيب بحيث يعجز صاحبه على إصلاحه، فيكون الطلب والدعاء الى الله بالعون على تحسينها حتى لا يتعرض صاحبها لتأنيب الآخرين.
ثم يقول، عليه السلام: “وَلا أُكْرُومَةً فِيَّ نَاقِصَةً إِلاَّ أَتْمَمْتَهَا“.
ربما تكون عند البعض نواقص في مكارم معينة، فيطلب الإمام عليه السلام، من الله إتمامها، بغية تحقيق المكارم الاخلاقية، بينما الكثير يعدون انفسهم في كمال تام، ليسوا بحاجة الى تكميل او تحسين، فما المانع من زوج يطلب من زوجته تنيهه على مكرمة او خصلة حسنة غير موجودة فيه، وكذا نجد بعض الآباء المتابعين لشؤون أبنائهم عندما يجدوا في أيديهم شيئاً يسألون عن مصدره، ومن اين لهم المال لشرائه، حتى لا يعابون بشيء امام الناس.
الشيخ محمود طه نجف، أحد مراجع الدين الكبار في النجف الأشرف، يروى عنه أنه ذات مرة سأل نفسه عما اذا كانت الفتاوى التي أصدرها صحيحة تماماً، من الحيث الظاهر، انا استنفذ كل طاقتي لاستحصال الحكم الشرعي من مصادره، وابذل قصارى جهدي في هذا المجال، ولكن من يقول ان هذا مرضيٌ عند الامام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه.
يقول ذلك العالم: ذهبت الى حرم أمير المؤمنين، عليه السلام، وتوسلت بالإمام لتحصيل الاطمئنان على قضيتي، و مرت أيام عديدة حتى شهر كامل وانا اطرق باب أمير المؤمنين طلباً للنصيحة.
لا ينبغي للشيعي والموالي لأهل البيت، عليهم السلام، أن يفكر بعدم ارتكاب المعاصي فقط، أو ان يكتفي بالتحلّي ببعض مكارم الأخلاق، وإنما يبحث عن معالجة جميع العيوب لديه، لذا يقول الإمام، عليه السلام: “اللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إِلاَّ أَصْلَحْتَهَا”
وذات مرة كان هذا العالم مصاب بالحمّى وقد ألمّ به المرض، فذهب الى ضريح الإمام وخاطبه بأن: “يا امير المؤمنين! لا أطلب منكم مال، ولا صحة، ولا علم، وانا الى كل هذا أحوج، ولكن أطلب منكم تبيين ما اذا كان طريقي على صواب أم لا؟
يقول: رجعت الى البيت وأخلدت الى النوم، وفي عالم الرؤيا جاءني أمير المؤمنين، عليه السلام، وقال لي: لم أنت منزعج؟ أذهب الى ولدي المهدي، هو الذي يجيبك”.
فانتبهت من النوم، وعلمت أني كنت أسير في الطريق الخطأ، فأنا بالاساس وكيل عن الإمام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، وأنطق عنه، وعليّ ان أعرف ما يقول عنّي. فتوجهت الى مسجد السهلة المبارك، وبعد التوسل بالإمام لمدة ثلاثة ايام، وبينما كنت جالساً في صالة استقبال الدار (البراني)، واذا برجل بلباس عربي دخل، وبعد التحية والسلام، قال: لديّ مسائل، قلت تفضل؛ فطرح السؤال، أجبت عليه، ثم سأل عن العلّة فأجبته. وطرح السؤال الثاني، واجبته ايضاً، ثم سأل العلّة والاساس الذي اعتمدت عليه، فاوضحت له. ونفس الشيء السؤال الثالث والرابع، فاجبت عنها، ثم قال لي: أنت مرضيٌ عندنا وخرج.
وفي لحظة انتبهت على نفسي؛ من هذا الذي يقول:أنت مرضيٌ عندنا؟! ثم عرفت أنها الاشارة وصلتني من الإمام الحجة المنتظر بعد أن طلبتها.
والأمثلة على ذلك كثيرة؛ أبرزها سلمان المحمدي، هذا الصحابي الجليل والمقرّب من رسول الله، صلى الله عليه وآله، حتى خصّه من جميع الصحابة بـ”سلمان منّا أهل البيت”؛ هذه المنزلة الرفيعة لم يحصلها من رسول الله بالهيّن، فقد طلب الهداية من الله طيلة سني حياته التي تربو الى الثلمائة سنة، فقد ساح في البلاد، شرقاً وغرباً، حتى عمل أجيراً في مكان، ثم استرقوه وباعوه واشتراه شخص يهودي في المدينة، وحتى حان موعد لقائه برسول الله، وآمن به.
هكذا الانسان المؤمن دائم البحث عن نواقصه، ويتحقق عما اذا كان على الطريق الصحيح في حياته أم لا؟